دور الأم في تربية الأبناء منحة إلهية ومهارة إنسانية

بدأ تأثير البنج يتلاشى من جسد (نيرة)، ورموشها ترتعش لتفتح جفنيها على مستقبل لطالما أملته، أضاء نور عينيها وأفاق غفلتها طفلها الذي وضعوه بجوارها في غرفة المستشفى، ولكن مع بريق عينيها شرد الذهن، واعتصر القلب لحظة ترقب وخوف!
تحولت فرحتها وأمانيها تساؤلات…
أحقًا ما أشعر؟!
أصبحت أنا أمًا؟!
ما أجمله من شعور!
ولكن الأهم أن أعتني بطفلي، وأن أعرف دور الأم في تربية الأبناء…
عزيزي القارئ…
يُعد دور الوالدين في تربية الأبناء من أهم وأسمى أدوار الحياة، فهما يبنيان المجتمع، ولكلٍ منهما دوره الذي لا يُسقط أداء الآخر، دوره الذي يكمن فيه سر فطرته الإلهية.
عزيزاتي بنات الحاضر وأمهات المستقبل، هيا معًا في مقالي هذا، لنتعرف إلى أهمية دور الأم في تربية الطفل.
كونك أبًا أو أمًّا منحة إلهية، وحدها كافية أن تحرك فطرتك وغريزتك، ولكن عليك التعامل معها كمهارة وموهبة ربانية الصنع، اعمل على تنميتها.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
دور الوالدين.. منحة إلهية تتبعتها الدراسات

أوضحت بعض الدراسات أن البيولوجيا الإنسانية والاجتماعية تنمو وتتأثر بقدرٍ ملحوظ بعد الولادة وخلال سنوات الطفولة المبكرة، مما يُظهر أهمية دور الأم والأب في تربية الأبناء.
تدير معظم الأمهات أسرهن إضافة إلى تحمل المزيد من مسؤوليات تربية الأبناء، وربما تكون المرأة عاملة، فيزداد عليها العبء. على الجانب الآخر، يلعب الأب دور صاحب السعادة!
أجريت عدة دراسات في علم النفس، وأوضحت وجود فجوة في الشعور بالسعادة بين الوالدين، وكان تفسير العلماء والباحثين:
أن الآباء المهتمين برعاية أبنائهم ومشاركة أسرهم، ينحصر دور معظمهم في قضاء وقت لطيف مع أبنائهم في اللعب
والأنشطة الترفيهية، مما يزيد من مستوى سعادة الطفل، وأيضًا كان سببًا في سعادة الآباء.
ذكر الباحثون أن نتائج هذه الدراسات تنبه الآباء والمحيطين بأعباء الأمهات، وهي إنذار مبكر بضرورة تقليل توترهن وزيادة السعادة لديهن، وتقدير دورهن في تربية الأبناء.
نعرف أن دور الأم والأب في تربية الأبناء حق شرعي للأطفال وليس فضلًا من الوالدين، ولكلٍ منهما أدوار ومهام
تختلف عن الآخر، وهناك أدوار مشتركة، لا يمكن لأحدهما أن يقوم بدور الآخر إلا عند الضرورة؛ إذا حدث انفصال أو عند سفر أحد الطرفين.
يتأسس دور الوالدين في تربية الأبناء على أعمدة دائمة مشتركة بينهما، فهو بناء قائم على الدعم والحب والأمان.
رزِقت بطفلك بشخصية وأهداف وإن كان لك بعض التأثير فيها؛ إلا أن عليك احترامها دون أن تدفعه إلى مسار ترغبه.
يعظم أثر دور الأم والأب في حياة أبنائهم؛ فيتصرف أطفالنا كما يرونا نفعل، لا ما نقوله أو نأمرهم به، إن أيامنا معهم ستكون ماضٍ لمستقبل نأمل أن يقتدوا فيه بخصال وقيم نغرسها بتصرفاتنا نصب أعينهم.
أخص في مقالي هذا دور الأم في تربية الأبناء، ولكن علينا أن نتطرق أيضًا إلى دور الأب الذي لا يقل أهمية عن دور الأم.
دور الأب في تربية الأبناء:

مما يدعو للأسف، اعتقاد الكثير من الآباء أن وجودهم في الحياة الأسرية مجرد عامل مساعد في كل جنباتها،
على الرغم من ضرورة وجودهم كشيء ثمين لا يمكن ولا يصح استبداله أو الاستغناء عنه.
أكدت كثير من دراسات المختصين بالعلاقات الأسرية وأطباء صحة الأطفال النفسية، أن الأب الواعي لدوره في الحياة الأسرية له أكبر الأثر في أبنائه، ويعد جزءًا لا يتجزأ من الأسرة والاستغناء عنه مدمر.
يقتنع كثير من الآباء أن دورهم الأساسي العمل والإمداد المالي، ولكن دور الأب في تربية الأبناء لا يقل أهمية عن دور الأم في تربيتهم.
وقد ذكر الباحثون وجود ثلاثة محاور مهمة يجب الالتفات إليها عند مشاركة الآباء في تربية الأبناء، وهي:
- المشاركة: على الآباء التواصل والتفاعل مع أبنائهم.
- الوجود: تؤثر سهولة الوصول إلى الأب إيجابيًّا في نفسية الأبناء، ووجوده إلى جانب أبنائه عند الاحتياج إليه له عظيم الأثر في صحتهم النفسية.
- المسؤولية: يتضح دور الأب جليًا في ترتيب احتياجات الطفل وتوفيرها.
توصل أحد الباحثين -اعتمادًا على الرأي السابق ومحاوره الثلاثية-، إلى أن الأب المشارك في الحياة الأسرية بمختلف جوانبها يقوم بعدة مهام، هيا بنا عزيزي القارئ نسرد بعضًا منها:
- رقيب وقدوة حسنة: على الأب أن تطابق أفعاله أقواله، فالأفعال دائمًا أبلغ من الأقوال.
- مشاركتهم الاهتمامات والأنشطة: يساعد ذلك على التطور العقلي للطفل وترسيخ الثقة بالنفس وتنمية المهارات.
- دور تربوي وتعليمي: استخدام مبادئ مهمة (كالثواب والمدح والعقاب) إن لزم الأمر ولكن دون ضرب.
وكذلك من المهام المؤثرة مشاركة الأم في العملية التعليمية استكمالًا لدور المدرسة.
- التوفير: توفير احتياجات الأسرة والأمور المتعلقة بأطفاله.
- الاحتواء: من أهم أدوار الوالدين منح النشء الحب والحنان، وعلى الأب أن يشعرهم بالأمان.
- الحماية: دور مهم يجب على الأب إجادته بصورة دائمة للزوجة والأبناء.
- الدعم المعنوي والعاطفي: يغمرهم بحبه وحنانه، خاصة في أوقات القلق والخوف.
- التواصل: توفير وقت يومي كافٍ للأبناء.
دور الأم في تربية الأبناء:
تشارك الأمهات الآباء جميع المهام السابقة، إضافة إلى غيرها؛ لذا دور الأم في تربية الأبناء عظيم جدًّا،
ولهذا كان للأم شأن كبير جدًّا في ديننا الحنيف.
نستطيع أن نخط بعض هذه المهام في السطور التالية:
- تعلم الأم ابنها كيف يعيش الحياة ويتعامل فيها، وهي له صديقة ومربية.
- تكون دائمًا بجانبه؛ حتى إذا احتاجها وجدها.
- تعلمه الثقة بالنفس والاهتمام بذاته وتقديرها.
- تمده بالحب والطعام والمأوى.
- تعلمه كيف يحب دون شروط.
- توجيهه وحثه على النظام والنظافة؛ نظرًا لوجودها معه وقتًا أطول من الأب.
هل عمل المرأة يؤثر في أمومتها ودورها التربوي؟
يظن الكثير أن دور الأمهات في تربية الأولاد يعتمد أكثر على وجودها في البيت، وأنه دورها الأساسي ومسؤولية مطلقة ملقاة على عاتقها؛ فلا يحق لها أي عمل آخر.
تضمنت بعض النظريات في طياتها نتائج سلبية في سلوك وصحة الأبناء الذين يعمل أبويهما، ولكن توصل الدارسون حديثًا أنها أقاويل خاطئة، وكان لهذا أثر نفسي إيجابي في حياة الآباء العاملين.
أكدت الدراسة أن دور الأمهات في تربية الأولاد لا يتأثر بخروجها للعمل، وأثبتت بالأدلة أن أطفالهن أفضل حالًا،
لكن ذلك لا يعني إطلاقًا اضطرارك إلى إيجاد فرصة عمل إذا كنتِ تفضلين المكوث في المنزل وسط أولادك وشعورك أنه الاختيار الأنسب.
أما إذا كنت تتمتعين بطموح وظيفي مهني، فلا تضحي بأحلامك نظير اعتقاد خاطئ وشعور بالذنب تجاه أبنائك،
أو هروبًا من آراء المحيطين ونظراتهم.
تقود معظم الأمهات العاملات حياتهن بتوازن مع تحقيق أحلامهن دون إهمال الأطفال، إلا أنهن لا يشعرن بذلك النجاح، مع إحساس بالتقصير وشعور دائم أن الجهد المبذول لا يكفي.
أعزائي القراء أصحاب المنحة الإلهية، إن الإفراط في الأبوة والأمومة أسلوب تربوي خاطئ؛ يؤثر في استقلال طفلك وصحته النفسية وثقته بنفسه.
وعلى الجانب الآخر هناك ما يُعرف بـ “قلة الأبوة” الذي يؤدي إلى اعتماد الأبناء -في مختلف مراحلهم العمرية-
على أنفسهم أكثر مما يجب، مما يشعرهم بقسوة الأب أو إهماله لهم، وكذا الأمر إذا نشأ الطفل على قدر غير كاف من اهتمام الأم وتواجدها، يؤدي إلى اضطرابه سلوكيًا وعاطفيًا.
آباء وأمهات الحاضر أو المستقبل، إن أبناءكم بناء وظيفي لمهنة سامية، استثمار يصل بجميع أطرافه إلى النجاح
إذا بذِل الجهد ودام الإخلاص.

جولتنا معًا -أعزائي- انتهت، ولكن أدواركم لم تنتهِ، تعاملوا بفن وحب لتنمية مهاراتكم، وحتمًا ستكون النتيجة رائعة،
توازن الأمور واحترام الطرفين لبعضهما، والمشاركة الإيجابية، والنقاش وتبادل الحوار للوصول إلى حلول
المشكلات الموجودة في يومياتنا وحياة أبنائنا، جميعها مفاتيح سحرية للأبواب المغلقة لتصلوا إلى غرف الأمان والاستقرار الأسري.