ترياق في بيئة العمل

سعادة الموظفين | سر الإنتاجية في العمل

يعمل (الأستاذ محمود) موظفًا في إحدى الشركات، ويقضي قرابة نصف يومه في عمله.

يستيقظ كل صباح ناقمًا، يسير في طريقه للشركة لاعنًا، يقابل رؤساءه وزملاءه كارهًا، يحدث عملاءه يائسًا.

يحاول إنجاز مهام عمله فقط حتى لا يتعرض للفصل، ودائمًا ما يتمنى لو خربت الشركة!

يحاكي نموذج (الأستاذ محمود) العديد من الموظفين بالشركة، فتخيل معي ما حجم الكفاءة الإنتاجية لشركة كهذه؟  هل سيستمر نشاطها كثيرًا؟!

في الواقع، إن وجود موظفين سعداء يؤثر كثيرًا في رفع أداء أي منظمة ويضمن استمرارها، لأنهم يعملون بجدية أكبر، ويزيدون من إنتاجية العمل، وحينها يصبح المكان عنصر جذب لأفضل المواهب والمهارات.

من ناحية أخرى، عندما لا يكون الموظفون سعداء، فإنهم يبذلون الحد الأدنى من الجهد؛ فقط لمجرد تجنُّب الطرد من العمل.

ولكن…

لماذا تؤدي سعادة الموظفين بعملهم إلى رفع الكفاءة الإنتاجية؟

إذا كنت مستمتعًا بعملك، فستهتم به، وتتحمل عناءه، وتعمل على تحقيق أهدافه. ستزيد فعالية مشاركتك وحضورك بوجه عام، وستسعى لتلبية احتياجات عملائك بنفس راضية.

حتمًا لو كان هذا هو سلوك كل الموظفين، فسيؤدي إلى مضاعفة الطاقة الإنتاجية للمؤسسة.

لماذا تؤدي سعادة الموظفين بعملهم إلى رفع الكفاءة الإنتاجية؟

كيف تعمل سعادة الموظفين على تحسين الإنتاجية؟

فلننظر إلى أحوال (أستاذ محمود)، وكيف تبدل الحال بعدما انتقل إلى عمل آخر…

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

الموظفون السعداء أكثر ولاءً وإخلاصًا

بعدما صار (أستاذ محمود) سعيدًا في عمله، زاد ارتباطه به وانتماؤه له، وأصبحت لديه الرغبة في الاستقرار والعمل فيه على المدى الطويل.

فزيادة معدل تناوب الموظفين على مناصب العمل يخلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار في الشركة لفترات طويلة،
مما يعمل على إهدار الكثير من الوقت والمجهود في البحث عن أشخاص جدد لتدريبهم وتعيينهم، ويؤدي إلى خسارة الكثير من الأموال نتيجة نقص الإنتاجية في العمل.

النقطة الأخرى أن التقدير يولد الحماس والولاء، فهل سيبحث (أستاذ محمود) عن وظيفة أخرى إذا كان مستمتعًا
بعمله، فضلًا عن وجود مَنْ يقدره ويدعمه؟!

الموظفون السعداء ينعمون بصحة جيدة

إذا وُجِدَت السعادة، فلن تجد الاضطرابات النفسية بيئة خصبة تسمح بنموها وتسللها إلى مكان العمل، مما يحافظ على
مناعة الأفراد، ويقلل فرص إصابتهم بالأمراض.

عندما توفرت لـ(أستاذ محمود) بيئة عمل محفزة ومريحة نفسيًا، أصبح خطر إصابته بالأمراض المزمِنة
والاضطرابات النفسية قليلًا، مما يقلل من فرص غيابه المتكرر لفترات طويلة بسبب المرض.

فصحة الموظفين المجهَدة تستنزف المؤسسة، وتؤدي إلى الخسارة المادية بسبب ضعف الطاقة الإنتاجية.

