اللامبالاة في علم النفس | هل حقًّا تطيب الحياة لمن لا يبالي؟!

ألا ليت بالـــي لا يبالـــي | ولا يهتم بما تأتي الليالي |
هكذا أخذ بيت الشعر هذا صيتًا كبيرًا، وراح يتردد بين كثير منا لفترة من الزمن، أمنية بسيطة يرومها من أثقلته الحياة، أو أتعبته شخصيته مفرطة الحساسية أو المهتمة بأدق التفاصيل أحيانًا.
لكن، هل تعرف -عزيزي القارئ- أن اللامبالاة قد تكون حالة نفسية، أو عرضًا لمرضٍ يعانيه بعض الأشخاص؟
دعنا نكون أكثر دقة إذًا، ونتعرف إليه عن قرب:
ما هي اللامبالاة في علم النفس؟ وما أسباب اللامبالاة وعلاجها؟
هذا ما سنتناوله في هذا المقال، فتابع معي…
ما هي اللامبالاة ؟
تُعرف اللامبالاة بأنها شعور بعدم الشعور، يعانيه المرء ويؤثر في أنشطة حياته وعلاقاته.
فمن الطبيعي أن تمر عليك لحظات تفقد فيها حماسك تجاه نشاطٍ تواظب عليه، أو تجاه عملك أو علاقتك بأصدقائك، لكن عندما تشعر بانعدام الرغبة في فعل أي شيء؛ فلم تعد المحفزات تؤثر فيك، ولم يعد لك رد فعل إيجابي أو سلبي تجاه ما تمر به، فربما يكون هناك سبب وراء تلك الحالة الشعورية.
إذا فقدت إيمانك بأهمية الهدف الذي تسعى لأجله، أو بقدرتك على الوصول إليه، فكلتا الحالتين قد تدفعانك إلى التوقف.
وطالما ذكرنا الإيمان، يمكن ربط الحديث بـ “التشاؤم”، إذ إن هناك علاقة وطيدة بين التشاؤم واللامبالاة في الحياة، فحينما تقف حائرًا لا تمتلك إجابة عن تساؤلك عن جدوى ما تفعله في هذه الحياة، كان الاستسلام صديقا محتملًا وقريبًا جدًا منك…
اللامبالاة في علم النفس
ترتبط “اللامبالاة” في أذهان الكثير منا بالسلبية، إذ يُرجعها بعضنا إلى كسل من يتصف بها أو تخاذله أو فشله، وهذا الوصم يفتقر إلى كثير من الدِّقَّة؛ إذ يكون صحيحًا في بعض الحالات التي لا يمكن إنكارها، ولكنه في أوقات أخرى يكون مرتبطًا ببعض الأسباب النفسية والعصبية.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
أسباب اللامبالاة

تختلف أسباب اللامبالاة تبعًا للظروف البيئية والاجتماعية التي ينشأ فيها الفرد، وهي -غالبًا- تنشأ بسبب العوامل التالية:
العامل النفسي
يعد الاكتئاب أحد أكثر الأسباب شيوعًا للإصابة باللامبالاة، إذ يصاحبه فقدان التلذذ وانعدام الرغبة في الحياة، لدرجة أن تصبح أكثر الأشياء تفضيلًا لديك بلا معنى.
لذا يكثر الخلط بين الاكتئاب واللامبالاة في كثير من الأحيان.
كذلك يمكن أن يُصاب المرء باللامبالاة حينما يشعر بانعدام الهدف وفقدان الرؤية الواضحة لمستقبله.
هذا بالإضافة إلى تشتته وغياب وعيه السليم حول مجريات الأمور من حوله.
فتُصبح اللامبالاة آلية دفاعية للهروب من الواقع الأليم الذي لا يجد الفرد فيه ذاته ولا يدري كيف يخرج من طياته.
العامل الاجتماعي
إن الأحداث المجتمعية الجارية يمكن أن يكون لها كبير الأثر على نفسية الفرد والمجتمع ككُل.
ويعد فيروس كورونا المستجد (Covid-19) هو أحد هذه التغيرات الحالية، والتي دفعت كثيرًا من الناس إلى الذعر والقلق المستمر.
لكنها أصابت قسمًا آخر من المجتمع باللامبالاة وكأن شيئًا لم يحدث!
وبينما ترى فئةً يرتدون الكمامات ويمسكون بزجاجات الكحول أغلب الوقت، ترى آخرين لا يرتدونها ويسيرون في الطرقات بشيء من التغافل الشديد!
أجل، يمكن أن تنشأ اللامبالاة من بعض الأحداث المجتمعية، مثل: كورونا ومثل باقي الأحداث العصيبة التي تمر على الأمة.
فالحروب والنزاعات والصدمات الاجتماعية والأوبئة تشوه نفسية البشر وتفقدها حواسها الطبيعية تجاه الأمور.
وكما ذكر (إريك إريكسون) -الخبير النفسي- أن الأحداث التي تواجه البشر في طفولتهم تؤثر على عقولهم عند الكِبَر.
العامل العضوي
هناك أمراض أخرى كثيرة تظهر فيها “اللامبالاة” كإحدى أعراضها، منها على سبيل المثال:
- الزهايمر، إذ تظهر في المراحل الأولية منه.
- الاضطراب الاكتئابي المستمر.
- مرض باركنسون.
- الشيزوفرينيا (الفصام).
- السكتة الدماغية.
- الخرف الجبهي الصدغي.
- الخرف الوعائي.
- داء هنتنغتون.
- الشلل فوق النووي التقدمي.
وأوضحت بعض الدراسات وجود اعتلال في الفص الجبهي في الدماغ لدى من يعانون اللامبالاة، إذ إن إصابة هذه المنطقة من الدماغ بسكتة دماغية -على سبيل المثال- تحفز تطور هذه الحالة الشعورية.
وقد تحدث “اللامبالاة” دون سبب طبي واضح، إما بشكل مؤقت؛ فتفقد الاهتمام ببعض أنشطتك المعتادة لفترة وجيزة، أو تزيد حدتها وتمتد لفترة من الزمن.
كيف يمكن تشخيص اللامبالاة ؟

قد يصعب تشخيص اللامبالاة في كثير من الأحيان؛ نظرًا لارتباطها وتداخلها مع بعض الأمراض الأخرى كالاكتئاب أو الزهايمر.
لكن يمكن القول بأنك مصاب باللامبالاة إذا تحققت لديك الأمور التالية، لمدة أربعة أسابيع أو أكثر:
- تغيرات في المشاعر والسلوك والتفكير: إذ يصعب عليك إتمام مهامك اليومية، أو إكمال المحادثات المعتادة، وتفقد الاهتمام بالأخبار والأحداث الواقعة من حولك.
- غياب الحافز: فلم تعد تجد معنى لما تفعله، ولا دافعًا للمحاولة.
- تأثُّر حياتك الاجتماعية والعملية: إذا أصبح عدم الاهتمام سلوكًا ملازمًا لك، فلم تعد تعبأ بأي خسارة محتملة أو تكترث لمشاكلك الخاصة.
- تغيرات سلوكية ليست مرتبطة بحالات أخرى؛ فهي غير مرتبطة بوجود إعاقة جسدية أو الإدمان أو غيرهما.
كذلك هناك بعض الأعراض الأخرى تظهر عليك بوضوح وتلازمك مدة طويلة وبدرجة كبيرة، مثل:
- اعتمادك على من حولك في التخطيط ليومك.
- فقد الطاقة لفعل أنشطتك المعتادة.
- فقد الرغبة في تعلم أشياء جديدة أو التعرف على أشخاص جدد.
- بالإضافة إلى خواء شعوري، فتفتقر الإحساس بالأشياء، حسنها وسيئها.
علاج اللامبالاة
يمكن علاج اللامبالاة بالوقوف على سببها كخطوة أولى أساسية في العلاج؛ فإن كانت عرضًا لمرض آخر كالاكتئاب فعادة ما تتحسن بعلاجه، وأحيانًا يأتي العلاج بالصدمات الكهربائية بنتائج فعالة في هذه الحالة.
كذلك الانتظام على أدوية الزهايمر أو الانضمام إلى جلسات تحفيز الإدراك لدى مرضى الزهايمر يُحسّن من الحالة الشعورية لهم.
