ما تأثير الأدوية النفسية على الرغبة الجنسية ؟

عملت لفترة في صيدلية بمنطقة شعبية، تتباين فيها الآراء حول الأدوية النفسية.
فمِن الناس مَنْ يخشى الأدوية النفسية خشيته من أن يلبسه شيطان رجيم؛ فيحكي لي عن طبيب معدوم الضمير -في رأيه- يصف لمرضاه دواءً يسلبهم الإرادة، فيمشون في الأرض كأنهم موتى أحياء!
ومن الناس من يأتيني في عجالة، ويسلمني ورقة صغيرة، كُتِب فيها اسم أحد الأدوية النفسية الرخيصة؛ يستعيض به عن المنشطات الجنسية الأغلى بعشر مرات!
في تلك المنطقة الشعبية، لا أحد يعرفُ الحقيقة بالتحديد؛ الكل يسمع ويستنتج، ويبني تصوره عن الأدوية في ضوء ما سمع، فأين الحقيقة؟
دعني -إذًا- أسلط الضوء على تأثير الأدوية النفسية في الرغبة الجنسية، وأجيب على تساؤل أحد زوار الصيدلية الذي هتف متهكمًا: “ألا تعرفين أضرار الأدوية النفسية على الجسم؟!”.
ما هي الأدوية النفسية؟
يحتاج المرض النفسي -شأنه شأن المرض العضوي- تدخلًا دوائيًا في بعض الأحيان للسيطرة على الأعراض، والحد من آثارها على سير الحياة بصورة طبيعية.
فعلى سبيل المثال:
قد ترتبط أعراضك بوجود خلل في كيمياء المخ -كانخفاض مستوى السيروتونين- مما يدفع طبيبك النفسي لوصف مضادات الاكتئاب لاستعادة التوازن المفقود.
أمثلة الأدوية النفسية
- مضادات الاكتئاب: مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (مثل: فلوكستين)، ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (مثل: أميتريبتيلين).
- مضادات الذهان: الأدوية التقليدية (مثل: الهالوبيريدول)، وغير التقليدية (مثل: الريسبيريدون والأولانزابين).
- مضادات القلق: عائلة البينزوديازبين (مثل: الديازبيام).
- مثبتات المزاج: مثل الليثيوم وحمض الفالبروات والكاربامازبين.
- المنشطات والمهدئات الأخرى
مضادات الاكتئاب والجنس

بين مرض الاكتئاب ومضادات الاكتئاب اتهامات متبادلة حول التسبب بالضعف الجنسي.
الاكتئاب
يؤثر الاكتئاب -في حد ذاته- في المزاج، والقدرة على الإحساس بالمتعة، والثقة بالنفس والرضا عن الذات؛ مما يقلل -إجمالا- الرغبة الجنسية.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
- قد يعاني الكثيرون من مشاكل الضعف الجنسي بسبب الاكتئاب -والعوامل الاجتماعية الأخرى- قبل البدء بتناول مضادات الاكتئاب.
- يتجنب الكثيرون الإبلاغ عن تلك المشاكل نظرًا لحساسية الموضوع؛ مما يلقي اللوم بشكل أكبر على مضادات الاكتئاب دون النظر إلى المشاكل الموجودة مسبقًا.
مضادات الاكتئاب
- تعتمد آلية عمل مضادات الاكتئاب على رفع مستوى السيروتونين لديك.
- رغم أن ذلك يعد أمرًا لازمًا لتهدئتك، وتحسين أعراضك، إلا أنه -من جهة أخرى- قد يؤدي إلى تقليل رغبتك الجنسية كعَرَضٍ جانبي.
- يُعتقَدُ أن زيادة السيروتونين تقلل من مستوى الدوبامين -ناقل عصبي يلعب دورًا في الشعور بالمتعة وزيادة الرغبة الجنسية- مما يسبب ضعفًا جنسيًا.
- تختلف الأعراض باختلاف نوع مضاد الاكتئاب المستخدم؛ يسبب البوبروبيون والميرتازابين أعراضًا جانبية أقل على الأداء الجنسي مقارنة بمثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية.
أمثلة مشاكل الضعف الجنسي
- ضعف الانتصاب.
- قلة الاستجابة للمحفزات الجنسية.
- انعدام أو ضعف الرغبة الجنسية.
- تأخر أو صعوبة الوصول إلى هزة الجماع.
- جفاف المهبل وما يسببه من ألم.
مضادات الذهان والجنس
ترتبط بعض مضادات الذهان -كذلك- بوجود مشاكلَ في الأداء الجنسي:
- تصُدُّ مضادات الذهان مستقبلات الدوبامين، مما يؤدي إلى زيادة إفراز هرمون البرولاكتين كعرض جانبي.
- تسبب الزيادة في هرمون البرولاكتين انعدام الرغبة الجنسية لكلا الجنسين، وقد تتزامن مع مشاكلَ أخرى، مثل: ضعف الانتصاب.
- يُعتقد أن هذه الأدوية تتباين فيما بينها في التأثير في الأداء الجنسي؛ إذ يزداد الأمر مع الأدوية التقليدية والريسبريدون، بينما يقل مع الأدوية غير التقليدية.
مثبتات المزاج والجنس

