شخصية المدمن | كاذب مراوغ فاشل، وماذا أيضًا؟!

“لا أعرف كيف أصفُ هذا الشعور بالانفصال عن الواقع والتحليق عاليًا بين السحب!
تنسى كل شيء لدقائق، ولكن بزوال أثر المخدر، تهوي نحو الأرض…
ولا ينقذك سوى جرعة جديدة ترفعك بين السحاب من جديد!”
كانت هذه كلمات أحد المدمنين في إحدى جلسات التأهيل، والتي تتشابه كثيرًا مع كلمات المدمنين الآخرين على اختلاف شخصياتهم وطباعهم.
والمدمن شخصٌ فقد التحكم بنفسه، وصارت المادة المخدرة هي سيدته وبوصلته الأولى والأخيرة…
وتتغير شخصية المدمن على المخدرات بعد الإدمان عن قبله، إذ ربما لا يبقى من شخصيته الحقيقية سوى ظلال!
ما الإدمان؟
الإدمان هو اشتهاء شيء ما والتوق القهري إليه،، واستخدامه بإفراط من أجل الحصول على المتعة حتى مع علمه بوجود عواقب وخيمة.
فالإدمان لا يتعلق بفعل التعاطي نفسه بقدر ما يتعلق بالاحتياج الدائم النفسي والجسدي إلى تكرار التعاطي.
الفرق بين شخصية المدمن والشخصية المدمنة
إذا عُرضت المخدرات على عدة أشخاص في آنٍ واحد، فإن استجابتهم لهذا العرض ستختلف من شخصٍ لآخر…
فبينما يتمسك أحدهم بمبادئه بقوة، يملك آخر استعدادًا قويًا لتعاطي المخدرات والتحول إلى الإدمان.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
وهذا الاستعداد هو ما يُطلق عليه الشخصية المدمنة، أي الشخصية التي تمتلك سمات المدمن ولم تبدأ في الإدمان بعد.
والتعرف إلى أنماط الشخصية المدمنة يساعد الأهل على الانتباه لأبنائهم وتداركهم قبل حدوث ما يُكره.
أما شخصية المدمن، فهي الصفات التي اكتسبها عن طريق الإدمان، وأثرت في شخصيته الحقيقية.
أنماط الشخصية المدمنة

هذه السمات لا تعني بالضرورة أن صاحبها سيصبح مدمنًا، إنما وجودها يدفع للحذر والاحتياط؛
إذ إن أصحابها أكثر عرضة للانخراط في الإدمان عن غيرهم، وتشمل هذه السمات:
1. الشخصية المندفعة
تميل الشخصية المندفعة إلى اتخاذ القرارات السريعة دون التريث والتفكير فيها مليًا.
تقول له: “هيا بنا نسافر إلى الصين!”، فيجيبك: “لم لا؟! هيا بنا”.
وإن عُرضت المخدرات على صاحب الشخصية المندفعة المتهورة، فقد يتعاطى دون اعتبار للعواقب.
2. الشخصية المترددة
على العكس من الشخصية المندفعة تميل الشخصية المترددة إلى التفكير مرارًا وتكرارًا في كل جوانب حياتها، وتخطط لكل خطوة مئات المرات قبل تنفيذها.
هذه الشخصية عُرضة لفقدان السيطرة على قراراتها في لحظات الضعف.
وإن اجتمعت تلك اللحظة مع الظرف غير الملائم، فقد ينتج الإدمان.
3. الشخصية البارانوية
تتميز هذه الشخصية بالتشكيك في أي معلومات تُعرض عليها، وتبدأ في تحليلها بحثًا عن تهديدٍ خفي.
بالنسبة إلى هذه الشخصيات، فكل أمرٍ وراءه سر كبيرٌ خفي لا يعرفه أحد.
الأشخاص أصحاب هذه الشخصيات أكثر عرضة للإدمان.
سمات شخصية المدمن

يؤثر الإدمان في شخصية المرء ونلاحظ صفاتٍ عامة لسمات شخصية المتعاطي يتشارك فيها المدمنون، ومنها:
1. الكذب
الكذب عند المدمنين يتعدى كونه مجرد صفة سيئة مكتسبة.
فالمدمن يكذب في كل وقت، ومن الصعب أن تتيقن إن كان يقول الحقيقة أم لا، فهو يجيد الخداع والتمثيل.
وتتطور صفة الكذب معه مع احتياجه المستمر إلى النقود لإشباع رغباته، ويختلق القصص والأحداث لجذب التعاطف.
ويجيد أساليب الخداع والمراوغة والإفلات من المواجهة.
2. الأنانية
لا يفكر المدمن في تأثير إدمانه في من حوله، وتركيزه منصب نحو تلك المادة التي سلبته حرية الإرادة.
وسلوك الأنانية والتمركز حول الذات من أهم سمات شخصية المدمن على المخدرات.
3. عدم تحمل المسؤولية
لقد فقد المدمن قدرته على تحمل مسؤولية نفسه حين وقع في شرك الإدمان والتعاطي، فضلًا عن تحمل مسؤولية الآخرين.
وإن كان المدمن يعول أسرته، سيعانون معه الأمرين بسبب سلوكه الأناني غير المتحمل للمسؤولية.
4. الإهمال
لا عجب أن يكون الإهمال من سمات شخصية مدمن الحشيش الأساسية…
فاحتياجه الفسيولوجي الدائم إلى التعاطي؛ يجعل المواد المخدرة هي اهتمامه الأول والأخير.
ويظهر الإهمال في كل جوانب حياته، بدءًا من مظهره وانتهاءً بحياته ومستقبله.
5. سرعة الانفعال
شخصية مدمن الحشيش وغيره من أنواع المخدرات تكون سريعة التهيج والانفعال الشديد لأبسط الأمور.
ويزداد ميل الشخص إلى ارتكاب الجرائم وانتهاك القواعد تحت وطأة الإدمان؛ لما يمر به من اضطرابات فسيولوجية.
6. تبلد المشاعر
لا يفقد المدمن إحساسه بمن حوله فحسب، بل يفقد شعوره بذاته ودواخله أيضًا.
يتوق المدمن إلى لمخدرات، ويحصل على حالة انتشاء، ثم ينتهي أثر المخدر لتبدأ حلقة جديدة من التوق والانتشاء.
وبعد فترة من الإدمان يفقد المدمن إدراكه لمشاعره، ويصاب بحالة من الخدر الشعوري تمنعه من الإحساس الطبيعي.
وينسى كيف كان الحب، أو الحنان، أو الحزن… ينسى المشاعر الإنسانية الطبيعية.
الاضطرابات المصاحبة للإدمان