سعادة الموظفين شجرة تبسط فروعها لتضلل على الجميع

عندما تُروَى بذرة السعادة، فإنها تنمو في جميع أنحاء الشركة، ووجود موظفين سعداء دليل على وجود رؤساء أكثر
سعادة، والعكس صحيح.

سعادة (أستاذ محمود) في عمله الجديد جعلته نموذجًا مثاليًا يُحتذَى به، وأصبح مصدر إلهام وتشجيع لبقية زملائه.

ويكمن السبب وراء ذلك في علاقته بمديره الذي يشجع موظفيه باستمرار، ويحثهم على الاستمتاع بعملهم، وينأى بهم
عن صور الاستبداد والنرجسية والظلم.

أيضًا -بوجه عام- يدعم الموظفون السعداء بعضهم بعضًا، ويكونون أكثر استعدادًا للتعاون فيما بينهم لتحقيق أهداف
الشركة، وبحث طُرُق تحسين الإنتاجية، خاصة في المشروعات الجماعية.

كما تشجع السعادة العاملين على طلب العون والدعم متى احتاجوا إليه، وعدم الخجل مطلقًا.

كيف تعمل سعادة الموظفين على تحسين الإنتاجية؟

الموظفون السعداء يتحملون المزيد من المخاطر

سوء أحوال (أستاذ محمود) في عمله القديم جعله يشعر بالملل، وألبسه ثوبًا روتينيًا قيَّد تفكيره، ولجَّم رغبته في خوض أي مغامرة جديدة في العمل.

بكل بساطة، عندما أصبح مستمتعًا بعمله، تعزَّز حافز النجاح بداخله فحرر كل قيود عقله.

تعلَّم كيف يغتنم الفرص المناسبة في الوقت المناسب، وكيف يلمح ثغرات السوق ليتسلل منها ويفتح لشركته نوافذ جديدة ومجالات مختلفة للمنافسة، وصار أكثر فاعلية فشارك في رفع الكفاءة الإنتاجية.

سعادة الموظفين تعزِّز الابتكار

“الابتكار” هو حجر الأساس القائم عليه أي عمل لضمان بقائه واستمراريته، والموظفون السعداء هم فقط مَنْ لديهم الإلهام والقدرة على التفكير خارج الصندوق، والتوصل إلى الحلول الإبداعية، وتطوير طُرُق تحسين الإنتاجية في العمل.

السعادة تحفز القدرة على التعلم من الأخطاء

يخلق الموظفون السعداء بيئة متعاونة في مكان العمل تشجع الجميع على التعلم من أخطائهم، بدلًا من الخوف منها.

ويمكن أن تكون الأخطاء أداة تعليمية قوية تفتح الباب أمام نجاح غير متوقَّع؛ فالموظفون الذين يخشون ارتكاب
الأخطاء سيفقدون فرصًا كثيرة للتعلم.

كيفية زيادة الإنتاجية في العمل

لمَّا كانت التجربة هي خير دليل، فإن الحديث عن أكبر الشركات الناجحة هو خير مثال عملي واقعي لتعلُّم كيفية
الاستثمار في الموظفين لزيادة الإنتاجية. 

لقد احتلت شركة (جوجل) -الغنية عن التعريف- المركز الأول في قائمة (Glassdoor) السنوية لأفضل 50 مكانًا
للعمل، بالإضافة إلى القائمة السنوية لمجلة (Fortune) لأفضل 100 شركة عدة مرات على مَرِّ السنين.

ويرجع ذلك إلى أن (جوجل) تقدم بعضًا من أفضل الامتيازات للموظفين، وتخلق فرصًا للنمو الوظيفي، وتشجع ثقافة
الابتكار الذي يؤثر إيجابيًا في العمل.

عند قياس الكفاءة الإنتاجية لشركة رائجة بحجم (جوجل)، نجد أنها خير مثال نتعلم منه كيفية زيادة الإنتاجية في العمل:

  • تريد (جوجل) تسهيل حياة موظفيها، وتبحث باستمرار عن طُرُق تحسين صحتهم ورفاهيتهم ومعنوياتهم. لذا،
    فهي توفر الدراجات والسيارات الكهربائية لإحضار الموظفين إلى الاجتماعات ومراكز الألعاب والحدائق التابعة لها.
  • توفر الأطباء والممرضات والخدمات الطبية المختلفة، لتقديم الرعاية الصحية في مقرها.
  •  يمكن لموظفيها السفر دون قلق؛ فهي توفر تأمينًا للسفر والمساعدة في حالات الطوارئ في أثناء الإجازات الشخصية أو المتعلقة بالعمل.
  • تمنح (جوجل) أيضًا إجازات الوالدين المدفوعة الأجر للآباء الجدد تصل إلى 18 أسبوعًا للأب و22 أسبوعًا للأم.
  • تهتم (جوجل) كثيرًا بالوالدين الجدد لدرجة أنها تقدم استشارات للآباء على انفراد، لمناقشة أوضاعهم والخيارات
    المتاحة أمامهم فيما يخص الرعاية النهارية للطفل.
  • تمنح العاملين 500 دولارًا لإنفاقها على أوقات تعزيز الروابط والعلاقات بالأبناء، بالإضافة إلى توفير مراكز لرعاية الأطفال.
  • تبحث (جوجل) دائمًا عن أفضل العقول وأكثرها ذكاءً، ويتعرف الموظفون المهرة دائمًا على بعضهم بعضًا،
    مما يخلق بيئة عمل إبداعية متعاونة تشجع على الابتكار، ومن ثمَّ، رفع الإنتاجية.
  • تقدم (جوجل) لموظفيها إحدى أكثر ثقافات بيئة العمل إبداعًا، لدرجة أنها وضعت 9 مبادئ لتشجيع الابتكار.

 أهمهم السماح للموظفين بقضاء 20٪ من أوقات عملهم في متابعة أفكارهم المبتكرة التي يتحمسون لها.

ملحوظة: نشأت بعض أفكار التطبيقات (مثل: Google News, Google Alerts, Google Maps & Street View)- بسبب رعاية المبدأ السابق.

  • منحت الموظفين الحرية في إحضار حيواناتهم الأليفة إلى العمل، للمساعدة في رفع الروح المعنوية لهم.

وقد أشار بعض العاملين بالشركة إلى أن السماح بإحضار حيواناتهم الأليفة إلى العمل يحافظ على مستويات الطاقة
لديهم، فضلًا عن إضفاء نوع من البهجة على المكان.

ببساطة، تعامل (جوجل) موظفيها باحترام، وتدعم جهودهم الإبداعية المبتكرة، وتدعم سعادتهم بشتَّى الطُرُق. لذا، استطاعت تعزيز الإنتاجية في العمل.

في النهاية ينبغي أن تكون سعادة موظفي الشركة على رأس جدول أعمال كل مدير؛ فاليوم -تبعًا لتوجهات مكان العمل- يرفض العاملون وظائف ذات رواتب كبيرة مقابل وظائف تهتم برضا العاملين، وتدعم بيئة محفزِّة للفرح والإلهام.

المصدر
5 Great Reasons Why Happiness Increases ProductivityThe Real Advantage of Happy EmployeesThe Top 10 Reasons to Work at Google‘Conclusive link’ between happiness and productivity
اظهر المزيد

د. مي جمال

صيدلانية ومترجمة وكاتبة محتوى طبي. أحب البحث والتعلم، ولا أدخر جهداً لمشاركة وتبسيط ما تعلمت للآخرين. أعتز بالنفس البشرية، وأهوى البحث في أعماقها، ولا أجد أبلغ من الكلمات للتعبير عنها ومناقشة قضاياها، مساهمةً في نشر الوعي والارتقاء بحياة البشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى