ترياق الحدث

طفل البدون | هل يفكر الأطفال أيضًا في الانتحار؟

“أنا لا أملك المال”!

كانت جملة الأب هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وأودت بحياة طفله!

كارثة إنسانية بكل المقاييس، وحادثة مأساوية استيقظت عليها دولة الكويت فجر الثلاثاء، وسرعان ما تم تداولها على المواقع الإخبارية.

فاجعة أشعلت صفحات التواصل الاجتماعي، وأثارت غضب مستخدميها وتعاطفهم الشديد، عندما تشارك الآلاف أخبارًا تفيد بأن طفلًا -يبلغ من العمر 11 عامًا- لقي مصرعه في منزله.

والسبب… 12 دينارًا! صدِّق أو لا تُصدِّق!

“يعتصر قلبي من الألم في كل مرة كان يطلب مني هو وإخوانه شراء الألعاب، أو الملابس، أو أجهزة الهواتف الذكية، ليكون مثل أقرانه”، بهذه الكلمات عبَّر والد الطفل -المعروف إعلاميًا باسم “طفل البدون”- عن السبب الرئيسي حول وفاة ولده.

العوز والاحتياج

أسوأ ليلة قد تمُرُّ على تلك الأسرة!

طلب الطفل الصغير من والده قبل وفاته بيوم مبلغ 12 دينارًا ليتسلم لعبته “البلاي ستيشن” من ورشة التصليح، إذ إنها ظلت محتجَزة لعدة أسابيع، ولم يستطع الطفل استرجاعها لعدم قدرة الأب على دفع ثمن التصليح.

ليعود أبوه ويصارحه بالحقيقة المُرَّة، والرد الثابت الذي لا يتغير مهما كانت مطالب الصغير… “أنا لا أملك المال”.

هذه الحقيقة التي طالما نغَّصت على الصغير حياته، وطاردت أفكاره بأنه لن يصبح يومًا غارقًا في عالم الهدايا والألعاب مثل أصدقائه. 

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

وما كان من الطفل إلا أن قابل كلمات والده بكل هدوء ولطف قائلًا: “يا أبي، أنا أعرف أنك تتعب في عملك، وأنك تواجه ما يفوق قدرتك لأجلي أنا وإخوتي، وأن العوز والاحتياج هما مَن كسرا ظهرك، لكني سأساعدك لكي لا تحتاج إلى مخلوق أبدًا”.

تفهَّم الطفل البريء وضع والده، وطبع قبلة على رأسه ذاهبًا إلى غرفته ليخلد إلى النوم.

لحظة الفراق 

الساعة 2:30 صباحًا…

ساعة قد يسودها الهدوء في كثير من المنازل، لكن في هذا المنزل المشؤوم، كانت للموت كلمة أخرى!

صراخ وصياح من أحد الأبناء يدوي في جميع أركان المنزل، لتُسمَع منه جملة واحدة هي الأصعب على الإطلاق… “لقد مات أخي!”.

ذهب الأب مسرعًا إلى غرفة ابنه، ليجد مشهدًا أسودًا لم يكن ليتخيله أو يخطر على باله في يوم من الأيام!

فاجأ الطفل والديه وإخوته بانتحاره شنقًا في غرفة نومه، مشهد تقشعر له الأبدان عندما وجد الأب جسد الطفل معلقًا في أحد أسلاك جهاز التكييف، الموقف الذي لم يتحمله الأب فسقط مغشيًا عليه!

وعلى الرغم من محاولات إنقاذه ونقله إلى المشفى، كانت روح الطفل قد ارتقت إلى بارئها مفارقًا الحياة.

تُرى، كيف كان يشعر الطفل في ظل الظروف الصعبة التي يمُرُّ بها والده من فقر وضيق للحال؟!

فيم كان يفكر قبل أن يُنهِي حياته؟ ومنذ متى طَرق الانتحار باب الطفل ليتعرف إليه؟!

هل يفكر الأطفال في الانتحار؟

قد تكون الإجابة مخيفة للبعض، لكن تبقى مواجهة الحقيقة والوقوف على أسبابها هما الأهم…

نعم؛ يفكر الأطفال في الانتحار، إذ إن الدراسات تشير إلى أن الانتحار هو ثاني الأسباب الرئيسية للوفاة لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عامًا.

