المرونة النفسية (Resilience) | كيف تتغلب على الصعاب؟

“كل ما تحتاج إليه هو القليل من المرونة النفسية لتساعد نفسك وتضيء حياتك وتخرج نفسك من تلك البؤرة المظلمة، واعلم أن ما من محنة إلا في طياتها منحة”.
تلك هي كلمات المعالج النفسي الذي قصدته مؤخرًا.
فقدت وظيفتي منذ عدة أشهر، وأصابني اليأس والإحباط وانقلبت حياتي، وهجرتني زوجتي ولم تقف بجانبي في تلك المحنة، وأصبحت أسيرًا لتلك التقلبات والضغوط التي أمر بها.
لطالما كنت أواجه صعوبة في التعامل مع المشكلات الطارئة في حياتي وعملي، كم أود تغيير نظرتي للحياة وأُصبح أكثر مرونة في التعامل مع المتغيرات التي تطرأ عليها! فهل الأمر ممكن أم من المستحيل تحقيقه؟!
سنتحدث في السطور القادمة عن المرونة النفسية وأبعادها، وتمارين المرونة النفسية، وسنتطرق أيضًا إلى المرونة النفسية وعلاقتها باليقظة العقلية، فتابع معنا هذا المقال.
المرونة النفسية (Resilience)
تُعرف المرونةُ النفسية بأنها القدرة على مواجهة التقلبات والشدائد التي تقابلنا في الحياة، والتكيف مع تلك الأحداث الصادمة، بل والخروج من تلك التجارب أكثر قوة ونضجًا.
نتمنى جميعًا أن تسير حياتنا وفق مخططاتنا، وألا تباغتنا المصاعب والمحن التي قد تنغص علينا معيشتنا، ولكن الحياة ليست مثالية دائمًا، وتلك المنعطفات التي نمر بها في رحلة الحياة هي جزء منها، وعلينا أن نتعلم كيف نتعامل معها بشكل صحي.
المرونة النفسية هي التي تجعل بعض الأشخاص هادئين في مواجهة المحن والشدائد، بينما ينهار آخرون أمام تلك المحن.
يعد الشخص الذي يتحلى بالمرونة النفسية قادرًا على الاستفادة من نقاط قوته ومهاراته لمواجهة المشكلات التي يتعرض لها، والتعامل معها بشكل جيد، بل ويخرج منها أكثر نضوجًا وعمقًا.
واعلم أن معرفة الطريق إلى المرونة النفسية لا يساعدك فقط على تجاوز الظروف الصعبة التي تواجهك، ولكن يمَكِّنك أيضًا من عيش حياتك والاستمتاع بها.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
تشمل تلك الصعوبات التي قد تواجهنا في رحلة الحياة، ونحتاج إلى التمتع بقدر من المرونة النفسية لتجاوزها:
- المشكلات الاجتماعية، مثل الطلاق أو الانفصال.
- فقدان الوظيفة.
- الضغوط المالية.
- المشكلات الصحية الخطيرة.
- وفاة أحد المقربين.
- الكوارث الطبيعية.
- الحوادث الصادمة.
لذا؛ فإنه من الذكاء ألا تسمح لتلك المشكلات والصعاب بالتغلب عليك واستنزاف قوتك، وإصابتك بالإحباط والشعور بالفشل، ولكن عليك أن تتعلم كيف تكون مرنًا في مواجهتها ومعرفة السبيل للتغلب عليها.
هل هناك عوامل تسهم في التمتع بالمرونة النفسية؟
يتمتع بعض الأشخاص بسمات شخصية تمكنهم من البقاء مرنين وغير محبَطين في مواجهة الصعوبات والتحديات.
ولكن اعلم أن هذه السمات الشخصية ليست حكرًا على فئة مختارة من البشر، بل هي مجموعة من المهارات التي يمكنك تعلمها.

تشمل تلك العوامل التي تساعدك على التمتع بالمرونة النفسية:
- الثقة بالنفس واحترام الذات وامتلاك أفكار إيجابية تجاه قدراتك ومهاراتك.
- التفكير الجيد ووضع الخطط الواقعية والالتزام بها وإتمامها.
- مهارات حل المشكلات.
- القدرة على السيطرة على الانفعالات.
- الذكاء الاجتماعي والتواصل الجيد مع الآخرين.
- الدعم الاجتماعي من الأصدقاء والعائلة الذي يساعدك على تخطي الكثير من الصعاب.
- التفاؤل.
يرى الأشخاص الذين يتمتعون بالمرونة النفسية أنفسهم محاربين وليسوا ضحايا، وهذا من شأنه أن يحفزهم في مواجهة المحن والشدائد.
أبعاد المرونة النفسية
تشمل أبعاد المرونة النفسية:
التعامل مع الضغوط
وتتمثل في قدرتك على التعامل بشكل صحي مع الشدائد والمحن التي تواجهها في حياتك، والقدرة على تجاوزها.
التأقلم مع الواقع
ويُعرَف التأقلم مع الواقع بأنه قدرتك على التكيف مع المتغيرات التي تطرأ على حياتك، وكيفية مواجهتها والتغلب عليها بطرق إيجابية.
لذا يتمكن الأشخاص الذين يتمتعون بالمرونة النفسية من التعامل بشكل إيجابي مع المحن التي تواجههم، وهذا من شأنه أن يصقل مهاراتهم وخبراتهم في الحياة.
الطريق إلى المرونة النفسية
عليك أن تدرك -عزيزي القارئ- أن الطريق إلى المرونة النفسية ليس ممهدًا، ولكن هناك بعض الاستراتيجيات التي تعينك على التمتع بالمرونة النفسية، ونذكر منها:
تنمية الوعي الذاتي
تعرَّف على نقاط قوتك وضعفك، ولاحظ طريقة استجابتك تجاه القلق والتوتر؛ كي تتعلم كيف يمكنك أن تتكيف مع الضغوط وتتعامل معها بشكل إيجابي.