العلاج الطبي الدوائي
إذا كانت اللامبالاة غير مرتبطة بسبب آخر، فيمكن أن يصف لك طبيبك بعض الأدوية مثل المنشطات النفسية، وهي ليست مخصصة لعلاج اللامبالاة بالتحديد، لكنها توصف في حالتها وتأتي بنتائج جيدة، مثل:
- الميثيل فينيدات (Methylphenidate)
- الأمفيتامين (Amphetamine)
- البيمولين (Pemoline)
ولا يكون اللجوء إلى الأدوية هو الخيار الأول بالضرورة لعلاج جميع الحالات؛ لذا يمكنك تجربة بعض الطرق الأخرى لاستعادة مشاعرك تدريجيًا.
العلاج السلوكي
يمكن أن يساعد العلاج المعرفي السلوكي Cognitive behavioral therapy على التعافي من اللامبالاة.
يخاطب الطبيب عقل المريض في محاولة لاستبدال بعض المعلومات الخاطئة عنده بأخرى سليمة.
ويسعى أيضًا إلى تشجيعه وإعطائه السبل المناسبة للخروج من أجواء اللامبالاة.
كيف يمكن التخلص من اللامبالاة ؟
مهما اختلف السبب الذي دفعك إلى زهد الاهتمام بما حولك في بادئ الأمر، لا يمكن بأي حال أن تتحسن إلا إذا أقررت برغبتك في التخلص من هذه الحالة.
إذ كيف يمكن اتخاذ خطوات جادة تجاه عدم الاهتمام وأنت لا زلت غير مهتم بحالتك؟!
وفيما يلي، بعض خطواتٍ يمكنك تجربتها لتساعدك على التخلص من تلك الحالة تدريجيًا:
حدد جذور المشكلة
بالعودة إلى السبب الرئيس الذي أدى إلى دخولك في تلك الحالة؛ ربما يكون شعورك بأن (لا شيء يستحق المحاولة) بعدما أخفقت عدة مرات في أمر ما، وربما صدمة مررت بها جعلت العالم صغيرًا بعينيك…
تذكر هذا السبب وفكِّر قليلًا: ألم يحن الوقت بعد لتُسامح نفسك أو غيرك على ما حدث؟! هل هناك أي فرصة لتخطي ذاك الماضي؟!
لن أحدثك عن سحر البدايات فأنت تدركه جيدًا، لكن سأحدثك عن الفرصة الثانية؛ لأنك إذا سئمت الاستسلام للامبالاة، فليس أمامك إلا أن تقاوم، وتجبر نفسك على التحرك وبذل الجهد الذي تشعر بأنك لا تملكه في الوقت الحالي، لكنه يكمن بداخلك!
اتخذ خطوة مبدئية بالتفكير
بدلًا من الاستغراق في السلبية وعدم فعل أي شيء، فكر قليلًا فيما يمكنه مساعدتك للخروج من تلك الحالة، وما لن يشكل فارقًا معك، يمكنك كتابة تلك الأفكار لتراها أمامك واختيار إحداها والبدء بتجربتها.
قليل من التغيير لن يضرّ
ربما اعتيادك على روتينك اليومي يساعدك على الكمون في حالة اللامبالاة. لذا؛ جرب بعض الأشياء الجديدة كالخروج إلى أماكن مختلفة أو بدء محادثة بسيطة مع أشخاص جدد، علّها تُشعل الحماسة بداخلك مرة أخرى.
تذكَّر ما كان يُسعدك في الماضي
هل لا زلت تذكُر صديقك الذي كان يُضحكك بسهولة من قبل؟ ربما مر وقت طويل منذ آخر مرة تحدثتما سويًّا، جرّب الاتصال به مجددًا وتجاذبا أطراف الحديث قليلًا.
ربما كنت تستمتع بقراءة الروايات أو الرسم أو الاستماع إلى برنامج تلفزيوني مفضل، أو أي هواية أخرى…
تذكر تلك الأوقات السعيدة وحاول العودة إليها؛ علَّها تُشعرك ببعض التحسن.

اهتم بصحتك الجسدية
اهتمامك بما تأكل وممارسة الرياضة والانتباه لصحة نومك وترك العادات غير الصحية، كلها أمور تساعد كثيرًا في تحسن حالتك النفسية؛ فلا تغفل عنها.
