علاقة التكنولوجيا بزيادة الاكتئاب

أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. وبقدر ما ساهمت في تخفيف الكثير من الأعباء عن كاهلنا، ويسَّرَت لنا القيام بمهام عديدة، إلا أنها سببت أيضًا لمستخدميها العديد من المشاكل الصحية.
لكن السؤال الأهم الذي يشغل بال الجميع هو: “هل تؤثر التكنولوجيا في الصحة النفسية للأفراد؟”.
إذا أردت معرفة الإجابة عن هذا السؤال، فتابع معنا مقال اليوم، والذي نتحدث فيه عن علاقة التكنولوجيا بزيادة الاكتئاب.
أولًا…
ما تأثير التكنولوجيا على الصحة النفسية؟
التكنولوجيا سلاح ذو حدين؛ فبجانب ما قدمته للبشرية من تقدم علمي وحضاري، أثبتت الدراسات الحديثة وجود علاقة وثيقة بين الاستخدام المفرط لها -خاصة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي- وبين نشأة بعض المشاكل النفسية، مثل:
وأرجعت هذه الدراسات السبب وراء ذلك إلى الكم الهائل من المعلومات التي يتلقاها المخ يوميًا عن طريق هذه الوسائل التكنولوجية.
على سبيل المثال: في كل لحظة تطالع فيها حساباتك المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، تداهمك عشرات المنشورات التي تحتوي على مختلف المعلومات، وسواء كانت تلك المعلومات مهمة أو تافهة، فإن مخك يحتاج إلى معالجتها وتحليلها والتعامل معها.
كل ذلك يولد نوعًا من التوتر والضغط النفسي، وقد يصل إلى الاكتئاب.
إذن…
ما علاقة التكنولوجيا بزيادة الاكتئاب ؟
تزداد فرص الإصابة بالاكتئاب كلما زاد عدد الساعات التي يقضيها الفرد يوميًا مُستخدِمًا التكنولوجيا، وتساهم الأنواع المختلفة من وسائل التكنولوجيا الحديثة في نشأة الاكتئاب بطُرُق متعددة.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
في السطور القادمة، سنشرح -تفصيلًا- العلاقة بين التكنولوجيا والاكتئاب.
أولًا: الإنترنت
ليس فقط الكم الهائل من المعلومات التي يوفرها الإنترنت هو السبب في زيادة الاكتئاب، ولكن يتسبب الإنترنت أيضًا في تسريع وتيرة الأحداث والحياة.
فبضغطة زر، وفي أقل من الثانية، تستطيع أن تحصل على مئات المعلومات، وتعلم بشأن عشرات الأحداث لحظة وقوعها، والتي ربما تحدث في بقعة من الأرض تبعد عنك آلاف الكيلومترات!
ستتخيل هذا إذا استطعت أن تنفصل -تمامًا- بعض الوقت عن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ستشعر حينها أن وتيرة الحياة تسير بصورة أبطأ مما تعودت.
نتيجة لهذا، يشعر الإنسان دائمًا أن هناك شيئًا ما سيفوته إذا لم يكن يقظًا ومتنبهًا طوال الوقت لكل صغيرة وكبيرة، فيُولِّد هذا لديه شعورًا -لا واعيًا- من الضغط النفسي والتوتر، ومن ثَمَّ الاكتئاب.
ثانيًا: الهواتف الذكية

تؤثر الهواتف الذكية على الصحة النفسية بأكثر من شكل، فهي:
- تسبب مشاكل في النوم.
- تُضعِف التركيز، وتزيد من تشتت الانتباه.
- تسبب نوعًا من الإدمان الإلكتروني.
- تسبب تقلبات المزاج.
كل تلك الأسباب قد تؤدي -مجتمعة أو متفرقة- إلى ظهور أعراض الاكتئاب.
ثالثًا: مواقع التواصل الاجتماعي
قضاء وقت طويل لتصفح مواقع التواصل الاجتماعي من الأسباب الرئيسية التي تفسر علاقة التكنولوجيا بزيادة الاكتئاب. وذلك لأن تلك المواقع:
- جعلت معرفة الناس بمشاكل وهموم الآخرين أمرًا سهلًا
قد يبدو هذا شيئًا إيجابيًا، يؤدي إلى مشاركة البشر وجدانيًا لبعضهم البعض، وتبادل الدعم. لكنه -من الناحية الأخرى- جعل كل فرد يشعر وكأنه يحمل هموم العالَم أجمع فوق ظهره؛ ففي كل لحظة، تداهمه العديد من المشاعر المحزنة والمؤلمة، التي قد لا تحتملها نفسه.

