ظاهرة الخرس الزوجي

تزداد نسب حالات الطلاق بصورة مطردة، ويفند الباحثون الأسباب التي تقف وراء هدم بيوت الزوجية.

كشف الباحثون عددا من الأسباب مثل ضيق الحالة المادية، وعدم التكافؤ، والإهانة المتبادلة، وعدم وجود اهتمامات مشتركة، وغيرها من الأسباب.

نخصص مقالنا هذا لمناقشة ظاهرة الخرس الزوجي كأحد دوافع الطلاق أو النفور. كما نبحث معكم عن حل مشكلة الخرس الزوجي المنتشرة في البيوت.   

ما هي ظاهرة الخرس الزوجي؟

أن يلجأ أحد شريكي الحياة إلى الصمت أو الرد باقتضاب على شريكه مهما حاول أن يفتح معه قنوات للحوار.
يلي ذلك أن يصمت الطرف المتكلم أيضا، ويقرر كل منهما قرارته منفردا.

أضرار ظاهرة الخرس الزوجي

الانفصال:

يؤدي الصمت التام بين الزوجين إلى فتور العلاقة بينهما، ليتحول المنزل إلى مكان لقضاء الوقت ومتطلبات الحياة من مطعم وملبس..

تحترق خلايا مخ الطرف الآخر مفكرة في حلول لكسر حاجز الصمت، أو باحثة عن أسباب خفية لهذا الخرس، مما يعود على الشخص غير الصامت بنتائج سلبية؛ نفسية وجسدية.

يتساءل عما جناه ليعاقب بالصمت، أو ماذا يفعل ليذيب الجليد بينهما، أو ما أهمية الحياة بلا ونيس، ويشعر بأن عليه أن يبتعد ليرتاح من هذا الضغط النفسي ولن تختلف الحياة وحيدا عن الحياة مع شخص هلامي لا وجود حقيقي له.

هنا تكون النهاية الطبيعية هي الانفصال. فالزوجان لا يجدان ما يجمعهما ليتناقشا حوله، لا شيء مبهج أو مقبض ليتشاركا فيه المشاعر، وكم من الحالات التي كانت فيها ظاهرة الخرس الزوجي سببا لانهيار العلاقة!!

الخيانة:

الإنسان كائن اجتماعي بالأساس، فإذا وجد أن من ارتضاه مؤنسا وشريكا أصبح غريبا ويتجاهله تماما، لا شك أنه سيبحث عن الأنس بعيدا عنه.

لا يحدث الأمر بسرعة لتحدث الخيانة الجسدية مباشرة، كلا.

يبدأ الأمر بالبحث عن تبادل الآراء والاحتواء والمدح وتبادل المشاعر الجميلة عند الآخرين.

ثم يتحول بسائر كيانه (عقلا وقلبا) لمن يعطيه ما يفتقده في شريك حياته.

يقف الأمر أحيانا عند تحول الانتماء العاطفي لشخص آخر (ما يعتبره البعض خيانة شفوية)، لكن يسقط البعض الآخر من ضعاف النفوس في الخيانة الجسدية. هنا ندرك الأثر القميء لظاهرة الخرس الزوجي.

الألم النفسي:

يصيب الألم، بل المرض النفسي أحيانا الأطفال في الأسرة التي تعاني من ظاهرة الخرس الزوجي بين الأبوين. 

انعدام الحوار قد يمتد ليشمل الأطفال بالإضافة إلى شريك الحياة، فتواجه جميع مقترحات وأفكار ورغبات الطفل بالصمت وهو أمر غير صحي لنمو الطفل العاطفي والعقلي.    

الخرس الزوجي أسبابه وعلاجه

كيف تتحول الحياة بين الزوجين من مشاعر فياضة، ونظرات ملأها الود، وتصرفات تقطر حبا إلى الصمت والبرود وجفاف المشاعر؟

لماذا يقعان ضحية لظاهرة الخرس الزوجي؟ لماذا يحدث هذا التحول التدريجي من الدفء إلى البرود؟

أسباب ظاهرة الخرس الزوجي

هناك تبريرات وأسباب للصمت بين الزوجين، منها ما هو حقيقي وما هو زائف ويمكن التغلب عليه:

• طبيعة شخصية: أن يكون الصمت هو أحد الصفات الشخصية للزوج أو الزوجة؛ فبعدما تنتهي عاصفة المشاعر في بداية الزواج، تعود شخصية أحد الطرفين لطبيعتها الصامتة من جديد.
  
• اختلاف الآراء: يصمت الزوج أحيانا عند نشوب أي خلاف، أو عند اختلاف رأيه عن رأي الزوجة حول أمر ما. 
  تراه صامتا تماما عقابا منه للزوجة على خلافها معه، أو تجنبا للمناقشة، ظنا منه أن البيت سيظل هادئا بصمته هذا. 

• الانشغال بالعمل: هو أمر طبيعي، لكن يمكن حله بتنظيم الوقت وإعطاء مساحة صغيرة للتواصل مع الطرف الآخر.
  
• إخفاء الأسرار: عندما يخفي أحدهما سرا أو أمرا يشعره بالذنب وتأنيب الضمير.
• النقد المستمر: يلجأ الشخص للصمت تجنبا للنقد الذي يتوقعه من الطرف الآخر.

رؤية أخرى لظاهرة الخرس الزوجي 

يلجأ أحد الطرفين للصمت أحيانا لحل المشاكل، لكنه حل غير صحي كما ترى في الحالات الآتية:

الصمت أمان:

يكون الصمت هو الحل الأكثر أمانا للزوج أو الزوجة تجنبا للتعرض للتعدي اللفظي أو الجسدي من الطرف الآخر.

الانتقام الصامت:

يكون فيه الخرس عنفا وتنفيذا لرأي الطرف الصامت، لكن بصورة سلبية.
يظهر الزوج مثلا موافقته على التنزه، من ثم يصمت ويقطب جبينه طوال النزهة؛ ليعكر صفو الزوجة ويعاقبها على طلبها الذي كان لا يقبله هو في الأساس.

الصمت سلام:

عند ضعف أحد الطرفين عن مواجهة الآخر بشيء يرفضه فيه، يصبح الصمت وسيلة لتمضية الأيام بدون إثارة متاعب.

الصمت قوة:

يعاقب الطرف الصموت الطرف الآخر بالخرس منتظرا تنازل الآخر واضطراره للبدء واستمالته للكلام. هذا النوع من الصمت هو اعتداء عاطفي على الطرف الآخر، ويستخدم أحيانا كوسيلة للعقاب.

التجنب الصامت:

عندما يخشى أحد الطرفين جرح مشاعر الطرف الآخر باعتراضه على أمر ما يطلبه. أو يتجنب إثارة المشاكل أثناء المناقشة. يلجأ في هذه الحالة إلى تجنب الأمر برمته ولا يتناقش أو يبدي تفاعلا مع حديث الطرف الآخر، بل يبقى صامتا. 

الصمت انشغالا:

يعزى انتشار ظاهرة الخرس الزوجي حديثا إلى التكنولوجيا، ومن سخرية القدر أن تجد الزوجان يتراسلان تليفونيا في نفس المنزل، فيبتعد الطرفان عن بعضهما البعض لانشغالهما بالتواصل مع الآخرين.

حل مشكلة الخرس الزوجي

يحتاج علاج هذه المشكلة إلى تعاون بين الزوجين، فعندما يكون الزوجان حريصين على حفظ المودة بينهما ولم شمل بيت الزوجية، يتعاونان معا على معالجة الخرس الزوجي الذي أضعف أواصر المودة بينهما.  

يعتمد العلاج على محورين:

الزوجين..

يجب أن يعترفا بأنهما بين براثن ظاهرة الخرس الزوجي ليبدآ الحل سويا.

أولا: يجب أن يدرك الزوج أن صمته تجنبا للنقاش لن يحل الأمر. إن هذا الهدوء كاذب والنار مشتعلة تحت الرماد.

ينبغي على الزوجين مواجهة كل موقف يختلفان فيه بهدوء، ويناقشانه من كافة الأوجه ليصلا إلى أرضية مشتركة يقفان عليها بثبات ليحلا المشكلة معا. 

ثانيا: إذا كان العمل هو ما يشغل ذهن أحدهما، فيجب تنظيم الوقت، والرد على رسائل الطرف الآخر ردا مختصرا، ثم التعويض في المنزل بالاهتمام والحديث. 

ثالثا: تحديد موعد نزهة في أحضان الطبيعة لكسر الروتين، فقد يسترسل بينهما حوار حول أي شيء حولهما.

رابعا: البحث عن اهتمام مشترك وتنفيذه معا مثل: المناقشات السياسية أو الرياضية، أو ممارسة هواية… إلخ.

مراكز الاستشارات الأسرية

تساعد مراكز الاستشارات الزوجية الزوجين على تحديد المشاكل التي تقوض أركان البيت، من ثم يعرف الزوجان ما هو سبب الصمت وكيف ينهونه. 

يفيد الطبيب النفسي أيضا في حل ظاهرة الخرس الزوجي، بالأخص في العالم العربي. 

متى يكون الخرس الزوجي مفيدا؟

لا يبدو الوجه الآخر لظاهرة الخرس الزوجي سيئا (مثلما ناقشنا في جزء الخرس الزوجي أسبابه وعلاجه)، لكن الاعتدال هو مفتاح العلاقة الناجحة، فلا يكون الصمت دائما وكئيبا.

فوائد الصمت:

التفكير

يكون في الصمت فرصة لمناقشة وتحليل أمر مهم مع النفس ودراسته من كافة الأوجه.

الراحة

هناك من يجدون راحة نفسية في الصمت لبعض الوقت خلال اليوم، ثم يتحدثون بحرية في أوقات أخرى.

التأمل

يحتاج البعض إلى فترات الصمت من أجل الاسترخاء النفسي والتأمل.

التفهم

الزواج هو التقاء لشخصين من بيئتين مختلفتين، فيكون ما هو مقبولا لأحدهما جارحا للآخر؛ لذا يلجأ أحدهما للصمت أحيانا ليفكر فيما سينطقه من تعبيرات. 

ليس هذا مبررا كافيا لانتشار ظاهرة الخرس الزوجي، بل ينبغي التوازن وإدارة الأمور بعقلانية.

الملخص

تعاني الكثير من الأسر من ظاهرة الخرس الزوجي التي تقوض أركان البيوت وتهدمها.
يلجأ أحد الطرفين للصمت، فيقتل مشاعر الآخر وتبرد العاطفة، من ثم يصبح الانفصال وشيكا ويتشتت الأطفال.