تأثير التضليل الإعلامي | بين ضعف إدراك المتلقي ومكر المضلل!

يعيش العالم بأسره مرحلة عصيبة؛ فجائحة الفيروس التاجي تدفعنا جميعًا نحو الهاوية!
نبحث عن المعلومات والحقائق، لنستطيع التعامل مع الأزمة، ولنعرف كيف نحافظ على سلامتنا!
(هل هناك علاج لهذا الوباء؟ وهل ستعود الحياة إلى طبيعتها؟)…
تساؤلات واستفسارات كثيرة ومهمة، بإمكاننا رؤية كم كبير منها في وسائل الإعلام، وشركات التكنولوجيا الكبرى، ومنصات التواصل الاجتماعي…
ولكن لا شك أن كثيرًا من تلك المعلومات خاطئة أو مضللة، ومنها ما يُعلَن بغرض التضليل الإعلامي، وقد نشارك في ذلك دون قصد مِنا!
إن تأثير التضليل الإعلامي فارق وخَطِر في المجتمع بكل فئاته؛ حكومة ومواطنين، ومن ثَمَّ علينا معرفة الحقائق التي تخص أي قضية تهمنا.
عزيزي القارئ… عليك أن تعرف أن هناك فرقًا بين المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة، وأن تأثير التضليل الإعلامي في المعلومات -التي نبحث عنها ونتناقلها- واضح.
فمن هذه المعلومات ما يثير القلق ولا نستطيع تمييزه، وعلينا حينها أن نعرف كيف نصل إلى المعلومة الصحيحة، وألا نشارك أي معلومة قبل التأكد منها.
ينقسم الإعلام إلى شقين: التقليدي (وقد تأثر بالتكنولوجيا، فتزايدت الفضائيات وتنوعت القنوات)، والجديد (وسائل التواصل الاجتماعي).
اعتقد كثيرون مِنا أن التطور الرقمي والتكنولوجي يَعِد العالم بتغيرات إيجابية؛ من ترابط، وسهولة تواصل ووصول إلى معلومات دقيقة ومؤكدة، وبضغطة زر في دقائق أو ثوانٍ قليلة.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
لكن الواقع بدا مختلفًا كليًا؛ فلم تَعُد الشكوى من صعوبة الوصول إلى المعلومات، ولكن من كثرتها وتضاربها!
فقد زادت إمكانية التضليل بعد أن حلمنا بحقائق مصوَّرة تساعدنا على زيادة التوثيق والتأكد، وسهولة البحث عن المعلومة والوصول إليها.
لذا، صار على المتلقي التأكد من صحة أي معلومة يصل إليها، وأن يتبادر الخداع إلى ذهنه أولًا حتى يتيقن من دقتها.
مفهوم التضليل الإعلامي
إن تأثير التضليل الإعلامي والمعلومات الخاطئة والمضللة مشكلة خطرة، يساهم في حلها التعاون بين المنصات التي تنشر المعلومات، والجمهور المتلقي، والصحفيين، ومدققي الحقائق الذين يحاولون تصحيحها، وكذلك الباحثين والدارسين لهذا الأمر.
لذا، علينا أن نعرف الفرق بين المعلومات الخاطئة -أو المضللة- والتضليل، لنصل إلى مفهوم التضليل الإعلامي وأهدافه وأنواعه.
المعلومات الخاطئة والمضللة
هي معلومات خاطئة تُنشَر بصرف النظر عن النية السيئة أو نية التضليل، وقد يساعد أي مِنا في نشرها ظنًا منه أنها حقيقية،
لذا فهي قد تكون بين الأصدقاء والمعارف، مع عدم التعمد.
التضليل
يُقصَد بالتضليل الإعلامي تعمُّد نشر معلومات خاطئة أو مضللة -من شخص أو جهة- بغرض التلاعب بأهداف ودوافع متعددة كلها شائنة، لذا تجد سببًا -كالخصومة- لتبرير تعمد سوء النية.
ولذلك فاستخدامك لمصطلح “التضليل الإعلامي” يأتي عند يقينك بوجود ضرر أو إيذاء قد يلحق بحكومة ما، أو منظمة، أو شخصية عامة.
تُعَدُّ مشكلة التضليل الإعلامي والأخبار الزائفة أمرًا قديمًا دائم الوجود في مجتمعاتنا، ولكنه أصبح أكثر تعقيدًا بمنظوره الرقمي الحديث.
فقد تكون وسائل التواصل الاجتماعي أداة للتلاعب عن طريق نشر تقارير كاذبة عمدًا، أو تشويه حقائق أو معلومات حقيقية.
أنواع التضليل الإعلامي

تتعدد أساليب التضليل الإعلامي وأنواعه، ويمكن تقسيمها كالآتي:
أسلوب الهجاء والمحاكاة الساخرة
يستخدم بعض رواد المنصات الإعلامية أساليب ساخرة لنشر معلومات مضللة، بغرض التلاعب المتعمد.
ورغم أن الأسلوب الساخر قد لا يُصنَّف في حد ذاته على أنه أخبار زائفة، فإنه يخدع المشاهدين والقُرَّاء دون قصد، وقد يتعمده بعض الناس، ويُستخدَم هذا الأسلوب في وسائل التواصل الاجتماعي.
الربط الخاطئ
يستخدم بعض الأشخاص -أو الشركات- هذا النوع من أساليب التضليل الإعلامي ليزيد من معدل الدخول لموقع ما، عن طريق نقرات تصاحِب إعلانًا عن أخبار غير متوقَّعة، أو عنوان مبالَغ فيه وملفت للانتباه.
ويعتمد هذا الأسلوب على إثارة فضول مستخدمي شبكة الإنترنت، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي.
محتوى كاذب أو مضلل
يعَدُّ هذا النوع تحريفًا للحقائق، وذلك بواسطة حذف أجزاء وإضافة أجزاء أخرى، للوصول لأهداف معينة.
وقد يكون ذلك في صورة تعليق على إحدى الشخصيات المشهورة لإلحاق ضرر بها، وهذه هي نية التضليل؛ تعمُّد الخطأ لإلحاق الضرر.
سياق خاطئ
من أنواع التضليل الإعلامي؛ بث معلومة خاطئة في محتوى حقيقي، ونشرها في سياق خاطئ.
لذا كان لهذا النوع تأثير ضار وخَطِر جدًا، وخصوصًا للشركات عند استغلاله في الإحصائيات، ومن ثَمَّ يصعب على القارئ الفصل بين المحتوى الحقيقي والمعلومات المضللة.
محتوى احتيالي
يتعرض من خلاله الضحية للتضليل بواسطة أشخاص ينتحلون هوية أناس حقيقيين، بهدف خداع المستخدِم.
مثال على ذلك: انتحال هوية بنكية أو جهة رسمية للحصول على بيانات العملاء، والوصول إلى أموال أو معلومات مهمة.
محتوى تم التلاعب به
هو محتوى خاطئ ومزيَّف تمامًا، وتُستخدَم في صناعته التقنيات الحديثة لتزييف نصوص، أو تسجيلات صوتية، أو صور،
أو مقاطع فيديو، فيصعب تمييز زيفها.
يستخدم المحتالون برامج الذكاء الاصطناعي في التلاعب بمقاطع الفيديو، وهو ما يُسمَّى “التزييف العميق. ومن خلالها،
يمكن تقليد المظهر، وتعبيرات الوجه، والأصوات الخاصة بأشخاص حقيقيين.
اختراع محتوى
من أساليب التضليل الإعلامي التي تهدف إلى الإضرار بالهدف أو سمعته، وذلك باختراع حقائق مزعومة ونشرها على نطاق واسع،
بهدف التأثير في الرأي العام.
مثال على ذلك: التقييمات الزائفة للمنتجات أو الشركات؛ سواء كانت إيجابية، أو سلبية، أو حتى محايدة، والتي لا تعكس الرأي الصادق للمستهلك، ولا تمثل الرأي الناتج عن تجربة حقيقية.
أهداف التضليل الإعلامي

يعَدُّ النشاط الإعلامي من أقدم الأنشطة البشرية، ويُمارَس على مستويات عدة؛ فهناك إعلام مقروء، ومسموع، ومرئي. وحيث وُجِد الإعلام، وُجِدَت صناعة التضليل الإعلامي.
وكان للثورة الرقمية والتقدم التكنولوجي أثر كبير في ابتعاد المستخدمين -خاصةً الشباب- عن وسائل الإعلام التقليدية، مما أتاح سهولة صناعة التضليل الإعلامي في وسائل الإعلام الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي.
إن غياب ضمير الإعلام بات تشويهًا صريحًا لوعي الشعوب! ولكن ما الهدف من صناعة التضليل الإعلامي؟
لقد عرفنا أن كلمة “تضليل” تقترن -في لغتنا العربية- بنية إلحاق الآخر بباطل أو أمر سيئ. لذا، كان الخوف من تأثير التضليل الإعلامي في مستخدمي الوسائل الإعلامية، وتحقيق أهدافه من خلالهم.
تختلف أهداف التضليل الإعلامي ومقاصده باختلاف الجهات الصانعة له، واختلاف الفئة المستهدفة. ولكن باختصار القول، هناك مجموعة أهداف رئيسة، منها:
- التربح وكسب المال.
- أهداف سياسية محلية أو أجنبية.
- أهداف نفسية.
- أهدافٌ اجتماعية.
- أهداف ثقافية.
مواجهة التضليل الإعلامي

إن أولى خطوات مواجهة أي مشكلة هي الاعتراف بوجودها على أرض الواقع، والابتعاد عن إيجاد مبررات.
وتحتاج مواجهة التضليل الإعلامي إلى عدة جوانب تعتمد على: المتلقي، والجهات الرقابية، والباحثين الأكاديميين في مجال دراسة مشكلة التضليل الإعلامي، والصحفيين المهتمين بالوصول إلى الحقائق.
ويقع على عاتقك -عزيزي القارئ متلقي الأخبار الإعلامية- ألا تكن سلبيًا؛ عليك التأكد من صحة الخبر والتدقيق فيه، والبحث في المصادر الموثوقة.
ولا تتعجل بمشاركة الخبر قبل ذلك، حتى لا تساهم في انتشار تلك القضية، فيزداد التلوث المعلوماتي!
كُن دائم الشك والنقد فور تلقيك أي خبر، حتى يمكنك تحرِّي صدقه. فإن تأكدت من كذب الخبر، فعليك بالإبلاغ عن مصدره لمنصة التواصل الاجتماعي المضيفة.
استطاع الباحثون -والمهتمون بمواجهة التضليل الإعلامي- الوصول إلى عدة برامج وأدوات لاكتشاف التضليل المعتمد على استخدام الذكاء الاصطناعي.
لكن الأمر يحتاج -بالإضافة لِما سبق- إلى إجراء مراقبة عامة على وسائل الإعلام، للكشف المبكر عن أي تزييف أو تضليل.
وعلى المنصات الاجتماعية بذل المزيد من الجهد للوصول إلى حلول شاملة، بدلًا من المواجهة الجزئية المعتمدة على انتقاء تجارب تضليلية ومواجهتها؛ فما زال في جعبة حرب التضليل الكثير مما يستدعي المواجهة!
في ختام القول…
عزيزي القارئ، كن إيجابيًا ناقدًا للأخبار التي تتلقاها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى لا تصبح ناقلًا لمعلومات مضللة -دون قصد منك أو نية سيئة- تساهم في التسبب بالضرر. البداية منك، فاحذر!