سياسة الترغيب والترهيب في العمل | أيهما أفضل؟

داخل أحد المستشفيات في (نيويورك)، وُضعت علامات تحذيرية للفريق الطبي بجوار موزعات جل التعقيم؛ من أجل الترهيب من تلوث الأيدي، والترغيب في غسلها قبل دخول غرفة المريض وبعد الخروج منها.
لطالما صدرت التنبيهات والتحذيرات بشأن هذا الأمر؛ للحد من انتقال العدوى، والسيطرة على انتشار الأمراض.
ثم وزعت كاميرات المراقبة في كل الأماكن المخصصة لغسل اليدين وتعقيمها في وحدة العناية المركزة بالمستشفى.
وبعد فترة، رُصد معدل استجابة العاملين للتحذيرات، ووجد أن 10% فقط هم من اتبعوا التعليمات، مع أنّ جميعهم على علم بوجود كاميرات تراقبهم!
كانت هذه إحدى التجارِب لاختبار فاعلية أسلوب الترغيب والترهيب في مكان العمل، وهو ما يعرف بـ “سياسة الجزرة والعصا”.
بعد ذلك، وضعت لوحة إلكترونية في ردهة أحد أقسام المستشفى؛ تعطي الموظفين ملاحظات فورية (رسائل إيجابية) في كل مرة يغسلون فيها أيديهم، مثل: (عمل رائع، استمر!)، ويرتفع معها مؤشر درجة نظافة اليدين في اللوحة.
في غضون أربعة أسابيع، ارتفعت معدلات الاستجابة إلى ما يقرب من 90٪، وتكررت النتيجة في باقي أقسام المستشفى!

والآن -بعدما استعرضنا سويًا هذه التجربة- قد نتساءل: لماذا كان تأثير الحافز الإيجابي البسيط أقوى من تأثير الترهيب من انتشار الأمراض؟!
حسنًا، للإجابة على هذا السؤال لا بد أن نتعرف أكثر إلى أسلوب الترغيب والترهيب أو الجزرة والعصا.
في الواقع، كثر الجدل حول فاعلية كلا الأسلوبين، وهل من الأفضل إعطاء الموظفين ملاحظات إيجابية عندما يفعلون شيئًا صحيحًا (الجزرة)؟ أم ملاحظات سلبية عندما يفعلون شيئًا خاطئًا (العصا)؟
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
على ما يبدو من التجربة السابقة أن ميزان الترغيب والترهيب مالت كفته ناحية الترغيب (الجزرة).
ولعل السبب وراء نجاح فكرة اللوحة الإلكترونية يكمن في تلقي الموظفين حافزًا إيجابيًّا فوريًا، يعزز فعلهم،
ويزيد من احتمالية تكراره في المستقبل.
أما العقوبة؛ فتؤدي إلى الامتناع عن أداء الفعل مؤقتًا، ولكنها غالبًا ما تسبب انخفاض الروح المعنوية، وقلة الإنتاجية
على المدى الطويل.
هل يحمل لنا العلم تفسيرًا حول استجابة البشر لسياسة الترغيب والترهيب ؟
بالطبع، يوضح لنا العلم أن عقولنا تتطور بمرور الوقت وتتكيف مع خصائص البيئة المحيطة بها، وترتبط وسيلة
الحصول على المكافآت غالبًا -في بيئتنا- بأداء فعل معين.
فعندما ننتظر مكافأة ما، يعطي عقلنا إشارة (انطلق)، عن طريق تحفيز الخلايا العصبية في المخ لإنتاج الدوبامين،
الذي ينتقل إلى القشرة الحركية (Motor Cortex)؛ لتتحكم في أداء الفعل.
وعلى العكس تمامًا، عندما نتوقع شيئًا سيئًا، يطلق عقلنا إشارة (ممنوع)، وتكون أفضل طريقة لتجنب التعرض للأذى
هي توقف الفعل تمامًا (مما يفسر سبب شعورنا بالتجمد في بعض الأحيان عندما نواجه خطرًا ما).

إذًا، فما التطبيق الأمثل لسياسة الترغيب والترهيب ؟
يفترض علم الأعصاب أن الترغيب يكون أكثر فاعلية عندما يتعلق الأمر بالتحفيز على العمل
(مثل: تشجيع الموظفين على العمل لساعاتٍ أطول).
أما عند الحاجة لإيقاف الأشخاص عن فعل ما (مثل: نشر أخبار الشركة، أو استخدام مواردها لأغراض شخصية)،
فيكون الترهيب هو الأكثر فاعلية.
وهذا يفسر سبب نجاح التعليقات الإيجابية -على اللوحة الإلكترونية- في تحفيز الطاقم الطبي على غسل أيديهم،
وفشل التهديد -بانتقال الأمراض- في الحصول على استجابة فعالة.
فنون الترغيب والترهيب في العمل
تضم بيئة العمل أنواعًا مختلفة من البشر وشخصيات متعددة، وقد ترتفع معدلات الأداء عند بعضهم نتيجة المكافآت
المُرضية، وعند بعضهم الآخر نتيجة الخوف من العقاب.
وعلى المدير الجيد أن:
- يفهم طبيعة موظفيه كل على حِدَة؛ ليعرف طريقة التعامل المثلى معه.
- يعي كيفية تطبيق فنون الترغيب والترهيب.
- يخلق بيئة عمل تشجع الأداء الاستثنائي.
- يلاحظ الأداء الضعيف ويتعامل معه بطريقة مناسبة.
- لا يوجّه الحوافز والمكافآت نحو موظفي المبيعات فقط (لأنهم مصدر الأرباح)، بل يراعي باقي الموظفين.
فن الترغيب
الحافز (Motivation): هو وعد بمكافأة يمكن الفوز بها من خلال تحقيق نتيجة معينة. وقد تمنح المكافأة لفرد
بعينه، أو تعتمد على تعاون مجموعة أشخاص.
خصائص المكافأة
يجب أن تكون الحوافز واضحة، وجديرة بالاهتمام، ويمكن تحقيقها؛ لكي تكون فعالة. وقد يسأل المديرون الأذكياء
موظفيهم عن أنواع المكافآت التي ستحفزهم، مثل:

- المكافأة النقدية.
- الإجازة المدفوعة الأجر.
- توزيع بطاقات هدايا.
- خصومات كبيرة على منتجات الشركة وخدماتها.
- تنظيم رحلة صيفية سنوية (إذا كانت ميزانية الشركة تسمح بذلك).
- توفير فرص للتعبير عن الآراء.
- استضافة خبراء لتقديم محاضرات في التنمية البشرية.
- توفير دورات تعليمية مناسبة لرفع كفاءة الموظفين.
- توفير تأمين صحي مناسب.
- توفير مواقف مجانية للسيارات.
- توفير حافلات نقل جماعي للموظفين المقيمين بعيدًا عن مقر العمل.
- رفع مستوى الرفاهية في مكان العمل (مثل: توفير كراسي ومكاتب مريحة، وتخصيص مكان للاستراحة، ومَاكِينة قهوة أو وجبات مجانية)
الترهيب والعقاب
يعرف العقاب (Punishment)بأنه: “إجراء تأديبي”، الهدف منه إيقاف فعل سلوك معين أو طريقة تصرف معينة.
ويجب أن تضع الشركة سياسة مكتوبة للقواعد المتبعة، وتوضح بالتفصيل ما هي التوقعات المحتملة والإجراءات
المختلفة التي تُتخذ في حالة انتهاك هذه القواعد.
فإذا لم يكن الموظفون على دراية تامة بقواعد العمل وكل سياساته وإرشاداته؛ فقد يصعب تطبيق القوانين أو اتخاذ
إجراءات تأديبية دون مواجهة رد فعل عنيف.
ومن وسائل العقاب في مكان العمل:
- إجبار الموظف على إكمال المهام المحددة.
- التهديد باتخاذ إجراء سلبي (أو ما يسمى لفت النظر).
- التوبيخ اللفظي أو الكتابي.
- تخفيض الرواتب.
- تخفيض الرتبة.
- التعليق عن العمل.
سلبيات أسلوب الترغيب والترهيب
قد يحد الشكل الروتيني للمكافأة من قدرة الموظف على التفكير بطريقة إبداعية والحصول على حلول أفضل للمشكلة.
فعندما يكافأ الموظف، قد لا يفكر فيما سيفعله في المرة القادمة، وسيكرر نفس الشيء بنفس الطريقة.
على سبيل المثال، قد تضع الشركة سياسة لمكافأة الموظفين كل عام بناءً على تقييم سنوي منتظم، وعندها قد يعتاد الموظف الاجتهاد في العمل قبل موعد التقييم فقط.

على نحو آخر يمكن أن يكون العقاب مثبطًا للهمم، وقد يسبب ألمًا نفسيًّا للموظف.
فإذا استمر في تلقي تعليقات سلبية من رؤسائه ومشرفيه -بصرف النظر عن مدى صعوبة عمله-؛ قد يفقد حماسه للعمل.
فمثلًا: إذا أحضر لك صديقك وجبة (برجر) لذيذة من أحد المطاعم، وبعد تناولها شعرت بألم في معدتك وأصبت بنزلة
معوية؛ فمن المؤكد أن احتمالية تناولك وجبة (برجر) أخرى من نفس المطعم ستنخفض في الوقت الحالي بصفة مؤقتة (أو دائمة).
إذًا، يجب أن يضع المدير الذكي في حسبانه: أن الهدف من العقاب ليس التعذيب أو الإيذاء، وإنما منع
-أو تقليل- فرص حدوث سلوك سلبي معين.
وعليه ينبغي توخي الحذر عند اختيار طريقة العقاب؛ كي لا تنخفض استجابة الموظفين نتيجة الألم النفسي.
فعلى سبيل المثال: عندما يعطي المدير بعض التوجيهات والاقتراحات للسكرتير لتغيير نص رسالة ما،
فهذا نوع من العقاب؛ لأنه في الواقع يقلل من احتمالية تكرار فعل سابق.
في النهاية، لا بد وأنك قد علمت الآن أن استخدام أساليب الترغيب والترهيب هو فن، وإذا كنت مديرًا أو صاحب
شركة فيجب أن تتعلم كيف تقدم المكافأة والعقاب في الوقت المناسب وبالطريقة الفعالة.
ولا بد أن تكون قادرًا على تحليل المواقف تحليلًا نقديًّا وأن تحدد أيهما أفضل: “الترغيب” أم “الترهيب” ؟!