وتزداد معدلات الانتحار مع تقدم العمر، وتبلغ ذروتها في أواخر المراهقة.

أسباب الانتحار عند الأطفال

يفوز الاكتئاب بنصيب الأسد في الأسباب الأكثر ارتباطًا بالأفكار الانتحارية لدى الأطفال.

فبينما يعتقد كثير من الأشخاص أن الاكتئاب حالة تسيطر على البالغين، فإن نتيجة الأبحاث جاءت مُفجِعة للبعض؛ فما يقرب من 3٪ من الأطفال يعانون الاكتئاب أيضًا، كما أن الأفكار الانتحارية -أو أفكار قتل النفس- يمكن أن تصاحب الاكتئاب حتى عند الأطفال. 

كيف تتحقق إذا كانت لدى طفلك أفكار انتحارية؟

قد تكون الأفكار الانتحارية غير واضحة تمامًا لوالدي الطفل؛ يرجع ذلك إلى أن الأطفال الذين تراودهم الأفكار الانتحارية لا يتحدثون عنها بشكل مباشر كما يفعل الكبار.

لكن لحسن الحظ، قد تلاحظ بعض الأعراض التي تنذر بوجود ميول انتحارية تطارد طفلك، وهي كالآتي:

  • يظهر عليه سلوك عدواني.
  • يعاني القلق.
  • تُلاحَظ عليه تغيرات في الشخصية (من شخص متفائل ومبتهج إلى هادئ).
  • يمتنع عن ممارسة أي نشاطات أو هوايات.
  • يرفض وجود الأصدقاء.
  • يتفوه بعبارات تشير إلى اليأس من المستقبل.
  • يسيطر عليه شعور بالخزي وكراهية الذات.
  • يتحدث عن الموت.
  • يلجأ إلى تعاطي المخدرات، ويميل إلى بعض السلوكيات المتهورة.
  • تُلاحَظ عليه تغيرات في النوم وفقدان للشهية.
  • يميل إلى العزلة.

ماذا أفعل إذا كانت لدى طفلي أفكار انتحارية؟

نستعرض في هذه الفقرة بعض الطُرق والأساليب التي يمكن اتباعها، في حال اعتقدتَ أن طفلك تسيطر عليه أفكار انتحارية، منها:

  • كُن مستعدًا وحذرًا

اِحرص على متابعة طفلك وسلوكياته، ولاحِظ أي تغيرات قد تطرأ عليه وعلى تصرفاته؛ فبالرغم من أن الانتحار نادر الحدوث في الأطفال، فإننا لا يمكننا استبعاده أو تجاهله.

  • تحدَّث مع طفلك

ناقِش طفلك وتحاور معه بشأن الانتحار، خاصةً إذا شهد وفاة صديق له -أو أحد أفراد أسرته- منتحرًا، تحدَّث معه عن الواقعة وحاوِل أن تفهم مشاعره.

  • أمِّن منزلك بالكامل

احتفظ بالأسلحة الخطرة والأدوية والمواد الكيميائية في مكان آمن، بعيدًا عن متناول طفلك. قد تجبرك فطرتك السليمة على فعل ذلك، لكن في حالة وجود أفكار انتحارية، لا بُدَّ من الحرص الشديد.

  • استعِن بطبيب نفسي

لا تتردد في الحصول على استشارة طبية من المتخصصين؛ فقد يعاني طفلك الاكتئاب، ويحتاج إلى الخضوع لخطَّة علاجية حتى لا تتطور حالته إلى الأسوأ.

ختامًا…

ليس كل الأطفال المصابين بالاكتئاب لديهم أفكار انتحارية، أو يُظهِرون سلوكًا انتحاريًا؛ ففي الواقع، هذه الأفكار والسلوك أحد أقل أعراض اكتئاب الطفولة شيوعًا.

ولكن، أن تكون آمِنًا خير من أن تكون آسِفًا، اقترِب من طفلك واستمِع إلى مشكلاته، اِحرص على أن تناقشه أفكاره وتضع مشاعره في عين الاعتبار.
كتبته د.منى كرم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى