المنافسة في بيئة العمل

خلال قرعة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم العام الماضي، كشف النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو لقناة (بي تي سبورت) عن حقيقة المنافسة بينه وبين النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي:
“لقد تشاركنا التتويجات معًا لمدة خمسة عشر عامًا، ولا أعرف ما إذا كان هذا قد حدث في كرة القدم من قبل أم لا! لكنه لم يكن أمرًا سهلًا.”
ثم قال:
“بالطبع أنا أفتقد اللعب في إسبانيا، لقد خضنا تلك المعركة على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية.
لقد دفعني للأمام ودفعته كذلك، من الجيد أن أكون جزءًا من تاريخ كرة القدم.”
ما الذي يدفع كليهما لهذا التنافس الشديد على لقب (أفضل لاعب في العالم)؟!
تعرف إلى الإجابة في ثنايا هذا المقال.
مفهوم التنافس
ينشأ التنافس عندما يسعى طرفان -على الأقل- لتحقيق هدف لا يمكن مشاركته، حيث يكون -عادة- مكسب أحدهما هو خسارة الآخر.
غالبًا ما ينظر للمنافسة أنها عكس التعاون، ولكن الواقع يحكي أن كلاهما مهم لتحقيق الأهداف ولابتكار الحلول.
وهو أيضًا أحد مبادئ الاقتصاد والأعمال التجارية، ويرتبط غالبًا بالتنافس التجاري إذ إن معظم الشركات تتنافس مع شركة واحدة أخرى على الأقل على مجموعة العملاء نفسها.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
عادةً ما يحفز التنافس داخل الشركة لغرض أكبر، وهو الوصول إلى مستوى أعلى من جودة الخدمات أو تحسين المنتجات التي تنتجها الشركة أو تطورها.
لماذا يتنافس البشر؟

لنكن صادقين مع أنفسنا، المسابقات ممتعة.
لكن، لماذا تود أن تكون جزءًا من منافسة أو مسابقة ما؟
ولماذا تكون أكثر متعة إذا فزت بالفعل؟
عبر تاريخ البشرية، بدا أن البشر استمتعوا بتنظيم المسابقات بشكل أو بآخر، من الألعاب الأولمبية اليونانية القديمة (عام 776 ق.م) وحتى كرة القدم الحديثة.
في الواقع عندما تنظر عن كثب ستلاحظ أن المنافسة موجودة في كل مكان.
يرى علماء الاقتصاد أن التنافس قوة أساسية في الحفاظ على أسواق منتجة وفعالة، فبدون منافسة أساسية بين الشركات، ستتكون احتكارات شريرة للسلع الأساسية.
كما تلعب المنافسة أيضًا دورًا رئيسًا في السياسة الداخلية (مثل الانتخابات الرئاسية)، والعلاقات الخارجية (كتنافس الدول على السلطة والموارد)، ومعظم الألعاب الرياضية بالطبع.
حتى البحث عن الحب لا يخلو من المنافسة!
يرى الكثير من علماء الأحياء التطورية أن التنافس بين الأنواع وداخل الأنواع هو القوة الدافعة لـ “التكيف”، وفي النهاية “التطور”.
ومع ذلك، بعض علماء الأحياء كان لهم رأي مخالف؛ إذ رأوا أن التنافس ليس إلا قوة دافعة فقط على نطاق صغير، وأن الدوافع الكبرى للتطور هي عوامل غير حيوية.
لكن، ما الدافع وراء هذا التنافس الشديد؟
يرى علم النفس التطوري أن “التنافسية” هي سمة بيولوجية تطورت بشكل مشترك مع الحاجة الأساسية لبقاء النوع.
المنافسة بطبيعتها هي ما يسميه علماء النفس “حافزًا خارجيًّا”، وهذا يعني ببساطة أن الدافع لتبني سلوك أو قرار ما يأتي من مصادر خارجية وليست داخلية.
السمة الأساسية -وهي جانب سلبي كذلك- لجميع الحوافز الخارجية تقريبًا هي أنها تميل إلى العمل فقط طالما استمر الحافز، فبمجرد انتهاء التنافس توفر مجهودك وتكف عن العمل.
