الكذب على الأطفال | ليس الخيار المناسب في الأساليب التربوية

«بعد أن كبرت، اكتشفت أمورًا كثيرة كان والداي يكذبان عليَّ فيها، منها اتفاقهما على إخفاء أمر مرض أبي بمرض مناعي خطِر حتى لا أحزن أو أشعر بالتخبط.
لكني أتمنى لو كان باستطاعتي مشاركتهم همومهم، والاعتناء بوالدي خلال فترة علاجه، وألا يخفوا عني ذلك.
كذلك عندما ماتت (كيتي) -قطتي الأليفة- لم يخبراني بموتها، وعندما سألتهما عنها قالا لي إنهما أرسلاها إلى مركز العناية بالحيوانات لأنها مريضة ولا تستطيع البقاء معنا بعد الآن.
أعلم أنهما كانا يلجآن إلى الكذب خوفًا على مشاعري من الحقائق المؤلمة، لكن الكذب لا يكون أبدًا حلًا للمشكلة، فالمصارحة هي أفضل الحلول.»
سنتناول في مقالنا قضية الكذب على الأطفال، ولماذا يلجأ الآباء إلى الكذب على الأبناء، وخطورة الكذب على الأطفال.
الكذب على الأطفال… خطأ يرتكبه معظم الآباء
يقع معظم الآباء في خطأ الكذب على الأطفال، ولا يدركون خطورته على المدى البعيد في مرحلتَي المراهقة والشباب.
بالتأكيد لا يقصد الآباء إيذاء أطفالهم، أو تنشئتهم تنشئة غير سوية، ولكنهم قد يفعلون ذلك لأسباب كثيرة سنطرحها بالتفصيل.
لماذا يلجأ الآباء إلى الكذب على الصغار؟
١. لتجنب ردة فعل الطفل المزعجة من صريخ وبكاء نتيجة عدم تلبية طلباته، خاصة إذا كانوا خارج المنزل في اجتماع عائلي أو مشوار.
٢. للخوف على مشاعر الطفل من بعض الأخبار المحزنة أو المخيفة.
٣. لإلزام الطفل بفعل الأوامر التي نطلبها منه.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
٤. لإكساب طفلك الثقة بنفسه، كالمبالغة في مدح أفعاله.
٥. للهروب من أسئلة الطفل المحرجة فيما يتعلق بمواضيع لا تناسب سنه، أو مواضيع لا تفضل الكلام معه بشأنها.
أبرز أمثلة الكذب على الأبناء
١. إخفاء خبر مرض أحد الوالدين أو فقدان وظيفة أحدهما؛ خوفًا من الأثر السلبي للخبر على نفسية الأبناء.
٢. تظاهر الأب والأم بالمحبة والسعادة أمام الأبناء على الرغم من الخلافات الشديدة بينهما ورغبتهما في الطلاق؛ الأمر الذي يصدم الأطفال عند معرفتهم بطلاق والديهم.
٣. عدم إخبار الأطفال بوفاة أحد أفراد العائلة، أو وفاة حيوانهم الأليف، أو وقوع حادث أليم بالقرب منهم.
٤. قول بعض الأكاذيب التي يظنها الآباء من وسائل تربية الأطفال، مثل:
- إن لم تنهِ طعامك بالكامل، لن تكبر أبدًا وستظل صغيرًا.
- إذا لم تأتِ معي الآن إلى منزلنا، سأتركك بمفردك هنا للأبد.
- ليس لدي المال لشراء ما تريد من ألعاب.
- إذا لم تتوقف عن هذا الفعل السيئ، سأطلب لك الشرطة.
٥. الأكاذيب الناتجة عن رغبة الآباء في تجنب ردود فعل أطفالهم والصراخ والبكاء، مثل:
- إخبار الطفل بأن الحلوى نفدت بدلًا من التصريح بالكمية المسموح بها وإلزامهم بها.
- إخبارهم بأن محل الألعاب مغلق، بدلًا من قولهم بأنهم ليس لديهم المال الكافي لشراء لعبة جديدة.
٦. الكذب على الصغار بغرض إكسابهم المزيد من الثقة في أنفسهم كالمدح في رسوماتهم قائلين إنها الأفضل، أو إبداء إعجابهم الشديد بوجبة أعدوها وهي غير صالحة للأكل.
٧. الأكاذيب المتعلقة بأسئلة الأطفال الجنسية المحرجة، فيجيب الآباء بأنهم لا يعرفون أو يخترعون قصصًا خرافية للرد على أسئلة أبنائهم.
للتعمق أكثر حول التربية الجنسية السليمة للأطفال؛ اضغط هنا.
خطورة الكذب على الأطفال| عواقب وخيمة على طفلك وعلاقتكما ببعضكما
قد يظن الأهل أن الكذب على الأطفال ينجيهم من شرح بعض الحقائق المؤلمة التي يخفونها عنهم، أو يسهل عليهم تربية أبنائهم ليطيعوا أوامرهم.
لكن المعاناة التي يتجنبها الأهل من قول الحقيقة لصغارهم أهون بكثير من تأثير الكذب على الأطفال.
فمحاولة إخفاء الحقائق تخلق حالة من الغموض والتشتت لدى طفلك، وعند اكتشافه كذبك عليه يُصاب بالتوتر العصبي والإحباط. في المقابل، مشاركتك الحقيقة المؤلمة معه يكسبك ثقته.
إليك -عزيزي القارئ- أضرار الكذب على الأطفال
١. إحساس الطفل بأن المشكلة أكبر مما هي عليها؛ فالأطفال وخصوصًا فوق ٦ سنوات يشعرون بكذب الأهالي نتيجة حالة التوتر والجهل بالأمور؛ ما يجعلهم يسرحون بخيالهم إلى مشاهد أسوأ.
٢. فقدان الثقة في الأهل وتجنب الحديث معهم حول ما يخصهم، أي ينعزلون عنهم، الأمر الذي يصعِّب مهمة فهم الأبناء على الأهالي، ويعد من أخطر أضرار الكذب على الأطفال.
٣. اتخاذ الأطفال الكذب وسيلة لحل مشكلاتهم، فالأهل مرآة لأولادهم في كافة تصرفاتهم، ومن ثم يعتادون على الكذب على والديهم بصورة مستمرة.
بالتأكيد لا تحبين أن ينشأ طفلك في بيئة مليئة بالكذب، فاحذري من الكذب أمام أطفالك.
٤. شعور الطفل بأنه مهمش وبلا قيمة لدرجة أنكم تخفون المشكلات العائلية عنه، فالطفل يحب مشاركتكم في همومكم ليشعر بقيمته؛ ومن ثم تقوى الروابط الأسرية بينكم، ويصبح أكثر نضجًا.
عند اكتشاف الطفل أنكم تكذبون عليه لتنفيذ ما تطلبونه منه، يشعر بالإحباط وأنه غير مهم، فهو يفضل شرح أسباب ما تريدونه منه، وألا تعاملوه وكأنه ساذج.
٥. شك الطفل في حب أهله له، «فربما هذا الحب كذبة من الأكاذيب التي يروونها لي!»؛ ما يترتب عليه تأزم علاقة الطفل بأهله.
حلول بديلة للكذب على الأطفال

نظرًا للتأثير السلبي للكذب على الأطفال، هناك اقتراحات بديلة في علم تربية الأطفال لمساعدة الطفل على تقبل الحقائق ومواجهتها، منها:
١. إذا كان الكذب على الأطفال بغرض تنفيذ ما يطلبه الأهل.
يمكنك -عزيزتي الأم- شرح الأسباب وراء رفضك سلوكًا معينًّا بطريقة سهلة، فمثلًا:
- بدلًا من كذبك عليه بأنها نفدت، أخبريه بأنها تضر صحته ولا يمكنه الإكثار منها.
- بدلًا من إخباره -كذبًا- بأن محل الألعاب مغلق، قولي له أنكِ لا تستطيعين شراء اللُّعَب الآن لعدم توفر المبلغ معك؛ حتى يشعر بالمسؤولية.
قد يظهر امتعاضه وغضبه، الأمر الذي يزعجك، لكن ينبغي لك أن تختاري لطفلك الطريقة الصحيحة لتقويمه حتى لو كانت صعبة.
٢. إذا كان الكذب على الأطفال بغرض إخفاء خبر سيء عنه.
مثل موت شخص عزيز عليه، أو مرض أحد أفراد العائلة، أو موت حيوانه الأليف.
ليس هناك أفضل من مصارحته بالخبر بطريقة تناسب فهمه، مع إظهار دعمك له وثقتك في قدرته على تحمل هذا الظرف؛ ومن ثم ستزداد ثقته في كلامك وفي نفسه.
إذا كان الخبر حول حادثة مفجعة -كسرقة شقة في عمارتكما، أو حادثة قتل في الشارع-، فلا تكذبي عليه بشأنها، بل أخبريه عنها دون الدخول في التفاصيل المؤلمة؛ مراعاة لسنه.
٣. إذا كان الكذب على الأطفال لسؤالهم عن مواضيع لا تودين الإفصاح عنها لأي سبب كان.
لا داعي للكذب على طفلك، بل أخبريه بمنتهى الوضوح أنك لا ترغبين في الإجابة عن سؤاله.
يمكنك استخدام أكثر من صيغة لتوضيح عدم رغبتكِ الإجابة عن سؤاله:
- هذا الأمر لا يخصك يا بني.
- هذا الموضوع غير ملائم لسنك، سأخبرك به في الوقت المناسب.
- لا أرغب في الحديث عن هذا الموضوع.
- لا أستطيع الإجابة عن سؤالك الآن.
مجمل القول، دعمك لطفلك واحترامك لعقليته في شرح ما تريدين تنفيذه قد لا يكون الطريق السهل الذي ينقذك في مواقف كثيرة، لكنه يفيد طفلك في تشكيل أخلاقه ومبادئه على المدى البعيد.