تستخدم مثبتات المزاج، وبعض أدوية الصرع في علاج الاضطراب الثنائي القطب.
الاضطراب ثنائي القطب
وكما الاكتئاب، يرتبط الاضطراب ثنائي القطب -في حد ذاته- بوجود مشاكلَ في الأداء الجنسي.
- ففي فترة الهوس أو الهوس الخفيف، يُظهِر المريض نشاطًا مفرطًا في الرغبة الجنسية بشكل قد يدفعه لبعض الممارسات المتهورة.
- أما في فترات الاكتئاب، يغلب عليه انعدام الرغبة الجنسية، وفقدان الإحساس بالمتعة.
مثبتات المزاج وأدوية الصرع
تؤثر بعض هذه الأدوية في الأداء الجنسي بشكل أقل من مضادات الاكتئاب، وينبغي لك الرجوع إلى الطبيب قبل أن تشير بإصبع الاتهام إلى أدويتك.
كيف تتغلب على تأثير الأدوية النفسية على الرغبة الجنسية؟
يحتاج الأمر إلى مجموعة من الخطوات يعتمد بعضها على علاقتك مع شريكك، ويعتمد البعض الآخر على إبلاغ طبيبك ومحاولة إيجاد حلول لتلك المشكلة.
أبلغ طبيبك بالمشكلة
إذا شعرت بوجود مشكلة غير معتادة قبل أو بعد البدء في تناول الأدوية، لا تتوقف عن تناول أدويتك فجأة، ولكن أبلغ طبيبك بالمشكلة.
سيلجأ الطبيب إلى مجموعة من الحلول، فقَدْ:
- يطلب منك الانتظار لبضعة أسابيع؛ إذ تتحسن بعض الأعراض تدريجيًا عندما يعتاد جسدك على الدواء.
- ينصحك بممارسة العلاقة الحميمة قرب موعد جرعة الدواء التالية؛ إذ يكون الدواء في أقل مستوياته بدمك.
- يُقلل جرعة الدواء النفسي، بما يتوافق مع حالتك، آخذًا في اعتباره المشاكلَ الأخرى المتعلقة بتقليل الجرعة مثل الانتكاس.
- يُبدِّل الدواء النفسي الحالي بآخرَ ذي أعراض جانبية أقل على الأداء الجنسي.
- يضيف دواءً آخر -مثل البوبروبيون في حالة الاكتئاب- للتغلب على الأعراض الجانبية، وتقليل الجرعة الحالية من مضادات الاكتئاب، إن أمكن.
- يصف لك منشطًا جنسيًا -مثل السيلدنافيل- لتحسين الأداء الجنسي.
تحدث مع شريكك
يعتقد البعض أن تجنب الحديث عن المشكلة أفضل للمصلحة العامة، في حين أن العكس هو الصحيح؛ فأنت في أمس الحاجة لتلقي الدعم من شريكك.
يتطلب الأمر قدرًا من التفاهم والصراحة بين الطرفين، للتحدث عن تأثير الأدوية النفسية في الرغبة الجنسية، والوقوف على حل للمشكلة، وتجاوز الأزمة بسلام.
كُن أمينًا وعبِّر عن مشاعرك ومخاوفك، ولا تلقي اللوم على شريكك، واطلب المساعدة من المختصين متى احتجتها.
أضرار الأدوية النفسية على الجسم
تسبب الأدوية النفسية -كغيرها من الأدوية- مجموعة واسعة من الأعراض الجانبية؛ منها ما هو محتمل، ومنها ما يوجب استبدال الدواء بآخر.
ومن أمثلة هذه الآثار الجانبية:
- زيادةِ الوزن.
- الصداع.
- تغيُّمِ الرؤية.
- الدوار والخمول.
- صعوبة في التفكير.
- مشاكلِ الذاكرة.
- الإرهاق.
- مشاكل النوم.
- العصبية.
- جفاف الفم.
- الإمساك.
- الرعشةِ وظهورِ بعضِ الحركات اللاإرادية.
- آلامِ العضلات.
- تغيراتٍ في الشهية.
أنت، ودواؤك النفسي..

دعنا نتفق على مجموعة من النقاط المهمة:
- قد لا يُشفى المرض النفسي تمامًا؛ ولكن تستخدم الأدوية النفسية لكبح جماحه، والحد من أعراضه، مما يمكنك من مواصلة حياتك.
- لا ينبغي لك التوقفُ عن تناول أدويتك من تلقاء نفسك؛ عليك أولًا استشارة طبيبك، وإبلاغه عن أي مشكلة تؤرقك عن الأدوية النفسية.
- قد يؤدي التوقف المفاجئ عن تناول الأدوية إلى عودة الأعراض من جديد؛ تحتاج بعض الأدوية لتقليل جرعاتها تدريجيًا قبل وقفها.
- لكل دواء مزاياه وعيوبه؛ يحاول طبيبك إيجاد الأدوية المناسبة لحالتك، مع الحفاظ على توازن معقول بين الفوائد والأضرار.
- لا يُشترط أن تتعرض لكافة الأعراض الجانبية المذكورة في النشرة الدوائية، يختلف الأمر من شخص إلى آخر.
- تتحسن بعض الأعراض الجانبية بمرور الوقت، بينما يتطلب البعض الآخر تقليلَ الجرعة أو تغيير الدواء بالكلية، بعد استشارة الطبيب.
- تحتاج الأدوية النفسية بعض الوقت لتؤتي ثمارها، لا تتعجل والتزم بالجرعات المحددة.
- لابد من الالتزام بخطة العلاج كاملة؛ فقد يرشحك طبيبك لجلسات علاج نفسي -بجانب الأدوية- ليحسِّن أعراضك ويساعدك على تخطي المشكلة.
وأخيرًا -عزيزي القارئ- أرجو أن يجيب هذا المقال على بعض تساؤلاتك حول تأثير الأدوية النفسية على الرغبة الجنسية، وأرجو أن تجد من الحلول ما يجعل حياتك هنية مريحة.