- عزَّزت من المقارنات المجتمعية
على النقيض من الفقرة السابقة، فإن وسائل التواصل الاجتماعي مليئة أيضًا بالكثير من الصور المبهجة والمثالية لحيوات بعض المستخدمين. وعلى الرغم من معرفتنا المسبقة بأن هذه الصور لا تمثل بالضرورة الحياة الواقعية لأصحابها، إلا أن العديد منا قد يقع فريسة للمقارنة بين واقعه وبين الصورة الافتراضية التي يراها لهؤلاء الأشخاص، فيصاب بالغم والاكتئاب.
- أدَّت إلى الانعزال والوحدة
على الرغم من أن الهدف الأساسي من إنشاء تلك المنصات الإلكترونية كان من أجل مساعدة الناس على تكوين العلاقات الاجتماعية، إلا أن النتيجة غير المتوقَّعة كانت صادمة؛ فقد أدت هذه المواقع إلى زيادة شعور مستخدميها بالعزلة والوحدة.
فالبشر كائنات اجتماعية، تحتاج إلى التواصل المباشر على أرض الواقع مع بعضها البعض، من أجل الشعور بالدعم واكتساب المهارات والخبرات الاجتماعية.
وبينما يقضي أحدهم جُلَّ وقته على تلك المواقع، يبتعد أكثر وأكثر عن علاقاته الواقعية، ويصير سجينًا لعلاقاته الافتراضية، مع أشخاص قد لا يلتقي بهم أبدًا في حياته.
لا تقتصر علاقة التكنولوجيا بزيادة الاكتئاب، وبنشأة العديد من الأمراض النفسية على البالغين فقط؛ فللأطفال أيضًا نصيب لا بأس به من مشاكلها وأضرارها.
التكنولوجيا والأطفال
يقضي الأطفال -حديثًا- وقتًا طويلًا من يومهم مستخدمين الهواتف الذكية، خاصةً في هذه الفترة التي فُرِض على الجميع فيها الحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا، فأصبح عالم الإنترنت والأجهزة الإلكترونية متنفَّسهم الوحيد.
يشمل وقت الشاشة الذي يقضيه الأطفال مستخدمين وسائل التكنولوجيا الحديثة ما يلي:
- استخدام الهواتف الذكية.
- لعب ألعاب الفيديو والألعاب الإلكترونية.
- مشاهدة التلفاز.
كلما ازداد الوقت الذي يقضيه الطفل أمام تلك الشاشات، ازداد خطر الإصابة ببعض المشاكل النفسية والجسدية، مثل:
- مشاكل سلوكية.
- ضعف المهارات الاجتماعية، ومهارات التواصل.
- اكتساب السلوك العنيف.
- مشاكل في النوم.
- إجهاد العين.
- السمنة.
كما لاحظت بعض الدراسات ازدياد معدلات الإصابة بـاضطراب “فرط الحركة وتشتت الانتباه” بين المراهقين الذين يقضون وقتًا أطول على الشاشات.
إذن، ما هو وقت الشاشة الصحي المسموح به للأطفال؟

يوضح الجدول التالي توصيات الجمعية الأمريكية لطب الأطفال بخصوص وقت الشاشة المسموح للأطفال في مختلف أعمارهم.
الأطفال تحت 18 شهر. | تجنب وقت الشاشة كليًا، باستثناء محادثات الفيديو. |
من سن 18-24 شهر. | يُسمَح للآباء بتقديم بعض المحتوى المفيد لأطفالهم عن طريق الشاشات، لكن تحت إشرافهم المباشر، وبشرط تقليص الوقت المخصص لذلك إلى أقصى درجة ممكنة. |
من سن 2-5 سنوات. | ساعة واحدة في اليوم، تحت إشراف الآباء، مع الحرص على اختيار المحتوى المفيد. |
من سن 6 سنوات وأكثر. | وضع حدود وقواعد بشأن استخدام الشاشات حسب ما يتناسب مع حالة كل طفل وكل أسرة، بحيث لا يتعارض هذا الوقت مع حصول الطفل على النوم الجيد، وممارسة الرياضة، وألا يسبب له أي مشاكل صحية أو سلوكية. |
بعد أن استعرضنا علاقة التكنولوجيا بزيادة الاكتئاب، ونشأة المشاكل الصحية المختلفة لكل من الكبار والصغار، سنتحدث في الفقرة القادمة عن الجانب الجيد لتأثير التكنولوجيا في الصحة.
فوائد التكنولوجيا على الصحة
مع أن أضرار التكنولوجيا تطغى على حياة الأشخاص، إلا أنها أيضًا تلعب دورًا هامًا في مساعدة الناس على الحفاظ على صحتهم الجسدية والنفسية، فمثلًا توجَد:
- تطبيقات إلكترونية تهدف إلى تتبُّع الأمراض المزمِنة، وملاحظة أي تغيُّر في العلامات الحيوية للمريض، وسرعة إبلاغ الأطباء بها.
- تطبيقات لمساعدة الناس على اتباع الأنظمة الصحية الغذائية، وتشجيعهم على ممارسة الرياضة.
- تطبيقات للحصول على الدعم النفسي، وسرعة التواصل مع الأطباء النفسيين.
- تطبيقات للحصول على الاستشارات الطبية من المختصين.
- مواقع لسهولة البحث والحصول على المعلومات الموثوقة.
في النهاية -عزيزي القارئ-، فإن التكنولوجيا سلاح ذو حدين؛ يعتمد نفعها أو ضُرُّها بالأساس على طريقة استخدامك لها. لذا، احرص على استخدامها بالشكل الأمثل، وابتعد عن كل ما تشعر أنه قد يؤذي صحتك النفسية أو البدنية.