من المؤكد أن الإنسان يشعر بمزيد من الثقة واحترام الذات عندما يتعرف إلى نِقَاط قوته ومواهبه ويتعلم كيف يستفيد منها على الوجه الأمثل.
مهارات التنظيم الذاتي
من الصعب أن تحافظ على تركيزك والتفكير الإيجابي في وقت المحنة، ولكن قد تساعدك تقنيات الاسترخاء على المحافظة على تركيزك وتنظيم أفكارك والتمتع ببعض الهدوء النفسي، تشمل تلك التقنيات:
مهارات التأقلم
تساعدك مهارات التأقلم على التعامل الإيجابي مع المواقف العصيبة، وتشمل:
- الاحتفاظ بمفكرة؛ لتدوِّن بها يومياتك والمواقف التي تمر بها، وكيف تعاملت معها.
- إعادة صياغة الأفكار.
- ممارسة الرياضة.
- التواصل الاجتماعي مع الآخرين.
- ممارسة الهوايات المفضلة وتعلُّم مهارات جديدة.
تساعدك تلك المهارات على الشعور باحترام الذات وتحسين صحتك النفسية والجسدية، وهو ما يساعدك على تخطي كثير من الصعاب.
بناء علاقات اجتماعية قوية
لا تقلل أبدًا من قيمة الدعم الاجتماعي من الآخرين وقدرته على مساعدتك في التغلب على المحن.
لذا لا تدخر الجهد لبناء علاقات قوية مع من حولك، فقد تصبح عائلتك وأصدقاؤك جيشك الذي تواجه به الضغوط التي تحاصرك.
تمارين المرونةِ النفسية
هناك بعض التمارين التي تساعدك على التمتع بالمرونة النفسية في مواجهة الصعاب.
تشمل تمارين المرونة النفسية:
التفكير الإيجابي
فكر قليلًا، وحدد 5 صفات سلبية تزعجك، ودوِّنها في ورقة بيضاء، وحاول استبدال تلك الأفكار السلبية بأخرى إيجابية على الجانب الآخر من الورقة.
الامتنان
كن ممتنًا لما حققته من إنجازات، وتعلَّم أن تقدِّر ما لديك بدلًا من الشكوى والنواح على ما فقدته أو ما لم تحصل عليه.
احتفظ بدفتر، ودوِّن فيه كل ما حققته من نجاحات؛ فهذا من شأنه أن يذكرك بالأوقات الجيدة التي مرت عليك في رحلة الحياة، ويجعلك أكثر مرونة في التعامل مع الضغوط.
الوعي الذاتي
يعتمد الوعي الذاتي على معرفة ما يدور في أذهاننا، وينطوي هذا التمرين على تقسيم الورقة إلى 3 خانات (C) ،(B) ،(A).
يمثل العمود (A) السبب الذي أدى إلى حدوث الوضع الحالي، ويمثل (B) السلوك أو رد الفعل الذي قمت به استجابةً لذلك السبب، بينما تمثل (C) النتيجة التي من المحتمل وصولنا إليها من جراء أفعالنا وأفكارنا.
يساعدنا تحديد تلك العناصر الأساسية في أعقاب كل موقف مرهق أو عصيب على التعامل مع تلك الصعاب بطريقة إيجابية، وهو ما يجعلنا أكثر مرونة.
التقييم الذاتي
حدِّد بعض العبارات التي تحدد هويتك، واعطها تقييمًا من 0 – 5؛ تعني (0) لا أوافق بشدة في حين تعني (5) أوافق بشدة.
من أمثلة تلك العبارات:
- أثق بنفسي.
- فخور بما حققته.
- قادر على التغلب على الصعاب.
- أحترم نفسي.
- أحترم الآخرين.
- أستمتع بكوني جزءًا من المجتمع.
- أدرك جيدًا نقاط ضعفي وقوتي.
- أركز على الحلول أكثر من المشكلات.
- محاط بأشخاص أحبهم ويحبونني.
- أحب حياتي.
ما رأيك أن تقيِّم نفسك، وتخبرنا عدد النقاط التي حصلت عليها.
تمارين التأمل
تساعدك هذه التمارين على الحد من القلق والتوتر، وتساعدك كذلك تقنيات الاسترخاء الأخرى على الحفاظ على تركيزك كما سبق وذكرنا.

المرونة النفسية وعلاقتها باليقظة العقلية
تسمح تمارين اليقظة الذهنية لك بالتكيف مع الضغوط، والتعامل مع التحديات، والتعافي من الصعاب والحد من القلق والتوتر؛ ولهذا يمكنك أن تتحلى بالمزيد من المرونةِ النفسية عندما تصبح قادرًا على التأقلم مع المتغيرات التي تطرأ على حياتك.
المرونةُ النفسية هي القوة الأساسية التي تساعدك على مواجهة أعباء الحياة، وهي شيء يمكنك تعلمه وتطوير مهاراته.
لذا ابدأ بممارسة بعض تمارين المرونة النفسية، ولاحظ كيف ينعكس ذلك على نظرتك للحياة، وطريقة تعاملك مع الضغوط.