ترياق الأمراض النفسية

عقدة إليكترا | لا أريد سوى أبي!

عزيزي القارئ، 

أعِدَّ قهوتك وتأمل معي…

هل شاهدتَ يومًا طفلةً لا تحبُ أمَها؟! هل تخيلتَ ذات مرةٍ أن تلتقي بصغيرةٍ تغارُ من أمِها وتحقدُ عليها وقد تتمنى لها الموت؟!

هل تنقلبُ الموازين في يومٍ ليتحول منبعُ الأمان والحب إلى موطنٍ للشك والاتهام؟! للأسف، نعم!

ففي عقدة إليكترا، ترى ما لم يخطر على قلبك وما لا تصدقه الأذن؛ حيث تُكِّنُ الابنةُ -منذ نعومة أظافرها- لأمها مشاعرَ الحنقة والبغض!

قد يبدو لك الأمر غريبا، بَيدَ أن السبب أشدُ غرابةٍ! وهو تعلُّق الفتاة الشديد بأبيها، وخوفها عليه، لدرجةٍ دفعتها إلى الغيرة من أمها، وساقتها إلى الكره!

لم ينتهِ المشهد بعد، إذ تنقصنا بعض التفاصيل الهامة في الحقيقة؛ حيث يكون ارتباط الفتاة بأبيها في هذا الاضطراب متعلقا بدوافع جنسية لديها!

والآن يا صديقي، لننفض عنَّا غبار التاريخ، ونذهب معًا في رحلةٍ عبر الزمن، نتعرف سويًا على نشأة عقدة إليكترا،
ولماذا سُمِّيَت بذلك، وعلاقتها بالاضطرابات النفسية.

أصل الحكاية

“عقدة إليكترا” هو مصطلح أنشأه عالِم الطب النفسي الشهير “سيجموند فرويد“، والذي يشير إلى التعلق اللا واعي للفتاة بأبيها، ونشأة مشاعر الغيرة تجاه الأم، واعتقادها بأن أمها تريد الاستحواذ على الأب لنفسها.

ويرجع سبب التسمية إلى الأسطورة الإغريقية القديمة… “أسطورة إليكترا”.

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

حيث تدور الأحداث حول فتاة تُدعَى “إليكترا”، كانت شديدة الارتباط والتعلق بوالدها الملك “أجاميمنون”، وذلكَ قَبلَ أنْ تقتلَه أمُّها -بمساعدةِ عشيقِها- وتستوليَ على العرش.

فما كان من إليكترا، والتي باتت الآن تُعامَل بمنتهى القسوة من أمها وزوج أمها، إلا أن اشتد بغضُها لوالدتها، وظلت طيلة عشرة أعوام تفكر وتدبر وتسلي نفسها بأمل الانتقام والثأر لأبيها الحبيب.

صبرت إليكترا أعوامًا عدّة، وانتظرت حتى عاد أخوها الأصغر “أوريستس” من منفاه -وكانت قد نفته أمه صغيرًا إثر قَتْل زوجها ليخلو لها المُلك- بعد أن قوي جسده واشتد عوده، واستعد للانتقام مع أخته.

وما لبثا أن قتلا أمهما وزوجها، وبقى لهما النصر والعرش!

عقدة إليكترا

عقدة أوديب وإلكترا

ويناظر عقدة إليكترا في الطب النفسي “عقدة أوديب”؛ وهي عقدة نفسية يرتبط فيها الابن الذكر بأمه بدوافع جنسية أيضًا، حتى أنه قد يتمنى الزواج منها! 

وسُميت بذلك تيمنًا بإحدى الأساطير الإغريقية القديمة كذلك، والتي انتهت بزواج الابن من أُمِّه الملكة بعد أن قَتَل أباه الملك!

وعلى الرغم من بحوث العالِم فرويد حول هذا الاضطراب النفسي وربطه بأسطورة إليكترا،  إلا إنه أطلق عليه آنذاك “عقدة أوديب الأنثوية”، أي العقدة المماثلة لعقدة أوديب، لكنها تخص الإناث.

إلى أن وضع صديقُه العالِم “كارل يونج” مصطلح “عقدة إليكترا” بعد ذلك، تيمنًا بالأسطورة القديمة.

سمات اضطراب عقدة إليكترا

وفقًا لنظرية فرويد، فإن جزءًا مهمًا من عملية النمو عند الأطفال هو تعلُّم التعرف على الوالد من نفس الجنس (الابن والأب، الابنة والأم). 

وكذلك تنص نظرياته على أن الطاقة الجنسية لدى الأطفال تتركز في المناطق الجنسية المختلفة من أجسامهم حسب مراحل نظرية فرويد للتطور النفسي الجنسي.

وتتضمن خصائص وسمات عقدة إليكترا ثلاث مراحل

المرحلة الأولى: الانجذاب نحو الأم

أشار كارل يونج إلى العلاقة القوية التي تربط الابنة بأمها في أثناء الثلاثة أعوام الأولى من حياتها، حيث حاجة الفتاة إلى التماثل مع والدتها لدمج بعض الخصائص الأمومية في شخصيتها، وحتى تستطيع تكوين أخلاقها الأنثوية في “الأنا العليا”.

المرحلة الثانية: الانجذاب إلى الأب

في سن 3 أو 4 سنوات، تتوقف الفتاة عن هذا الانجذاب لأمها، وتبدأ في إظهار تعاطف وانجذاب نحو والدها.

حيث يفترض فرويد أن جميع الناس يمرون بمراحل متعددة من التطور النفسي الجنسي وهم أطفال، أهم تلك المراحل هي “المرحلة القضيبية” بين سن 3 إلى 6 سنوات.

وفيها يحاول الأطفال الذكور التركيز على وجود القضيب لديهم، بينما تركز الفتيات على غياب القضيب لديهن ووجود البظر.

واقترح فرويد أن الفتاة في بداية مراحل تطورها النفسي الجنسي تكون على ارتباط قوي بأمها، وما إن تكتشف
-في أثناء المرحلة القضيبية- غياب القضيب لديها وأنها بذلك لا تستطيع الاستحواذ على أمها جنسيًا، حتى تبدأ بالاستياء من الأم ظنًا منها أن الأم هي التي حرمتها وجود القضيب، وأنها أرسلتها إلى الحياة بشكل غير كافٍ،
وهو ما أطلق عليه فرويد مفهوم “حسد القضيب”.

لذلك تبدأ الفتاة بالانجذاب نحو أبيها، وترتبط به ارتباطا قويًا يدفعها لتقمص صفات الأم وأفعالها،
وبذلك تعتقد أنها تستطيع أن تحل محل الأم نفسيًا وجنسيًا، وتستحوذ على الأب!

وتتحول المرحلة الجنسية لديها من البظر الطفولي إلى المهبل!

الإنجذاب إلى الأب

المرحلة الثالثة: مرحلة الانصراف الطبيعي لعقدة إليكترا

وذلك عندما تبلغ الفتاة 6 أو 7 سنوات، حيث تشعر مرة أخرى بالحاجة إلى التقارب والتعرف إلى الأم.

وهكذا، تبدأ سلوكات التقليد والفضول تجاه العالم الأنثوي عندما تستقر في دورها الجنسي.

وأكد يونج في نظريته أن هذه المرحلة بأكملها هي جزء من التطور الطبيعي للفتاة؛ إذ إنها تشكل أساس سلوكها العاطفي والاجتماعي والنفسي، والذي سيستمر في النضج في السنوات اللاحقة. 

وفي النهاية، يجب أن يتبدد كل الاحتكاك، ولا يجب أن ترى الفتيات أمهاتهن كأعداء أو خصوم.

عقدة إليكترا بين الواقع والنظريات

لا شك أن العديد من البحوث والأفكار والنظريات حول عقدة إليكترا باتت عتيقة الزي الآن وغير قابلة للتطبيق،
مثل المراحل النفسية الجنسية الكلاسيكية التي تتميز بمراحله عن طريق الفم والشرج والقضيب.

إلا أنه توجد بعض الحقائق المتعلقة بهذه الحالة النفسية نشير إليها في الأسطر القادمة:

  • تفضل العديد من الفتيات والدهن في وقت معين من حياتهن، فإذا أظهرت فتاة سلوكات شائعة،
    مثل البحث عن عاطفة الأب أكثر من الأم، فاختارت قضاء معظم وقتها معه، أو قالت على سبيل المثال: “أريد الزواج من أبي”؛ فلا يوجد شيء سيئ أو مَرَضِي حيال ذلك.
  • الوالد هو أقرب نموذج للذكور بالنسبة للفتاة بعد كل شيء. ستختفي الأوهام والألعاب والسلوكات حول ذلك تدريجيًا بشكل طبيعي، ولهذا تظهر أهمية التنشئة الاجتماعية وسط الأقران والزملاء.
  • في الواقع، فإن عقدة أوديب الأنثوية، وفكرة “حسد القضيب” ينتقدان أيضًا على نطاق واسع.

فهناك محللون نفسيون معروفون لا يشاركون هذه الرؤية والنظرية.

على سبيل المثال، تقول المحللة النفسية الألمانية “كارين هورني”، حول فكرة أن الفتيات يحسدن قضيب آبائهن، أنها نظرية تُهين النساء.

  • قليل من المعلومات والبيانات تدعم نظرية عقدة أوديب الأنثوية وتعتبرها حقيقية.

حتى أنه ليس تشخيصًا رسميًا في الإصدار الجديد من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5).

وأخيرًا، إذا كنت تواجه مشكلة مشابهة، أو كنت قلقًا بشأن النمو العقلي أو الجنسي لطفلك، فيمكنك التواصل مع اختصاصي رعاية صحية، مثل: الطبيب النفسي للأطفال، إذ يمكنه المساعدة في إرشادك بطريقة قد تبدد مخاوفك.

المصدر
The Life, Work, and Theories of Sigmund FreudWhat Is the Electra Complex?Oedipal ComplexThe Electra Complex: What Is It and What Does It Do?
اظهر المزيد

د. رحاب علي

صيدلانية، شغوفة بالعلوم والتفاعلات والعمليات المعقدة التي تجري كل صباح داخل النفس البشرية. نَصفُ أنفسنا ونَجلدُ الآخرين وننصب محاكم التصنيف والتمييز، ولا ندري أننا نتائج، وأن الفاعل الحقيقي مجموعة من الأحماض والبروتينات! "نفسي أجوجل باللغة العربية والاقي نتايج تُحترم!"

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى