النوم القهري (narcolepsy) | عندما يصبح النوم سلطانًا مستبدًا

يقولون منذ قديم الأزل إن النوم سلطان؛ يأخذك كل ليلة لِجَنَّتِه، ويريك من كل ما تشتهي في عالم الأحلام، ويريحك من عناء يوم طويل ومرهق. لكن هل يتحول النوم لسطان مستبد وقاهر يحيل حياتك جحيمًا؟!
في هذا المقال، نتحدث عن كل ما يخص النوم القهري (narcolepsy) من أسباب وأعراض وعلاج.
مرض النوم القهري (narcolepsy)
إن مرض النوم القهري (أو ما يُعرَف بـ”اضطراب الخدار”) واحد من اضطرابات النوم العصبية المزمنة التي تؤثر في قدرة المخ على التحكم بدورة النوم والاستيقاظ.
يعاني مريض النوم القهري من رغبة دائمة في النعاس خلال اليوم مهما كان عدد ساعات نومه في الليلة السابقة. بجانب هذا الشعور، توجد عدة أعراض أخرى مميزة للمرض، مثل:
- شلل النوم.
- نوبات من الجُمدة (أو ما يُعرَف بـ”الخدار المصحوب بتخشب – Cataplexy”).
- ظهور هلاوس وأوهام.
وتشير الإحصائيات أن حوالي واحد من كل ألفَي شخص معرض للإصابة بمرض النوم القهري، كما أنه لا فرق في نسب الإصابة بين الجنسين.
أعراض مرض النوم القهري
يبدأ ظهور أعراض النوم القهري في كل الأعمار تقريبًا، لكنها غالبًا ما تظهر في الأعمار الصغيرة؛ بدايةً من مرحلة الطفولة ومرورًا بمرحلة المراهقة والشباب، أي ما بين عمر السابعة والخامسة والعشرين. ومن أشهر الأعراض المميزة للمرض:
أولًا: شعور مفرط بالنعاس في أثناء النهار
- إن هذا أول وأهم أعراض مرض النوم القهري والتي لا يمكن تشخيص المرض بدونها.
- يشعر المريض برغبة عارمة في النعاس خلال يومه لا يستطيع مقاومتها مهما كان عدد ساعات نومه في الليلة السابقة.
- يصاحب هذا شعور مستمر بفقدان الطاقة وصعوبة في التركيز، ونتيجة لذلك دائمًا ما يوصَم المريض بالكسول.

ثانيًا: نوبات من الجُمدة (Cataplexy)
- يعاني بعض المرضى نوبات متكررة ومفاجئة من ضعف وفقدان التحكم في العضلات خلال اليوم.
- يحفز ظهور تلك النوبات المشاعر المفاجئة والقوية، مثل: الغضب أو الضحك.
- تستمر تلك النوبات لثوانٍ وأحيانًا تمتد لعدة دقائق، وتتراوح شدتها من مجرد لجلجة الكلام إلى الانهيار التام للجسد.
- تهاجم النوبات بعض المرضى عدة مرات يوميًا، والبعض الآخر مرة أو اثنتين في العام.
ثالثًا: شلل النوم
في هذا العَرَض، يعاني المريض من فقدان مؤقت للقدرة على التحدث أو الحركة خلال السقوط في النوم أو الاستيقاظ، وتمتد النوبات لدقائق معدودة ثم تنتهي.
رابعًا: نوبات نعاس
تهاجم بعض الأشخاص نوبات نعاس متكررة خلال النهار بدون سابق إنذار في أثناء قيامهم بالأعمال اليومية المعتادة.
خامسًا: الهلاوس
إن إحدى شكاوى مريض النوم القهري المعتادة هي الشعور بهلاوس سمعية أو بصرية، خاصة وقت النوم أو عند الاستيقاظ. غالبًا ما تلازم تلك الهلاوس نوبات الشلل النومي؛ فتسبب للمريض الكثير من مشاعر الذعر والخوف.
سادسًا: أرق ونوم متقطع
يعاني مريض اضطراب الخدار من صعوبة في النوم نتيجة لعدة أشياء، مثل:
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
- الأحلام المزعجة.
- الهبات الحرارية.
- انقطاع النفس النومي.
- تحرك الجسم في أثناء الحلم.
لمعرفة المزيد من المعلومات عن الأرق، يمكنك قراءة هذا المقال: الأرق | متى تنتهي هذه المعاناة؟
أسباب مرض النوم القهري
إلى الآن لم يُكتشَف سبب واضح يؤدي إلى ظهور مرض النوم القهري، إلا أنه وُجد علاقة وطيدة بين ظهوره وبين نقص مادة الهيبوكريتين داخل المخ.
يُعَد الهيبوكروتين (hypocretin) -أو ما يُعرَف بالأوركسين- أحد النواقل الكيميائية العصبية الموجودة في الدماغ.
تلعب تلك المادة دورًا مهمًا في تنظيم دورة النوم والاستيقاظ وتعزيز الشعور بالانتباه؛ لذلك يفسر نقصها ظهور أعراض المرض.
ويُرجِع العلماء نقص الهيبوكريتين إلى عدة أسباب، منها:
- وجود مرض مناعي يهاجم فيه الجسم الخلايا التي تفرز الهيبوكريتين ويدمرها.
- حدوث إصابة في المخ أثرت في المنطقة المسؤولة عن إفرازه.
هذا بالإضافة إلى وجود عدة محفزات أخرى، منها:
- الخلل الجيني.
- التعرض لضغط عصبي شديد.
- التغير المفاجئ في أنماط النوم.
- تغير الهرمونات المصاحب لمرحلة البلوغ أو الوصول لسن اليأس.
- الإصابة ببعض الأمراض الفيروسية أو البكتيرية، مثل: الإصابة بأنفلونزا الخنازير.
- وجود تاريخ مَرَضِي لدى العائلة.
أنواع مرض النوم القهري
ينقسم مرض النوم القهري إلى نوعين رئيسيين هما:
- النوم القهري من النوع الأول:
يعاني فيه المريض من نوبات الجمود، ويكون سبب حدوثه هو نقص مستويات الهيبوكريتين في الدماغ.
- النوم القهري من النوع الثاني:
لا تظهر فيه نوبات الجمود، ويتمتع المخ بمستويات جيدة من الهيبوكريتين.
هذا بجانب اضطراب الخدار الثانوي الذي يحدث نتيجة حدوث إصابة في المخ أثرت في المنطقة المسؤولة عن إفراز الهيبوكريتين. من أشهر الأسباب التي تؤدي لذلك: إصابة في الرأس أو وجود ورم أو التهاب في الدماغ.
تشخيص اضطراب الخدار
- الفحص الجسدي
تتشابه أعراض اضطراب الخدار مع عدة أمراض أخرى، مثل: انقطاع النفس النومي، والاكتئاب، والصرع. لذلك من الضروري إجراء بعض الفحوصات لاستبعاد الإصابة بتلك الأمراض أولًا.
- تسجيلات النوم
بعد الانتهاء من الفحص الجسدي والتأكد من عدم وجود سبب عضوي للأعراض، يطلب منك الطبيب المختص تسجيل عادات نومك والأعراض التي تظهر عليك لمدة أسبوعين متتاليين.
- تخطيط النوم (Polysomnography)
هو أحد أشهر اختبارات تحليل النوم المستخدمة لتشخيص اضطرابات النوم المختلفة. يقيس هذا الاختبار: نشاط العقل والعضلات، والتنفس، وحركة العين خلال النوم. يحدد هذا الاختبار موعد بدء مرحلة حركة العين السريعة خلال دورة النوم.