استشر طبيبًا نفسيًّا
إذا شعرت بصعوبة الأمر عليك ونفاد محاولاتك دون تحسن حقيقي؛ فربما حان الوقت لزيارة طبيب نفسي، فهو بالتأكيد سيساعدك على إيجاد طرق مناسبة لاستعادة مشاعرك تدريجيًّا.
اقرأ أيضًا: متى أحتاج إلى طبيب نفسي؟
فن اللامبالاة وعدم الاكتراث
يشيع حاليًا التحدث عن تعلم “فن اللامبالاة” على أنها صفة تخفف من ضيقك، وتقلل من الضغط النفسي عليك.
وهي تختلف عن اللامبالاة المرضية بالطبع، فيمكن النظر إليها كصفة محمودة؛ إذ تساعدنا على عيش الحياة بشكل أهدأ وصراعات أقل.
نصائح لإتقان فن اللامبالاة
إليك بعض النصائح التي يمكن أن تساعدك على إتقان فن اللامبالاة:
1- في المواقف التي تتعرض فيها للغضب الشديد أو الاستثارة حاول أن تكبح جماح غضبك وارجع خطوة للوراء.
2- خذ وقتك الكافي حتى تستجمع قواك النفسية وتهدأ، ثم فكِّر في الاستجابة المناسبة لهذا الموقف.
3- حاول أن تتنفس بعمقٍ وهدوء حتى تُخرج الشحنات السلبية التي تدور في صدرك وتسترجع إيجابيتك.
4- إذا كان الموقف يحتاج ردًا سريعًا فكن مختصرًا قدر استطاعتك حتى لا تصدر منك بعض الردود التي تُلام عليها فيما بعد.
5- ابتعد قدر الإمكان عن الأشياء التي تزعجك أو تسبب استثارة غضبك حتى تبقى في حالةٍ هادئة ومستقرة.
6- إذا تسببت أنت في غضب أحدهم أو جعلته يشعر باللامبالاة من جانبك فحاول أن تحدثه باهتمام وهدوء وأنصت إليه جيدًا ثم استجب له بقدرٍ ملائم.
7- مارس تمارين اليوجا والتأمل لما لهما من أثرٍ كبير على استرخاء الأعصاب وهدوء النفس.
8- اعلم أنك بدأت في إتقان فن اللامبالاة عندما تجد نفسك هادئًا في أغلب المواقف وبدأت تستجيب بهدوء.
اقتباسات وحكم عن اللامبالاة
قالوا عن اللامبالاة أشياءً كثيرة، فبعضهم نعتها بالمرض الذي يجب التخلص منه والآخر وصفها بأنها الملاذ من دنيا المعاناة!
إليك بعض الاقتباسات والحكم عن اللامبالاة:
- “إن نقيض الحب ليس الكره، ولكنها اللامبالاة، ونقيض الجمال ليس القبح، ولكنها اللامبالاة!” إيلي ويسل
- “انا لست غير مبالٍ، إنما أنا غير اجتماعي!” وودي آلان
- “إن اللامبالاة هي أسوأ مرض يمكن أن يصيب البشر!” أمبيدكار
- “اكتشف العلم دواءً لكل داء، لكنه لم يكتشف دواء الداء الأسوأ على الإطلاق، إنها لامبالاة الجنس البشري!” هيلين كيلير
- “إن أدب الأخلاق هو لامبالاةٌ منظمة!” بول فاليري
- “إن الرغبة هي نصف الحياة، واللامبالاة هي نصف الموت!” خليل جبران
- “أتطلع إلى اليوم الذي لا أعد أشعر فيه بشيءٍ تجاهك غير اللامبالاة، تمامًا كما فعلتَ في اللحظة التي تركتني فيها، ومشيت!” ليز نيومان
- “لا يوجد شيء أكثر استثارةً للغضب من اللامبالاة!” مارتي روبن
فبين التركيز في صغائر الأمور وعدم الاكتراث لأي مما يحدث، نحتاج جميعًا إلى البحث عن التوازن؛ فما نسعى إليه هو أن نحيا حياة صحية هادئة وأن نتمتع بنفسية مستقرة، ولن يكون الأمر سهلًا بالتأكيد، لكنه يستحق!
إذا كنت تفضل مشاهدة الفيديو: إليك ملخص كتاب فن اللامبالاة بقلم مارك مانسون