عادةً ما يعاني المدمن اضطرابات نفسية قد تكون سبب اندفاعه نحو التعاطي، أو قد يُصاب بها لاحقًا في أثناء إدمانه.
ومن أشهر الاضطرابات المصاحبة للإدمان:
1. الاكتئاب
الاضطراب الأشهر بين المدمنين، إذ يكاد لا يوجد مدمن لا يعاني الاكتئاب.
ورغم ضعف الاكتئاب كدافع للتعاطي في أول مرة، إلا أن تفاقمه في أثناء الإدمان يعرقل المدمن عن طلب المساعدة.
2. القلق المرضي
يقلق مريض القلق المرضي ويشعر بالتوتر حيال كل صغيرة وكبيرة.
ويحاول أصحاب هذا الاضطراب الهروب من مشاعر القلق المؤلمة بتناول الأدوية.
إلا أنه بعد فترة من تناولها يُصاب الجسم بمناعة ضدها؛ فيحتاج المريض إلى دواءٍ أقوى، ومن ثم يتجه للمخدرات.
3. الرهاب
أثبتت الدراسات أن مرضى الرهاب المرضي (الهلع غير المنطقي) معرضون للتعاطي والإدمان، وكذلك المدمنون عرضة للإصابة بالرهاب.
4. الوسواس القهري
يظهر اضطراب الوسواس القهري عند العديد من المدمنين؛ نتيجة لانغماسهم الشديد في التعاطي.
5. اضطراب ما بعد الصدمة
من أشهر سلوكيات المصابين باضطراب ما بعد الصدمة ميلهم إلى تناول كميات مفرطة من الكحول؛ للهروب من مشاعرهم.
ويعد إدمان الكحول أشهر أنواع الإدمان ارتباطًا بهذا الاضطراب.
ويعاني بعض المدمنين هذا الاضطراب في أثناء الإدمان؛ لما قد يمرون به من صدمات مع ذويهم أو مع مزوديهم بالمخدرات.
أسباب التعاطي
السؤال الأزلي في مسألة التعاطي هو “لماذا؟”، ويأتي غالبًا من الأهل خاصة إن كانوا يبذلون كل ما في وسعهم ليحظى الابن بحياةٍ كريمة.
هذا السؤال ينبعث من عمق مشاعرهم بالألم والحزن والأسى على ابنهم، ولكن الإجابة عنه ليست بهذه السهولة.
فعلى الرغم من اشتراكهم في سمات شخصية المدمن على المخدرات، تختلف الأسباب من شخصٍ لآخر.
وحين يميل شخص ما إلى التعاطي والإدمان، فهو يهربُ من مشكلةٍ أكبر تمنعه من ممارسة حياة طبيعية.
وأفضل من يساعد المدمن على التعرف إلى أسباب التعاطي الحقيقية هو الطبيب المختص في معالجة المدمنين.
اقرأ المزيد عن: العلاج الجماعي للإدمان.
ما هي أعراض المدمن؟
العرض الرئيس للإدمان هو فعل الإدمان والتعاطي نفسه، إذ تتحكم المادة المخدرة بالمدمن وتكون لها اليد العليا.
لكن بعض المدمنين ينجحون في إخفاء هذا العرض، ولكن ليس لمدة طويلة.
إن كنت تعتقد أن ابنك يتعاطى أحد أنواع المخدرات، فإليك أهم أعراض تعاطي المخدرات عند المراهقين:
- احمرار بياض العين.
- فقدان الاهتمام بممارسة الأنشطة.
- تراجع الدرجات المدرسية.
- إهمال الواجبات المدرسية.
- مظهر عام مُهمَل.
- تجنب تواصل العيون المباشر.
- إخفاء الأسرار.
- وجود رائحة الدخان أو آثار مسحوق المخدرات على الملابس.
- سرعة الانفعال والغضب لأبسط الأمور.
الإدمان عرض لمشكلة أكبر، لكن من الصعب تفهم ذلك، خاصة أن الإدمان وحده يعد مشكلة كبيرة تتطلب وقتًا طويلًا للتعافي…
لكن إن لم تُعالج المشكلة الأساسية فإن الانتكاسة واردة جدًا.
إن كنتَ تعاني الإدمان أو أحد المقربين منك، فثِق أن التعافي الحقيقي ممكن…
استثمر وقتك في إعادة بناء الروابط الصحية مع ذاتك، ولا تخشَ المواجهة، بل ثِق أنها طريقك إلى حياة حقيقية ذات معنى.