عقدة أوديب | لن تُشاركَني أُمّي مهما فَعلتَ!

في عملٍ تراجيدي هائل، تدور أحداثُ مسرحية تاريخية تُعَدُّ من أعظم الأعمال المسرحية الإغريقية على الإطلاق،
حولَ قصة طفلٍ يُحقق نبوءةً بأنه سيقتُلُ أباه ويتزوج من أمه دون علمه بحقيقة قرابتهما له،
ويحل بفعلته هذه الوباء على المدينة، لتُنهِي أمه حياتها حيال علمهم الحقيقة، ويفقأ هو عينيه تأثرًا
وانتقامًا من نفسه وعقابًا لها!
في صفوف المشاهدين، يجلس عالم النفس الشهير “سيجموند فرويد” في نهاية القرن التاسع عشر،
وقد التمعت في عقله فكرة أن هذه الصورة التراجيدية تشبه رغبة الطفل الصغير في القرب من والدته،
وقد شبهها بأنها تحدث في اللاوعي لدى الطفل؛ أي تحدث دون علمٍ أو قصدٍ منه.
من هنا جاء مصطلح “عقدة أوديب”؛ إذ يُعبِّر عن واحدة من نظريات علم النفس الشهيرة، التي تفسر التطور الجنسي لدى الأطفال من وجهة نظر فرويد.
فما هي عقدة أوديب؟ وكيف تكون علاماتها على الطفل؟ وما هو تأثيرها إذا لم تُحَلّ في الطفولة؟
هذا ما نتناوله تفصيلًا عن قصة عقدة أوديب في السطور القادمة.
ما هي عقدة أوديب؟
يرى فرويد في نظرياته المثيرة للجدل في أوساط علم النفس، أن الإنسان كائن جنسي يولد برغبات جنسية؛
تظهر في احتياجه إلى المداعبة والأحضان والقبلات منذ ولادته، لينمو بشكل سليم.
تنمو هذه الرغبات وتتطور مع الوقت، وتؤثر في نشأته واتجاهاته في الحياة فيما بعد؛ تبعًا لطريقة تعامله معها في سن صغيرة.
وفي نظرية التحليل النفسي لفرويد، يتطور الإنسان تبعًا لصراعٍ بين عقله الواعي واللاواعي، وبين الأنا والأنا العليا؛
التي يُعبر بها فرويد عن ضمير الإنسان وتكوّن منظومته الأخلاقية.
أما عن عقدة أوديب، فتنشأ في المرحلة القضيبية للطفل، وهي تقع بين سن الثالثة والخامسة من عمر الطفل؛
إذ يقسم فرويد التطور الجنسي في الطفولة إلى خمس مراحل متتابعة وهي: الفمية، والشرجية، والقضيبية،
ومرحلة السكون -أو الكُمون-، والمرحلة التناسلية.
وفي المرحلة القضيبية؛ يتكون لدى الطفل ميل جنسي لوالده من الجنس الآخر؛ أي يتعلق الولد بأمه ويغار عليها من أبيه، وتتعلق الفتاة بوالدها وتغار من أمها على أبيها.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
تفسير عقدة أوديب
مع نمو الأطفال؛ تبدأ في هذه السن الصغيرة تساؤلاتهم الجنسية؛ كسؤال الطفل عن كيف أتى إلى هذا العالم،
وانتباهه لأعضائه التناسلية، والفرق بينها في الولد والبنت.
ويرى فرويد أن الطفل يبدأ بتكوين خيالات جنسية تجاه والدته، وتتكون معها مشاعر الغَيْرَة والحقد على والده وعلاقته بوالدته، فيرغب في التخلص منه والإحلال محله.
ثم ينشأ لديه خوف من قوة والده وسلطته، وأنه قد يعاقبه على مشاعره تجاه والدته بإزالة قضيبه؛ فيما يسمى
“قلق الخصاء”، فيتعلم كَبتَ هذه الرغبات.