- اختبار تأخر النوم المتعدد (Multiple sleep latency test)
يقيس هذا الاختبار مدى سرعة وسهولة وقوعك في النوم خلال النهار. يطلب منك الطبيب المعالج أن تأخذ قيلولة عدة مرات خلال النهار، ويقوم خلالها بقياس الوقت الذي تحتاجه للنوم.
- قياس نسبة الهيبوكريتين
ذكرنا أن نقص الهيبوكريتين أحد أهم أسباب النوم القهري، لذلك يلجأ بعض الأطباء إلى قياس نسبته في السائل النخاعي.
علاج النوم القهري
لا يوجد إلى الآن علاج متخصص من شأنه حل مشكلة النوم القهري نهائيًا، لكن ما سنشرحه في الفقرات التالية يساعدك على تخفيف حدة أعراض المرض وتقليل تأثيرها في حياتك.

- مارس روتينًا ثابتًا للنوم: اجعل دخولك للنوم واستيقاظك منه في موعد ثابت ومحدد.
- ابتعد عن تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين قبل النوم بفترة لتقليل الأرق خلال الليل.
- اطلب من طبيبك المتخصص مساعدتك في وضع جدول مناسب للنوم يتضمن فترات قيلولة متكررة خلال النهار.
- هيئ بيئة مناسبة تساعدك على النوم (كغرفة مظلمة ذات درجة حرارة مناسبة وسرير مريح).
- تجنب تناول وجبات دسمة قبل النوم مباشرة.
- أخبر من حولك بأعراض مرضك؛ فنوبات النوم المفاجئة التي تحدث لك قد تسبب لهم الكثير من الخوف والفزع.
بجانب الخطوات السابقة التي ينصح بها الأطباء -والتي تساعدك على إعادة بناء عادات نومك-، يلجأ بعضهم إلى وصف بعض الأدوية، مثل:
- الأدوية المنشطة التي تحسن من انتباهك خلال فترة النهار.
- مضادات الاكتئاب: تساعد تلك الأدوية في علاج أعراض الجُمدة والهلوسة المصاحبة لاضطراب الخدار.
لمزيد من المعلومات الهامة عن مضادات الاكتئاب، اقرأ: مضادات الاكتئاب.. شعلة نور في نفق مظلم
- أوكسيبات الصوديوم (Sodium oxybate): يساعد هذا الدواء في تقليل أعراض الجُمدة، بجانب فاعليته في التخلص من الأرق، وبالتالي تقليل شعور النعاس الدائم خلال النهار.
في الختام، ننوه على أنه ربما تكون أعراض النوم القهري ليست بالخطيرة، إلا أن المشكلة تكمن في تأثيرها، ليس فقط في النشاط اليومي، بل في حياة المريض بأكملها؛ فغفوة بسيطة في غير وقتها الصحيح قد تكلفه الكثير. لذلك نشير دائمًا إلى أن وعيك بالأمراض النفسية ضرورة وليس رفاهية.