وعكس ذلك ما نسميه “الدافع الجوهري”، ونشرحه بمثال بسيط.
عندما يكون لدينا دافع جوهري لفعل شيء ما (مثل مساعدة الآخرين أو توفير الجهد) فإننا لا نفعل ذلك بسبب مكافأة خارجية، ولكن ببساطة لأننا مقتنعون شخصيًا بأن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله.
أظهرت الأبحاث أن القدرة على التعاطف مع الآخرين والاهتمام بالعالم الخارجي هي سمات سلوكية تكيفية تطورية.
في الواقع، يشير المفهوم النفسي المعروف باسم “سعادة المساعدة” إلى أن فعل الخير يجعل الناس يشعرون بالرضا نفسيًا وجسديًا على حد سواء؛ ربما بسبب تحفيز هرمون “الأوكسيتوسين”.
لكن الكثير من الأبحاث النفسية أظهرت أن الحوافز الخارجية تزاحم الدوافع الذاتية للناس لفعل الخير، وربما تقوضها.
فمثلا، قد يؤدي تسليط الضوء على الفوائد المالية لتوفير الجهد إلى تقليل احتمالية تقديم الناس للخير.
وفي بيئة العمل، غالبًا ما تكون المنافسة أمرًا لا مفر منه.
وبينما تنظر بعض القيادات إلى التنافس بين الموظفين كأسلوبٍ لزيادة الإنتاج إلى أقصى حد، فإن الحقيقة هي أنه يمكن أن يسبب توترًا وقلقًا غير ضروريين.
فوائد المنافسة في العمل
في أوقات العمل العصيبة، يعتقد بعض مديري الأعمال أنه من الأفضل لو لم تكن هناك منافسة في العمل.
ينشأ هذا الفكر بسبب نقص المعرفة حول مهارات المنافسة وكيفية الاستفادة منها، فالحقيقة هي أن التنافس لا يفيد المستهلكين فحسب، بل يفيد أيضًا الشركات بطرق مختلفة.
بينما يرى كثير منهم أن التنافس هو المحرك وراء رغبة الموظفين في التفوق في ما يفعلونه، لذا فهم يحرصون على صنع روح المنافسة التي لا تنتهي بين الموظفين.
وإليك أهم فوائد المنافسة في بيئة العمل:
- التفكير الابتكاري

المنافسة تجعلك تفكر بشكل أكثر إبداعًا، وهو أمر ضروري لنمو عملك.
إذا كنت أنت الخيار الوحيد لعملائك، لا يتعين عليك التفكير في كيفية إرضاء عملائك أكثر من منافسيك إذا لم يكن هناك منافس بالأساس.
وبالتالي، فإن التفكير الابتكاري لا يصبح ضرورة، لكن التنافس يتطلب تفكيرًا إبداعيًّا فلا يمكنك الاستمرار في التنافس بدونه.
- جودة الخدمة
جودة الخدمة هي مفتاح رضا العملاء.
قد لا تركز كثيرًا على جودة الخدمة التي تقدمها إذا لم تكن هناك منافسة، فقد تحصل منتجاتك على مبيعات كبيرة على الرغم من أن العملاء غير راضين بالفعل عن خدمتك.
لكن عند التنافس الشديد، ستضطر إلى تقديم خدمة ذات جودة أفضل، وسيؤدي ذلك إلى زيادة رضا العملاء على المدى الطويل.
- معرفة أفضل بتفضيلات العملاء
عندما يحقق منافسوك ربحًا أكثر منك، فهذا يعني أنهم اعتمدوا بعض التقنيات الرائعة لجذب العملاء. يمكن أن تكون هذه التقنيات خدمة أفضل أو أسعارًا منخفضة وما إلى ذلك.
لذا؛ يمكنك دراسة الاستراتيجيات التي اعتمدها منافسوك والتي تجعلهم ناجحين، وبالتالي يمكنك بسهولة معرفة نبض عملائك والتفكير في مزيد من الحلول والتسهيلات لهم.
سلبيات المنافسة
ومع ذلك، هناك العديد من المخاطر مع استخدام التنافس كحافز، وإليك أهم سلبياته:
- الإحباط

قد تكون قوائم المتصدرين والمنافسين المباشرين محبطًا، خاصة للموظفين الجدد أو الأقل تدريبًا، وسيشعرون أنهم لم يحصلوا على فرص عادلة.
تخيل أنك في فصل دراسي مكون من عشرين طالبًا، قد يكون التطلع إلى الحصول على درجات جيدة أمرًا معقولًا.
لكن تخيل أنك تعمل في مركز مبيعات يضم ألف موظف مبيعات، أليس الوصول إلى قائمة أفضل عشرة موظفين أمرًا محبطًا؟
لكن الجواب الحقيقي على هذا السؤال يأتي من علم النفس السلوكي.
في كتابه (القيادة – الحقيقة المفاجئة حول ما يحفزنا)، يعرض الكاتب الأمريكي دانيال بينك بحثًا حول المحرك الأساسي لسلوكنا.
يوضح بينك أن الدافع الخارجي -مثل التنافس والمكافآت المالية- لا يدوم، وأن الدافع الجوهري “الداخلي” والرغبة في القيام بعمل جيد هو ما يستمر حقًا.
- الارتداد السلبي
تظهر الأبحاث الحديثة، التي أجراها أستاذ علم النفس السلوكي دان آريلي، أنه حتى المكافآت الصغيرة للمنافسة يمكن
أن تضر بالأداء على المدى الطويل.
يُظهر هذا البحث أن التنافس على جائزة يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع طفيف في الأداء في الأسبوع الأول،
ولكنه سينخفض أو يزداد سوءًا في الأسبوع التالي.
وفي هذه الحالة، تأتي المنافسة بنتائج عكسية في غضون فترة زمنية قصيرة نسبيًا.
- الشعور بالتهديد
المنافسة -أو أي حوار حول تحسين أداء الموظف- يجب أن تحدث في جو من الثقة؛ إذ إن وجودها يخلق إحساسًا
بالخوف، بدلًا من تعزيز التعاون وحل المشكلات المشتركة.
كيف تحقق المنافسة الشريفة في العمل؟
في بعض الأحيان قد تحصل المنافسة على سمعة سيئة، لكنها ضرورية للغاية في المؤسسات والشركات.
تعالَ لتتعلم مهارات التنافس؛ لتحقق منافسة صحية في بيئة عملك:
1. تعزيز الصراع الصحي:
يمكن أن تخلق صراعًا بين الموظفين، فالتنافس على موارد محدودة قد يسبب التوتر.
ومع ذلك، عندما يفهم أعضاء الفريق كيفية إجراء نقاش صحي ومشاركة آرائهم بشكل علني، تصبح المنافسة حافزًا للابتكار.
2. مكافأة أفضل العاملين أداءً:
لا شيء يثبط عزيمة أفضل موظفيك أكثر من شعورهم بأنك لا تقدر التميز. إذا كنت تكافئ جميع موظفيك بنفس
الطريقة، فلماذا يعمل الناس بجد لتمييز أنفسهم؟!
مكافأة الناس على قدم المساواة، بغض النظر عن الأداء، ستخلق في النهاية بيئة من الوسطية.
3. تحديد أهداف ممتدة:
يجب أن يتنافس موظفوك ليس فقط مع الآخرين في مؤسستك أو مع منافسي مؤسستك، بل يجب عليهم التنافس ضد
جهودهم السابقة.
سيساعد رفع المستوى المستمر ووضع أهداف أعلى موظفيك على أن يكونوا في أفضل حالاتهم.
ولتعلم فن التعامل مع زملاء العمل، اضغط هنا.
وختامًا، دعونا لا ننسى أن المنافسة ليست القوة الوحيدة المهيمنة في الطبيعة، إذ ينافسها نصف مكمل “العمل الجماعي”.
ويمكننا القول بأننا قد بقينا طوال هذه الأزمان المتعاقبة بالتعاون، وأبدعنا بالتنافس.