زواج القاصرات | عودة زمن الجواري في ثوبه الجديد

“لقد خلقَنا اللهُ أحرارًا ولم يخلُقْنا تراثًا أو عَقارًا”
كلماتٌ سُطِّرتْ بأحرفٍ من نور عبرَ التاريخ، قالها (عُرابي) -الزعيمُ المصريُّ- دفاعًا عن الحقوقِ المسلوبة.
أَغمِضْ عينَيكَ قليلًا يا صديقي وتخيلْ معي أنكَ استيقظتَ يومًا، فوجدتَ نفسَكَ مقهورًا مسلوبَ الإرادة،
لا تملكُ من أمرِ نفسِكَ شيئًا غيرَ أنكَ إنسانٌ مُسيَّرٌ لا تستطيعُ حتى اتخاذَ قراراتِكَ المصيرية،
ومهما تكلمتَ أو حاولتَ أنْ تبديَ اعتراضَكَ ردَّ عليكَ السوطُ رَدًا مؤلِمًا.
تخيلْ أنهم يتلاعبونَ بكَ كما يتلاعبونَ بعرائسِ الماريونت، سلبوا منك حريتَكَ وحقكَ في الاختيارِ اللذَينِ كفلهُما اللهُ لك.
هل شعَرْتَ بكمِّ القهرِ والذلِّ والألمِ الداخليْ؟!
هل احتقنَ صدرُكَ وأردتَ الصراخَ عاليًا من مجردِ تخيلاتٍ في أثناءِ القراءة؟!
تصورْ معي أنَّ هناك من يعيشُ هذا الألمَ ويموتُ في اليومِ آلافَ المرَّات، ويصرخُ مكتومًا مكلومًا دونَ جدوى.
نتحدثُ اليومَ عن جريمةٍ تُرتكَبُ في حقِّ الأطفال، في حقِّ قاصراتٍ لم يبلُغنَ سنَّ الرشدِ بَعد، يُبَعنَ ويُشتَرَينَ كسِلعٍ بلا قيمة تحتَ مُسمَّى الزواج.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
فما هو زواجُ القاصرات؟! وما أسبابُه ونتائجُه؟! وما حلُّ مشكلةِ زواجِ القاصراتِ في مجتمعاتِنا؟!
نتابعُ الإجابةَ معًا في هذا المقال.
ما هو زواج القاصرات؟
إنَّ الزواجَ من القاصراتِ أمرٌ دَنيء يلجأُ إليه بعضُ الرجالِ لإرضاءِ غريزةٍ أقلَّ ما توصفُ بالحيوانية، دونَ النظرِ إلى مشاعرِ الفتاةِ نفسِها، ونحتاجُ النظرَ في مفهومِ القاصرِة من عدةِ اتجاهات كَيْ تتضحَ الرؤيةُ كاملة.
فإذا نَظرنا إلی الفتاةِ من المحورِ الفسيولوجيِّ للجسم -والذي يؤيدُه الدِّين، نجدُ أنَّ الفتاةَ إذا وصلتْ إلی مرحلةِ البلوغِ المميَّزةِ
لكنْ لا يجبُ أن نغُضَّ الطرْفَ عن المحورِ الثاني وهو الاستعدادُ النفسيُّ والبدنيُّ للفتاة -والتي لا تزال في مرحلةِ
الطفولة، خاصةً إذا بلغتْ مبكرًا عند عُمْرِ 9 سنوات مثلًا-، فإذا لم تكُنْ مستعدةً نفْسيًا ولا بدنيًا لتحمُّلِ هذه المرحلة فهي ما زالت قاصرة.
وهنا يأتي المحورُ الثالث وهو المحورُ القانونيُّ الذي رفعَ السنَّ القانونيةَ للزواجِ إلی 18 عامًا، كي يضمنَ اكتمالَ عقلِ الفتاةِ واستطاعتَها تحمُّلَ المرحلةِ الجديدة.
ونضعُ في الاعتبار أنَّ هناك تباينًا بين الثقافاتِ والبِلدانِ والأزمنةِ من حيثُ طبائعِ البشرِ والجيناتِ الوراثيةِ السائدةِ ومما سبق نستخلص أن مفهوم القاصر لا يعمم على كل الفتيات ولا كل البلدان، ولكن يُعَرَََف زواج القاصرات بصفة
عامة من الناحية القانونية بأنه الزواج من فتاة دون الثمانية عشر عامًا.
أسباب زواج القاصرات

