تأثير العادات والتقاليد | هذا ما وجدنا عليه آباءنا!

جلس الإخوة (عوض) و(حسانين) و(عواد) يوزعون تركة والدهم المتوفى، والذي كان يمتلك أطيانًا كثيرة.
ابتدأ (عوض) الكلام وقال: “سنوزع الأراضي الزراعية علينا نحن الثلاثة بالتساوي”.
قاطعه (حسانين) قائلًا: “وماذا عن أخواتنا البنات (هنية) و(مديحة)؟ أليس من حقهما أن تنالا نصيبهما فيما كان يمتلكه والدهما من أراضٍ وأموال؟!”.
استشاط (عوض) غضبًا ورد على أخيه قائلًا: “كيف تجرؤ على قول هذا الكلام، ألا تعلم أننا لا نورِّث البنات أرضًا زراعية، هذا من عاداتنا وتقاليدنا، هل تريد أن يستولي على أملاكنا الغرباء، ماذا ستقول عنا الناس؟!”.
القصة السابقة -عزيزي القارئ- تمثل جزءًا صغيرًا من تأثير العادات والتقاليد في حياتنا اليومية، إذ تقدس بعض المجتمعات عاداتها وتقاليدها كما لو كانت قرآنًا أُنزِل من السماء!
ما سبب نشأة العادات والتقاليد؟ ولماذا يتمسك بها بعض الناس ويريد آخرون أن يتحرروا منها؟ وما تأثيرها في الفرد والمجتمع؟ سنجيبكم عن هذه الأسئلة وأكثر في السطور القادمة…
تعريف العادات والتقاليد
تُعرَف العادات والتقاليد بأنها “كل سلوك اعتاد أفراد مجتمع ما ممارسته بانتظام على مَر السنين حتى صار عُرفًا، أي صار ملازمًا لهذا المجتمع، ومميزًا له عن المجتمعات الأخرى”.
نشأة العادات والتقاليد
كيف ومتى نشأت العادات والتقاليد؟
قد يكون من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، لأن العادات والتقاليد وليدة المجتمعات؛ فكما أنه من الصعب تتبع نشأة مجتمع ما،
فمن الصعب كذلك تتبع نشأة عادة أو تقليد ما.
بالرغم من ذلك، فقد اجتهدت بعض النظريات في تفسير نشأة بعض أنواع العادات والتقاليد.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
على سبيل المثال:
- بعض العادات والتقاليد ذات منشأ ديني، أي: ينتهجها أفراد المجتمع، لأنهم يعتقدون جميعًا بالأفكار الدينية نفسها.
- ترتبط بعض العادات والتقاليد بموقع الرقعة الجغرافية التي يعيش عليها أفراد هذا المجتمع.
- بعض العادات والتقاليد نشأت من تقليد مجتمع ما لمجتمع آخر.
- بعض العادات والتقاليد نشأت كتلبية لاحتياجات الإنسان الأساسية، مثل تلك المرتبطة بالإنجاب أو بالحياة الجنسية، أو ما شابه.
قد تستطيع النظريات السابق ذكرها تفسير نشأة بعض العادات والتقاليد، لكن سيظل هناك الكثير منها غير معلوم المنشأ،
على الرغم من توارث الأجيال لها جيلًا تلو الآخر.
لكن، يا تُرى ما أهمية العادات والتقاليد في حياة البشر؟
للإجابة عن هذا السؤال، دعونا نناقش تأثير العادات والتقاليد على الفرد والمجتمع…
تأثيرُ العادات والتقاليد على المجتمع
يتمثل تأثير العادات والتقاليد على المجتمع في الآتي:
- تنظيم الحياة الاجتماعية
تعمل العادات والتقاليد في بعض المجتمعات عمل القانون، خاصة المجتمعات القِبَلية، أو الأقل تحضرًا.
تأثير العادات والتقاليد في هذه المجتمعات قوي للغاية، لأنها تنظم حياة الأفراد داخل المجتمع، وتوضح حقوقهم وواجباتهم،
ويجب على كل فرد داخل المجتمع احترامها وتنفيذها، وإلا أصبح منبوذًا.
- إشعار أفراد المجتمع بالانسجام والوحدة المجتمعية

الشعور بالانتماء من الأشياء الأساسية لجميع البشر.
تساعد العادات والتقاليد على إشعار أفراد المجتمع بالانتماء إليه والانسجام فيه، لأنهم يشعرون أن هناك سمة مميزة لمجتمعهم،
يتشاركون جميعًا فيها، وهذه السمة هي عاداتهم وتقاليدهم.
- حفظ التراث المجتمعي
تستمد بعض العادات والتقاليد أهميتها من كونها جزءًا من التراث الموروث من جيل إلى جيل.
فيحافظ أفراد المجتمع على هذه العادات -تحديدًا- لأنها تمثل هويتهم، وتربطهم بأجدادهم وأسلافهم، وفقدانها هو فقدان لهويتهم وقيمتهم الثقافية بين الأمم.
إذًا، هل تعني النقاط السابق ذكرها أن تأثير العادات والتقاليد في المجتمعات إيجابي دائمًا؟
في الحقيقة، الإجابة هي “لا”، لأن تأثير العادات والتقاليد على الفرد ومجتمعه قد يكون سلبيًا كذلك؛ فهناك العديد من العادات والتقاليد الخاطئة في المجتمع.
دعونا في السطور القادمة نتناول بعض الأمثلة على العادات والتقاليد الإيجابية والسلبية في المجتمع…
العاداتُ والتقاليد الإيجابية والسلبية
تعجُّ المجتمعات في كل بقاع الأرض بالعديد من العادات والتقاليد الإيجابية، والتي تُسهِم في تعزيز الترابط والتكافل بين أفراد المجتمع بعضهم بعضًا.
دعونا نتناول المجتمع المصري كمثال…
في مصر، اعتاد المجتمع -خاصة المجتمع الريفي- التهادي بالنقود في بعض المناسبات، مثل:
- الزواج.
- النجاح الدراسي، أو التخرج من الجامعة.
- قدوم مولود جديد للأسرة.
- عند عيادة المريض.
- في الأعياد.
- وغيرها من المناسبات الأخرى.

تُعَدُّ هذه إحدى العادات الإيجابية في المجتمع المصري، لأنها تمثل نوعًا من التكافل المالي بين الأفراد.
هذه النقود المتبادَلة في المناسبات بين الأسر بعضها بعضًا تساهم في حل بعض المشكلات المادية للأسرة، دون الحاجة إلى سؤال الناس، أو الشعور بالإحراج.
بالطبع، لن تتسع سطور هذا المقال لذكر جميع العادات الجيدة في مصر وغيرها من البلدان، ولكننا ذكرنا المثال السابق حتى تتضح لكم الصورة حول تأثير العادات والتقاليد الإيجابية في الفرد، ومن ثَمَّ المجتمع.
أما إذا أردنا التحدث عن العادات والتقاليد السلبية في المجتمع، فهي كثيرة للأسف، وتؤثر تأثيرًا عميقًا في صحة الأفراد النفسية والعقلية.
من أمثلة العادات والتقاليد السلبية في بعض المجتمعات العربية: الزواج المبكر للفتيات.
تأثيرُ العادات والتقاليد على الزواج المبكر
الزواج رباط مقدس، وهو الطريق الأوحد لبناء الأسرة التي هي نواة المجتمع وعموده الأول.
لذلك كان لا بُدَّ -قبل الإقدام على خطوة الزواج- من التأكد من أهلية الرجل أو المرأة (النفسية والبدنية والعقلية) لتحمل هذه المسؤولية العظيمة.
في بعض المجتمعات العربية، يظهر تأثير العادات والتقاليد على الزواج المبكر بوضوح؛ فبمجرد وصول الفتاة سن البلوغ، تسارع الأسرة في تزويجها، حتى وإن كانت غير مؤهلة من النواحي الأخرى.

والدافع وراء ذلك قد يكون ماديًا للتخلص من عبء الفتاة المادي على الأسرة، أو اجتماعيًا بسبب النظرة المشوهة تجاه المرأة التي يتأخر سن زواجها.
اقرأ هنا عن وصم العانس.
إذًا، نلاحظ أن تأثير العادات والتقاليد على المرأة في قضية الزواج المبكر يكون -في الغالب- مجحفًا، إذ تمثل الفتاة الطرف الأكثر خسارة في هذه القضية؛ فقد تحرَم من التعليم بسبب هذا الزواج، أو تحرَم من اختيار شريك حياتها، أو تتزوج بمَن لا يتوافق معها نفسيًا، أو غير ذلك.
هذا بالإضافة إلى المشكلات الصحية الأخرى التي قد تتعرض لها جراء الزواج والحمل المبكر.
والآن، بعد أن تحدثنا عن تأثير العادات والتقاليد الإيجابية والسلبية في المجتمع، دعونا نطرح سؤالًا مهمًا: هل تتغير العادات والتقاليد لمجتمع ما بمرور الزمن؟!
تطوير العاداتِ والتقاليد بحسب مقتضيات العصر
كما تسعى المجتمعات لتطوير نفسها علميًا وتقنيًا، يجب أن تسعى أيضًا لتطوير عاداتها وتقاليدها.
ولكن طالما أن هذا التطوير لن يتعارض مع الثوابت الدينية التي يعتقد بها أفراد المجتمع، ولن يؤثر في قيم المجتمع وهويته بين الأمم الأخرى.
بمعنى آخر، يجب أن يتفحص الأفراد عاداتهم وتقاليدهم، فينظرون إلى السيئ المتعارض منها مع تقدمهم وإنجازهم في الحياة،
ويؤثر سلبًا في صحتهم الجسدية والنفسية، فيسعون إلى التخلص منها وتغييرها إلى الأفضل.
لكن علينا الاعتراف أن هذا التغيير ليس أمرًا سهلًا، ويحتاج إلى صبر وإصرار، وقد يحدث تدريجيًا على مدار سنوات كثيرة، لأن العادات والتقاليد جزء متأصل من ثقافة المجتمعات، ومن الصعب تخلي الناس عنها بسهولة.
في النهاية…
عزيزي القارئ، إن تأثير العادات والتقاليد في حياة الناس أمر لا يستهان به، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا.
لذا، يجب على كل فرد في المجتمع أن يعمِل عقله، وينظر إلى ما ينفعه في دنياه وآخرته، فيأخذ به، ويطرح ما سواه، فبذلك تتقدم الأمم ويعلو شأنها.