وتبدأ “الأنا العليا” لديه في النمو مع الوقت، مع تأثره بالأعراف الدينية والقيم الأخلاقية ممن حوله،
فيُكَوِّن منظومته الأخلاقية ويترك هذا الميل، وتتحول علاقته بوالده ليرى فيه القدوة والمثل الأعلى في قوة البنيان والقدرة على القيام بأشياء كثيرة.
ولا تُعبر عقدة أوديب عن اضطراب نفسي أو جنسي، فهي مرحلة نفسية غير واعية في النمو الجنسي للطفل،
يتخطاها بشكل طبيعي في الأغلب، لكنها قد تؤثر في حياته الجنسية وميله للطرف الآخر فيما بعد إذا لم يستطع تخطيها.
عقدة أوديب وإليكترا

هناك مصطلح آخر يسمى “عقدة إلكترا”، وهو مماثل لعقدة أوديب التي تعبر عن وجود هذا الميل في الأطفال الذكور والإناث، لكن عقدة الكترا تعبر عن الميل الجنسي للطفلة تجاه والدها، وحنقها ورفضها لأمها وعلاقتها به.
تنشأ فكرة عقدة إلكترا عن أسطورة إغريقية قديمة أيضًا، تخطط فيها فتاة تدعى إلكترا إلى الانتقام لمقتل أبيها بقتل أمها وعشيقها، وذلك لحبها الشديد لوالدها وتعلقها به. نعم -عزيزي القارئ-، فالأساطير الإغريقية تُعد نبعًا خصبًا للمآسي الأسرية والعلاقات غير السوية والتراجيديا الهائلة، فلا تتعجب!
لكن تحليل فرويد لعقدة إلكترا كان مأخذًا كبيرًا عليه، إذ تعرض للكثير من النقد الذي عجز عن الرد عليه، كاعتقاده أن الفتاة في المرحلة القضيبية تُكِنُّ مشاعر الغضب تجاه والدتها بسبب ولادتها لها دون قضيب وأنها بذلك أصبحت ناقصة، ثم تعود لحب والدتها وتعلقها بها مجددًا بعد المرحلة القضيبية.
لكنه لم يستطع تفسير كيفية تكوّن الأنا العُليا لدى الفتاة؛ فهي لن تمر بمرحلة الخوف من عقاب والدها بإزالة القضيب -قلق الخصاء- كخوف الطفل الذكر، فعدها تحمل قيمًا أخلاقية دُنيا أو أقل أهمية من الذكر!
فكان نقد هذه النظرية مستندًا إلى أن تفسير فرويد غير منطقي، ويُعبر عن تحيزه لجنسه ورؤيته للجنس الآخر أنه أدنى منه؛ مما جعله يتراجع عن تفسيره هذا ويقر بعدم فهمه له بشكلٍ كافٍ.
أعراض عقدة إليكترا
تشير عقدة إليكترا إلى عقدة تعلق البنت بأبيها والتي تتمثل في بعض الأعراض تظهر على الابنة، منها:
- الميل الشديد والتعلق بالأب عن الأم، وحبه الشديد.
- الشعور بالغيرة تجاه الأم.
- لوم الطفلة الأم لولادتها بدون قضيب.
علامات عقدة أوديب

على الرغم من أن تعلق الطفل بوالديه وحبه لهما أمر طبيعي، إلا أن عقدة أوديب تظهر علاماتها واضحة دون شك،
فمن أعراضها:
- رفض الطفل قرب أبيه من أمه والتلامس الجسدي بينهما.
- الانتقال إلى النوم بين والديه في أثناء الليل واحتضان أمه وإبعاد أبيه عنها.
- تصريح الطفلة برغبتها في الزواج من أبيها عندما تكبر.
- رغبة الطفل في استمرار غياب أبيه خارج المنزل وبُعده عن أمه أطول وقت ممكن.
- إعلان الطفل رغبته في تملك والدته واستحواذه على اهتمامها دون أبيه.
متى تنتهي عقدة أوديب؟
تبعًا لنظرية فرويد، يتخطى الطفل هذه المرحلة في السادسة من عمره أو بعد انتهاء المرحلة القضيبية،
إذ يدرك عدم قدرته على المنافسة والتغلب على والده من الجنس الآخر والإحلال محله.
ويركز عقله الواعي على الاهتمام بطبيعة علاقته بأمه وأبيه؛ فيفهم الولد دور أبيه ويصير قدوة له،
وترتبط البنت بأمها وتتوطد علاقتها بها، وتحاول أن تحاكيها في أمومتها فتقلد اهتمامها بالآخرين إما باللعب التخيلي أو في علاقتها بإخوتها الأصغر سنًّا.
ماذا يحدث في حال عدم تخطي عقدة أوديب؟
يرى فرويد أن استمرار تعلق الطفل بوالدته يظهر تأثيره في المنافسة والحب؛ إذ يمتلك رغبة مستمرة في منافسة الأفراد من نفس جنسه -أي الذكور-، أما بالنسبة للحب فيمر بما يسمى “التثبيت”، أي يظل يبحث عن فتاة تشبه أمه تمامًا ليتزوجها.
وتمر الطفلة بنفس ظاهرة التثبيت فتبحث عن رجل يشبه أباها في كل صفاته تقريبًا لتقنع بالارتباط به.
ملامح استمرار عقدة أوديب عند الرجال

هناك بعض الملامح الدالة على استمرار عقدة أوديب عند الرجال، يمكنك معرفة إذا كنت تعاني عقدة أوديب حتى الآن إذا كانت تلازمك الأعراض الآتية:
- إذا كنت ترفض التقارب والحميمية بين أبويك، وتشعر بالغيرة من والدك.
- ترغب في النوم بجانب والدتك، ولا يعني هذا بالضرورة تفكيرك في ممارسة الجنس، ولكن مجرد فكرة النوم إلى جوارها خاصة في غياب أبيك.
- تجعل والدتك أولوية في حياتك؛ إذ تفكر فيها طوال الوقت، وتتحدث معها يوميًا، وتصبح أكثر أهمية لك من زوجتك وأطفالك، وليس المقصد هنا هو برك بأمك، فالبر بها أمر جيد، المقصد هو انحراف مشاعرك عن الطبيعي تجاه هذا الأمر وألا تفعله بدافع البر.
- تُعجبك طريقتها في كل شيء؛ تحب مشيتها وطريقة ملبسها وكلامها وحركتها وكل أمر تفعله يأسرك.
- إذا كانت صورة والدتك هي أول ما يتدافع إلى ذهنك في كل مرة تثار فيها جنسيًّا، فتَكبِت رغبتك الجنسية سريعًا لتتخلص من الفكرة، وربما يصيبك هذا الأمر بالضعف الجنسي.
- تميل إلى النساء الأكبر سنًّا خاصة من كُنَّ في عمر والدتك ويتمتعنَ بنفس صفاتها، وترغب في الارتباط عاطفيًّا بهن.
لذا؛ إن كنت مصابًا بعقدة أوديب بعد البلوغ، فحتمًا ستؤثر في رغبتك الجنسية وعلاقاتك العاطفية،
وستصبح غاضبًا وغير مستقرٍ طوال الوقت، وربما يلازمك الشعور بالذنب إذا كنتَ مدركًا لما تمر به.
وختامًا عزيزي القارئ، سواء كنتَ مقتنعًا بنظرية فرويد أو مناهضًا لها، فإذا لاحظتَ أي تغير أو أمر غير طبيعي على طفلك، يمكنك استشارة طبيب نفسي للأطفال لتطمئن على صغيرك.
ولا تنسَ أن التربية الجنسية لأطفالك لم تَعُد رفاهية، فتعَلَّم كيف تجيب عن تساؤلات صغارك، وكيف تهتم بعلاقتك بشريك حياتك لتُقدما لهم نموذجًا سويًّا يعينهم على نمو نفسي وجنسي مستقر.