
اسمح لي، يا صديقي العزيز، أن أطرح عليك سؤالًا مهمًا: لم تعمل؟
في الجامعة، كنت أمازح أصدقائي قائلة: “سألوح لكم من نافذة الطائرة قبل سفري حول العالم!”
ولم لا وأنا أرى في نفسي من الطموح وحب المغامرة ما يعينني على تحقيق ذلك؛ سأشغل وظيفة تدر دخلًا معقولًا، وسأتعلم لغة جديدة، وأرى دولًا عديدة.
ومضى العام تلو العام، ورأيت نفسي ألوح بالفعل، لا لأصدقائي وأهلي ولكن لأحلامي وحماستي، من نافذة عملي.
يتوه فكري بين اختيارين: هل أحاول ترك العمل وأطارد المجهول أم أحافظ على الدخل والاستقرار؟
ربما تملك أسبابًا أخرى لترك العمل، ولكننا نقف على الطريق نفسه ونسأل الأسئلة عينها: متى وكيف؟
إذًا، دعنا في هذا المقال نتجاذب أطراف الحديث حول أسباب ترك العمل، وكيف تتخذ قرارًا مناسبًا.
لِمَ تعمل؟

“لأعيش؛ فبدون المال لن أجد ما يسد رمقي.”
قد تكون تلك الإجابة الأقرب لذهنك والأكثر واقعية في وقتنا الحالي، وربما لا يملك الكثيرون منا رفاهية التفكير في الشغف والطموح كسبب للعمل.
ولكن مادمت تفكر في ترك العمل، فمن الحكمة أن تعرف ما تبحث عنه أو تطمح إليه في عملك، آخذًا في اعتبارك احتياجاتك المادية والمعنوية؛ لذا دعنا نضرب أمثلة.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
طبيعة العمل نفسه
ربما اخترت وظيفة بعينها لأنك تحب طبيعة العمل وتجد نفسك مشغولًا بإيجاد أفكار جديدة في مجال عملك. وهي واحدة من أفضل الأسباب التي تضمن بقاءك متحمسًا على طول الخط.
السعي للمعنى وراء هذا العمل
ربما لا تحب طبيعة العمل نفسها، ولكن الرسالة التي تؤديها في عملك هي السبب في استمرارك.
فلو كنت ممرضًا مثلًا، ربما لا تحب جميع المهام الموكلة إليك لذاتها، ولكنك تدرك أهمية إنقاذ المرضى والعناية بهم.
العمل كمحطة لهدف أكبر
ربما لم يكن عملك الحالي هو اختيارك الأمثل، ولكنه محطة أساسية لابد من اجتيازها واكتساب خبراتها لتتمكن من التأهل لنقطة أعلى والوصول إلى عمل آخر بمستوى أفضل.
الضغط النفسي
قد تضطر لاختيار وظيفة معينة تحت ضغط نفسي ما؛ كأن يضغط أهلك عليك لتصبح طبيبًا، بينما تفضل تخصصًا آخر.
الحفاظ على المستوى المعيشي
يعد ذلك سببًا أساسيًا نعمل لأجله، وربما تقرر الانتقال من وظيفة لأخرى توفيرًا لاحتياجاتك المادية.
التواصل الاجتماعي وتحقيق الذات
نحن كائنات اجتماعية بشكل أو بآخر، ونحتاج -رغم اختلاف شخصياتنا- للبقاء ضمن مجتمع وشبكة من المعارف.
وقد يفضل البعض العمل رغم عدم حاجته للمال فقط للإبقاء على التواصل الاجتماعي وهربًا من العزلة والوحدة.
ما أسباب ترك العمل؟

هناك العديد من الأسباب التي تدفعك للتفكير في ترك العمل منها ما يلي.
بيئة العمل غير الصحية
يمكن لمدير سيء أن يجعل بيئة العمل جحيمًا.
فما بين المدير المتسلط الذي يفرض سلطته عليك ويتدخل في كل شاردة وواردة، ويحجر على آرائك، وينسب نجاحك لنفسه، والمدير الضعيف الذي يتغافل عن سماع مشاكلك أو مراعاة ظروفك يضيع الكثير من الوقت والجهد.
يسري الأمر كذلك على زملاء العمل المزعجين ممن يكيدون لك ويتعمدون إحراجك.
ورغم أن ذلك يعد سببًا كافيًا لترك العمل، إلا إن شعورك بالغضب من شخص واحد يحتاج لمزيد من التفكير قبل اتخاذ أي قرار.
فلو كنت غاضبًا من زميل، هل جربت أن تحاوره؟ أو أن تغير طريقة تعاملك معه؟ أو أن تبلغ مديرك بالمشكلة؟
انعدام التطور وغياب التقدير
“أين ترى نفسك بعد خمس سنوات من الآن؟”
أليس ذلك واحدًا من أشهر الأسئلة التي تطرح عليك في مقابلات التوظيف؟
ومع ذلك فإنك قد تتفاجأ بظروف عمل تجبرك على البقاء في نفس النقطة، بنفس الراتب، ونفس المهارات، دون أن تحرز أي تقدم مادي أو معنوي، فتصاب بالإحباط الوظيفي.
وقد تبذل النفيس والغالي، وتنفق الأيام والليالي لنجاح مشروع ما، ثم ينسبه غيرك لنفسه، أو تتغافل الإدارة عن الدور الفعال الذي لعبته.
ربما لا تبحث عن تقدير مادي بقدر حاجتك لتكليل مجهودك بالتقدير المعنوي الذي تستحقه.
لا يتلاءم مع ظروفك
لا تتعلق المشكلة هنا بطبيعة العمل نفسه أو غضبك ممن حولك، ولكن تغير الظروف المحيطة بك يضطرك للتفكير في ترك العمل مثل حاجتك لقضاء وقت أطول مع أطفالك ومتابعة مواعيد دروسهم، أو رغبتك في تغيير محل سكنك.
رغبتك في متابعة الدراسة
في بعض الأحيان، تصبح مواعيد العمل عائقًا أمام استمرار دراستك وقدرتك على التعلم، فقد ترغب مثلًا في التقدم لإحدى الدراسات العليا التي تتطلب منك الحضور عدة أيام في الأسبوع بينما تفتقر مواعيد عملك إلى المرونة اللازمة.
عدم استقرار ظروف العمل
إن الأحوال غير المستقرة للعمل، وعدم وضوح المهام المطلوبة من كل موظف، وزيادة أعباء موظف دون الآخر وغيرها من أشكال التمييز قد تدفعنا دفعًا نحو ترك العمل.
رغبتك في تغيير مجال عملك
يعد ذلك سببًا شائكًا للغاية، ويكون غالبًا محفوفًا بكثير من الحيرة والشك؛ فقد تحب مجالًا آخر ولكنك لا تمتلك الإمكانيات اللازمة لدخوله، ولا تعرف من أين تبدأ.
وقد تكثر الاحتمالات ولكنك لا تستطيع أن تقرر إذا كان حماسك لتلك المجالات مجرد رغبة في التجديد أم شغف حقيقي.
كيف أتخذ قرار ترك العمل؟

تطاردنا الرغبة في ترك العمل بين الحين والآخر، فهل حان وقت التنفيذ؟
إذًا، دعنا نقدم لك بعض النصائح.
تأكد من رغبتك
قبل الإقدام على ترك العمل، عليك أولًا أن تتأكد من شعورك؛ فربما أسأت فهم موقف بعينه.
تحدث مع مديرك المباشر أو زملائك لتوضيح الأمور إذا شعرت بالظلم، أو وجدت صعوبة في تنفيذ أفكارك.
حدد لنفسك قائمة بالأشياء التي تحبها في عملك، والأشياء التي تزعجك، وقارن المميزات والعيوب بما تسمعه أو تعرفه عن الوظائف وأماكن العمل الأخرى.
لا يخلو عمل من العيوب، فهل تلك العيوب محتملة أم أنها تقض مضجعك وتعيقك عن تحقيق أهدافك؟
قدر الخسائر
لنفترض أنك تركت العمل، فهل أنت جاهز ماديًا للبقاء دون عمل لبعض الوقت؟
هل ستخسر دائرة مهمة من المعارف برحيلك في هذا التوقيت بالتحديد؟
ابحث عن بديل أولًا
من الحكمة أن تخطط لرحيلك قبل ترك العمل؛ عليك دراسة الفرص الأخرى المتاحة،
هل أنت جاهز لها؟ هل هناك وظيفة أخرى توفر راتبًا أفضل؟
قد تحتاج لتنمية بعض المهارات أولًا، وتقديم سيرتك الذاتية للوظيفة الجديدة حتى لا يتضرر موقفك بأسئلة مثل “لم تركت عملك، أو لم أنت عاطل عن العمل؟”، وكي تتجنب الوقوع في مشاكل مادية إذا لم تصل للوظيفة المنشودة.
يمكنك أيضًا أن تضع نصب عينيك بعض الوظائف الحرة أو ذات الدوام الجزئي في حالة كنت في حاجة لمزيد من الوقت للدراسة، أو ترغب في الاستقالة دون أن تحدد وجهتك التالية.
غادر بشكل لائق
مهما كانت أسباب تركك للعمل، لا تندفع بمهاجمة محل عملك بجمل قاسية، سواء في التعامل الشخصي أو عند التحدث عنهم في المقابلات الشخصية؛ إذ يضعف ذلك موقفك ويحدث ضررًا بالغًا في سيرتك المهنية.
وختامًا، يا صديقي العزيز، أرجو أن تجد ما تبحث عنه، وأن تشعر بالرضا عن إجابتك إن سألتك يومًا أين ترى نفسك بعد خمس سنوات.