ينتشر زواج القاصرات -طبقًا لمنظمة اليونيسيف- بشكل واسع في أغلب دول أفريقيا ودول الجنوب الآسيوي كالهند؛
ولكن ما هي أسباب زواج القاصرات؟
تتعدد أسباب زواج القاصرات ودوافعه ونذكر أشهرها فيما يلي:
- عدم المساواة بين الجنسين؛ ففي بعض البلدان يُنظَر للفتاة نظرةً عنصرية تحمل تفرقة بينها وبين الولد،
حيث تُعامَل على أنها عبء على أسرتها اقتصاديًا، وأن انتقالها مبكرًا إلى بيت زوجها يخفف هذا العبء.
- العادات والتقاليد؛ تطبق بعض البلدان زواج القاصرات كنوع من العادات والتقاليد المتوارثة عبر الأجيال،
ولكن كما أوضحنا فإن من حق الطفلة أن تعيش طفولتها ولا تتزوج حتى تتمكن من تحمل مسؤولية الزواج كاملة.
- الفقر؛ وهو أشهر ما يدفع الرجل إلى بيع طفلته بثمن بخس، فإن زواج القاصرات في هذه الحالة -بمفهوم الأب- ما هو إلا تخفيف عبء طعام وشراب ومصروفات، وتأمين حالة اقتصادية أفضل للفتاة في المستقبل.
- انعدام الأمن؛ قد تكون هناك بعض المناطق التي لا تأمن فيها العائلة على فتياتها من حالات الاغتصاب أو
التحرش الجنسي بالأطفال أو غير ذلك، فيلجأون إلى زواج القاصرات كحل بديل.
تكلمنا عن الأسباب الاجتماعية لزواج القاصرات، لكن ما هي الدوافع النفسية للرجل الذي يسعى للزواج من قاصرة؟!
في الغالب يكون المتقدم للزواج كبير السن ربما تعدى الخمسين عامًا، ولكنه يملك المال أو السلطة والنفوذ، إلى جانب أنه قد يعاني اضطراب اشتهاء الفتيات القاصرات فيسعى إليهن تحت مسمى قانوني وهو الزواج.
ويستغل ما سبق ذكره من مشكلات اقتصادية أو اجتماعية لدى أسرة الضحية للضغط عليهم ليصل إلى مبتغاه؛
فكم سمعنا عن ثري عربي جاء من بلده ليتزوج بطفلة قاصرة من إحدى القرى الفقيرة زواجًا ربما لا يزيد عن ليلة واحدة.
تجريم زواج القاصرات
إن زواج القاصرات جريمة شنيعة تُرتَكَب في حق طفلة قاصرة لها الحق في التمتع بطفولتها قبل تحمل مسؤولية الزواج.
وعلى هذا فإن منظمة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قد اعتبرت زواج القاصرات دون سن ثمانية عشر عامًا جريمةً يعاقب عليها القانون.
وقد اعتبرت بعض الحكومات أن زواج القاصرات يندرج تحت مسمى العنف ضد المرأة، وتعاملت معه على أنه جناية -وليس مجرد مساءلة قانونية- تمس كل من شارك في هذه الجريمة أو كان وسيطًا فيها أو سهل حدوثها.
وقد استجاب القانون المصري لنداءات الاستغاثة لحماية الأطفال من هذا الزواج القسري؛ حيث اعتبرت أن زواج القاصرات جريمة وليست جنحة لا تسقط بالتقادم ويعاقب عليها كل من شارك فيها أو سهل حدوثها.
نتائج زواج القاصرات

تُعد أغلب النتائج المترتبة على زواج القاصرات نتائجَ سلبية، سواءً على المستوى الاجتماعي أو النفسي.
فإذا نظرنا إلى الناحية الاجتماعية، نجد أن أغلب الفتيات يُعانين عدم اكتمال التعليم؛ إما بسبب إجبارهن من قبل أزواجهن على ذلك أو بسبب الحمل أو مضاعفات الحمل التى تمنعهن من الذَّهاب إلى المدرسة.
مما يسهم في بناء مجتمع متخلف جاهل وأسرة ضعيفة البنيان في الغالب فكما قيل: “الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق”.
وأما الناحية النفسية فحدث ولا حرج، ونذكر أهم ما تعانيه القاصر نفسيًا فيما يلي:
- الاكتئاب.
- القلق والضغط النفسي.
- انعدام الثقة بالنفس.
- الميول الانتحارية في بعض الأحيان.
ناهيك عن المشكلات البدنية التي تتعرض لها من مشقة الأعمال المنزلية المرهِقَة وتحمل مسؤولية أسرة ربما تتكون
من عدة أفراد، وهي لا تزال صغيرة.
نصائح عامة
ونقدمُ لسيادتِكُم بعضَ النقاطِ المهمةِ لمَحوِ ظاهرةِ زواجِ القاصراتِ من مجتمعاتِنا، ونسعى معًا نحو مجتمعٍ أكثرَ ثقافةٍ وأحسنَ حالًا، نذْكرُها فيما يلي:
- تدشين حملات توعية موسعة طويلة المدى للحد من هذه الظاهرة وبيان مخاطرها ونتائجها السلبية على الفتاة والمجتمع عمومًا.
- تسخير الدولة لكل جهودها وتشديد القوانين لردع كل من تسول له نفسه الزواج من قاصرة أو المشاركة في جريمة كهذه.
- توعية الفتيات القاصرات في المدارس بماهية زواج القاصرات ونتائجه وكيفية تقديم بلاغات للجهات المعنية إذا وقعت ضحية لمثل هذه الجريمة.
- إعطاء الفتيات حقهن في حرية التعبير عن آرائهن، فهن لسن أقل من الذكور في شيء، بل هو حق إنساني كفله الله للجميع.
- إذا وقعت الفتاة القاصر ضحيةً للزواج القسري وبدت عليها أعراض أيٍ من الاضطرابات النفسية التي ذُكرت سابقًا، فعليها التوجه فورًا إلى الطبيب النفسي لتلقي العلاج.
ختامًا عزيزي القارئ، فإن الفتيات هن القوارير وزينة الحياة الدنيا، والسند للوالدين في الصغر والكبر؛
فالرفقَ الرفقَ في معاملتهن، ولا تُلقِ بابنتك في نار مجهولة تلتهمها نفسيًا واجتماعيًا وبدنيًا.