أثر ضغوط العمل على الأداء الوظيفي

لم يعد الإعلان الذي لا يتعدى بضع ثوانٍ في الفواصل مجرد دعاية للترويج لسلعة أو فكرة؛ بل أصبح عملًا فنيًا يجذب ملايين الناس، وقد يصبح حديث الناس على وسائل التواصل الاجتماعي!
أعمل كمصمم إعلانات على مدار السنوات العشر الماضية، أعشق مهنتي حد الجنون؛ فلا سعادة عندي تضاهي عرض إعلان من تصميمي على الشاشة لأول مرة.
ولكي أثبت نفسي في مجال تنافسي شرس، كنت أعمل على مدار اليوم؛ لا أنام سوى ساعة واحدة يوميًا، ناهيك عن اعتمادي التام على الوجبات السريعة.
تدهورت حالتي الصحية في الآونة الأخيرة، ولم أعد قادرًا على الإبداع، وكأن الجزء المسؤول عن الإبداع في دماغي تعطّل فجأة!
نصحني الطبيب بزيارة أحد الأخصائيين النفسيين، الذي شخصني بالاكتئاب نتيجة ضغوطات العمل.
فما هي علامات معاناة الشخص ضغط العمل، وتأثير ضغوط العمل على الأداء الوظيفي، ومهارات التعامل مع ضغوط العمل؟
هذا ما سنتناوله في ترياق اليوم، فتابع القراءة…
تعريف الضغط الوظيفي؟
ضغوطات العمل ليست دائمًا أمرًا سيئًا؛ يساعدك قليل من الضغط على البقاء منتبهًا وقادرًا على مواجهة التحديات الجديدة في مهنتك.
لكن في عصرنا اليوم، أصبح مكان العمل أشبه بقطار الموت في مدينة الملاهي الترفيهية؛ ساعات عمل طويلة،
ومواعيد نهائية ضيقة، ومتطلبات متزايدة طوال الوقت، يمكنها استنزاف طاقتك، وتسهم في شعورك بالارتباك والقلق.
عندما يتجاوز الضغط الوظيفي قدرتك على التأقلم، يتوقف عن كونه مفيدًا، ويبدأ في إلحاق الضرر بصحتك الجسدية والنفسية.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
تصنيف ضغوطات العمل
يمكن تصنيف ضغوطات العمل إلى فئتين: ضغوطات جسدية، وأخرى نفسية. تشمل الضغوطات الجسدية سوء تخطيط مكان العمل، والضوضاء، والإضاءة السيئة، … إلخ.
وتشمل الضغوطات النفسية -الأكثر تسببًا في الإجهاد- المتطلبات الوظيفية المتزايدة، وسوء هيكلة العمل وتنظيمه، والتنمر، وانعدام الأمن الوظيفي.
اقرأ أيضًا عن: بيئة العمل وأثرها على الأداء الوظيفي.
علامات الإجهاد في العمل

عندما يزيد عبء العمل والضغط الدائم لفترات طويلة، تصبح سهل الاستثارة وسريع الانفعال، وقد تهتز ثقتك بنفسك لدرجة قد تصل إلى الرغبة في ترك وظيفتك.
تشمل العلامات الأخرى للإجهاد المفرط في مكان عملك ما يلي:
- الشعور بالقلق والانفعال.
- الاكتئاب.
- صعوبة في التركيز.
- مشاكل في المعدة.
- الانسحاب الاجتماعي.
- اللامبالاة وفقدان شغفك الوظيفي.
- فقدان الرغبة الجنسية.
- الصداع وألم في العضلات.
- التدخين وتعاطي الكحول والمخدرات.
كما أن ضغوطات العمل يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بداية من السمنة وارتفاع نسبة الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم، إلى الجلطات القلبية والسكتات الدماغية.
هناك أيضًا مجموعة من الأدلة تبين ارتباط ضغوطات العمل بخطر الإصابة بمرض السكري، ونقص المناعة،
والاضطرابات العضلية الهيكلية، بما في ذلك آلام الظهر المزمِنة، واضطرابات الجهاز الهضمي (مثل متلازمة القولون العصبي).
اقرأ أيضًا عن: أخطر 5 مهن على الصحة النفسية.
أثر ضغوط العمل على الأداء الوظيفي

أضف إلى كل تلك القائمة من الآثار الصحية المصاحبة لضغوط العمل أمرًا آخر، قد يغفل عنه بعض المدراء الذين قد يكون همهم في المقام الأول الأداء الوظيفي العالي، ولو على حساب الموظف!
فما هي العلاقة بين ضغوط العمل والأداء الوظيفي؟
- يمكن أن تؤثر ضغوطات العمل على أداء وظيفتك بشكل جيد؛ فتجد صعوبة في التركيز على حل القضايا
والمشاكل المعقدة، وقد تهمل إكمال بعض المهام، أو تنسى أداء جزء أساسي من بعض المهام المطلوبة منك.
- إذا كنت تشعر أن مديرك أو رؤساءك لا يدعمونك، لن يتولد لديك الدافع للقيام بعملك على أفضل وجه،
إذ يمكن أن يؤدي التوتر إلى الشعور بالسلبية، وقلة الحماس واللامبالاة. وعندما تدخل نفق هذه المشاعر المظلم،
قد تفقد شغفك بسهولة.
- هناك جانب آخر لأثر ضغوطات العمل على الأداء الوظيفي، وهو المرتبط بالمواعيد النهائية لتسليم المهام.
فعندما تعاني ضغط العمل وقلة الشغف، قد يكون من الصعب الالتزام بالمواعيد النهائية للمشروعات المختلفة.
- من الوارد جدًا أن يؤثر الضغط على قدرتك المعرفية وتحديد الأولويات، وقد تجد صعوبة في تحديد المشروع الذي يجب أن يحظى بالأولوية عن غيره.
سمعة المؤسسات في الأسواق التجارية وغيرها تأتي على رأس قائمة أولويات أي مؤسسة، أليس كذلك؟! إذًا،
ماذا لو اشتهرت مؤسستك بأنها بيئة عمل مرهِقة؟ هل تظن أن ذلك يصب في مصلحتك كصاحب عمل؟ من المؤكد لا!
- بيئة العمل المرهِقة قد تجعل الموظفين يفكرون في ترك العمل، والبحث عن فرص عمل في أماكن أخرى.
ويؤدي فقدان الموظفين ذوي الخبرة إلى انخفاض الإنتاج، وزيادة التكاليف المرتبطة بتعيين وتوظيف وتدريب عمال
جُدُد، الأمر الذي ربما لا يكون سهلًا إذا سمع الموظفون المحتملون أن بيئة عمل الشركة مرهِقة!
للمزيد، اقرأ عن: كيف تجتاز مقابلة العمل بنجاح؟
مهارات التعامل مع ضغوط العمل
وبعد أن أدركت العلامات المرتبطة بالإجهاد في مكان العمل ومدى خطورتها، وكذلك أثر ضغوطات العمل على الأداء الوظيفي، حان الوقت لتضع حدًا لهذه المشكلة المؤرقة.
تغلَّب على ضغوط العمل عن طريق التواصل
أحيانًا يكون أفضل مخفِّف للضغط العصبي ببساطة هو مشاركة توترك مع شخص قريب منك؛ شريك حياتك،
أو زميلك في العمل، أو صديقك المقرَّب.
فوجود شبكة قوية من الأصدقاء الداعمين -بجانب أفراد الأسرة- أمر مهم للغاية لتخفيف التوتر في جوانب الحياة كافة.
أمَّا العزلة والوحدة، فيجعلان منك فريسة سهلة للقلق والضغط العصبي.
ادعم صحتك بالطعام الصحي والتمارين الرياضية
عندما تركز جلَّ اهتمامك على العمل، فمن السهل إهمال صحتك الجسدية. وإن كنت مهتمًا بإنتاجيتك،
وتريد التخفيف من أثر ضغوطات العمل على الأداء الوظيفي، عليك بدعم صحتك بالتغذية الصحية والتمارين الرياضية.
- قلِّل من تناول الأطعمة التي يمكن أن تؤثر سلبًا على مزاجك، مثل: الكافيين، والدهون المتحولة، والأطعمة التي
تحتوي على مستويات عالية من المواد الحافظة.
- قد تشتهي الوجبات السكرية أو المكرونة أو البطاطس المقلية، لكن هذه الخيارات -التي تشعرك بالرضا-
سرعان ما تؤدي إلى تدهور طاقتك وحالتك المزاجية، مما يجعل أعراض التوتر أسوء.
- ممارسة التمارين الرياضية -التي ترفع معدل ضربات القلب وتجعلك تتعرق- وسيلة فعَّالة للغاية لرفع مزاجك وزيادة طاقتك، وتساعدك على التركيز والاسترخاء.
- تجنَّب النيكوتين؛ فقد يبدو التدخين مهدئًا عند شعور المرء بالتوتر (كما صدَّرت لنا المشاهد السينمائية)، ولكنها للأسف مغالطة تمامًا للواقع.
فالإفراط في تناول النيكوتين يؤدي إلى مستويات أعلى من القلق، لأنه سرعان ما يزول من الجسم، مما يؤثر سلبًا على مزاجك.
احصل على قسط كافٍ من النوم

قد تشعر بسبب ضغط العمل وكأنك لا تملك الوقت الكافي لتنام ليلًا، ولكن عدم حصولك على قدر كافٍ من النوم
يتعارض مع إنتاجيتك خلال النهار، وقدرتك على الإبداع والتركيز، وكذلك مهارات حل المشكلات.
أغلق الشاشات قبل النوم بساعة، ولا تفحص بريدك الإلكتروني، ولا تتناول الكافيين أو أي منهبات ليلًا،
واخفض إضاءة غرفتك؛ سيساعدك ذلك على نوم هادئ.
اقرأ أيضًا: إدمان العمل | عندما تخرج الأمور عن السيطرة!
في الأخير، وبعد أن أدركت خطر الإجهاد وأثر ضغوطات العمل على الأداء الوظيفي، أقول لك في النهاية أنه لا بُدَّّ من وضع حد لهذا الاستنزاف الروحي والجسدي.
ضع جدولًا متوازنًا بين العمل، والحياة الأُسَرية، والأنشطة الاجتماعية، والمسؤوليات اليومية، واخرج من بيتك قبل موعد العمل بوقت كافٍ.
وحاول أيضًا الابتعاد عن مكتبك في أثناء تناول وجبتك؛ يساعدك ذلك على الاسترخاء وإعادة شحن طاقتك.
وتذكَّر أنه بغض النظر عن مدى ارتباطك بعملك، فإن وظيفتك ليست حياتك كلها، سيساعدك وضعها في مكانها الصحيح على الشعور بمزيد من الرضا على المدى الطويل.