علم النفس الجنائي | الدوافع الخفية للجريمة

في يوم مشؤوم، سمعنا عن جريمة شنيعة، أب قتل زوجته وأمه وأولاده ثم أحرق جثثهم!
ما الذي حدث؟ كيف أقدم على هذا الفعل؟ ما الدوافع؟ كيف تحمل صرخات ونظرات الرعب في عيون ضحاياه؟
عندما يسمع القاتل الحكم، لا تكون مفاجأة بالنسبة له، لكن السؤال المتكرر هو: ما الذي أدى بهذا الشخص لاتخاذ قرار كهذا؟!
سنجيب عن هذه الأسئلة من خلال مقالنا عن علم النفس الجنائي…
علم النفس الجنائي
انتشرت في السنوات الأخيرة العديد من المسلسلات الأجنبية التي سلطت الضوء على علم النفس الجنائي، مثل: “CSI”، و”Criminal Minds”، و”Mind Hunter”.
ماذا تعرف عن هذا العلم ووظائفه ونظرياته؟
هو دراسة الجوانب النفسية بجانب أفكار وسلوك وردود أفعال المجرمين -التي تلعب دورًا مهمًا في ارتكاب الجريمة- وكل ما يدخل ضمن السلوك الإجرامي.
بالإضافة لدراسة انفعالات المجرم ما بعد الجريمة، كذلك الإجابة عن سؤال: “كيف ولماذا يرتكب المجرم جريمته؟”.
يُعَدُّ علم النفس الجنائي دراسة مشتركة بين فرعين من العلوم، هما: القانون، وعلم النفس. والغرض منه مكافحة الجريمة، والقضاء عليها، ومنع تكرارها في المستقبل. وفيما يلي نبذة مختصرة عن:
- القانون
يدرس الجريمة نفسها، والضرر الناتج عن تلك الجريمة، وخطورتها على المجتمع وتطبيق العقاب المناسب.
- علم النفس
يدرس شخصية وعقلية المجرم، ويعمل على تحليل دوافع ارتكاب الجريمة.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
وظائف علم النفس الجنائي
يهتم ببحث العوامل النفسية لارتكاب الجريمة، ودراسة الأمراض النفسية والعقلية التي يعانيها المجرم، والتي تدفعه لارتكاب جرائمه، ووضع العقاب والعلاج المناسب.
كذلك يساعد مؤسسات التحقيق على أداء مهمتها بشكل أكثر فاعلية، من خلال دراسة عقليات المجرمين وطريقة تفكيرهم، لمنع تكرار حدوث الجريمة في المستقبل.
ويساعد أيضًا على التأكد من صحة أقوال المجرمين، من خلال قياس الانفعالات واختبارات الكذب، وطرق التحليل النفسي المختلفة.
من أهم وظائف علم النفس الجنائي دراسة لغة الجسد من خلال مراقبة حركات العين، ونبرة الصوت، وحركات اليدين، وعلامات التوتر، مثل جفاف الحلق والشفاه والتعرق عند تحدث المجرم عن تفاصيل الجريمة.

يهتم الأخصائي النفسي الجنائي بالآتي:
- جمع معلومات دقيقة عن المجرم، مثل: العمر، والجنس، والعرق، والعوامل النفسية، وفترة الطفولة، وكذلك السمات الشخصية.
- تقديم وصف دقيق واستراتيجيات خاصة لكشف المجرم مجهول الهوية.
- تشخيص الأمراض النفسية أو العقلية للمتهمين، والتي تجعلهم غير مؤهلين لفهم التهم الموجهة إليهم.
- متابعة المجرم بعد خروجه من السجن، لمنع عودته إلى عالم الجريمة مرة أخرى.
- جمع الأدلة من مسرح الجريمة.
- دراسة بيانات الشهود، ومتابعة حالتهم، وتقديم الدعم اللازم لهم.
مصادر المعلومات في علم النفس الجنائي
يحتاج الأخصائي إلى جمع الكثير من المعلومات التي تساعده على تحليل شخصية المجرم من خلال:
- الوثائق الشخصية للمجرم، سواء خطابات أو مذكرات شخصية.
- السجلات المدرسية أو الحكومية.
- معلومات عن حياته وطفولته.
- معلومات الآخرين عن المجرم، مثل: الآباء، والأخوة، والأقارب، والأصدقاء، وزملاء العمل.
نظريات علم النفس الجنائي
هناك أربع نظريات متداخلة من الصعب فصلها عن بعض؛ فالنظريات الأربع مجتمعةً تُعطِي لنا تفسيرًا واضحًا عن السلوك الإجرامي. وهي كالآتي:
- النظرية النفسية التحليلية
(سيجموند فرويد) صاحب هذه النظرية من خلال تفسيره الشامل للشخصية الإنسانية -المتمثلة في: (الهو)، (الأنا)، و(الأنا العليا)- منذ ولادة الإنسان.
إذ إن السلوك الإجرامي ينشأ عن فشل (الأنا) في التوفيق بين الدوافع الفطرية والغريزية (الهو)، ومجموعة القيم والمبادئ الأخلاقية (الأنا العليا).
يعتقد (فرويد) أن المجرم يعاني حاجة ملحة للعقاب، لكي يتخلص من مشاعر الذنب التي عاناها لفترات طويلة في أثناء الطفولة نتيجة لتعرضه لمشاعر سلبية، أو عنف، أو قلة اهتمام خلال طفولته.
بالتالي، يرتكب جريمته لكي ينال العقاب المقرر لها بالقانون، أي أنه يسعى إلى عقاب النفس، لذلك يترك الدلائل التي تؤدي إلى القبض عليه.

- النظرية السلوكية
وتتكون من شقين أساسيين يُعبِّران عنها، هما:
- أنماط التفكير الإجرامي
تفترض أن المجرمين لديهم طريقة تفكير مختلفة، أي أن نظرة المجرم إلى نفسه والعالم المحيط به تختلف عن نظرة الآخرين للعالم المحيط.
هنا، يتسم المجرم باللامبالاة وعدم المسؤولية، والتي تمثل أرضية خصبة لبدء السلوك الإجرامي واستمراره، إذ تشبه الجريمة إدمان المخدرات والكحوليات.
- نظرية اضطراب الشخصية
تفترض أن السلوك الإجرامي ناتج عن اضطراب شخصية المجرمين.
خصائص المجرمين طبقًا للنظرية السلوكية:
- عدم القدرة على التعلم من خبراتهم السابقة وصعوبة تأهيلهم.
- ضعف الضمير؛ أي لا يشعرون بتأنيب الضمير.
- أنانيون وغير مسؤولين، يتصفون بالقسوة الشديدة.
3. النظرية الاجتماعية (نظرية التكيف الاجتماعي)
إحدى نظريات علم النفس الجنائي، وتفترض أن سلوك الشخص يتأثر بالمجتمع المحيط به، وتفاعله مع الآخرين، وخبراته السابقة في الحياة.
أثبت (ألبرت بندورا) أن الشخص لا يُولَد حاملًا للصفات الإجرامية، لكن الطفل يكتسب السلوك الإجرامي من خلال التفاعل مع أفراد الأسرة، أو المجتمع الخارجي والبيئة المحيطة به، أو وسائل الإعلام، وما يتبع ذلك من تعزيز أو عقاب. ومن ثَمَّ، الاقتداء بهذه السلوكيات وتقليدها.
كما أشار (بندورا) إلى أن صفة العنف في الأطفال مكتسبة من أحد الوالدين أو كليهما، كذلك نتيجة الاقتران بالمجرمين في مراحل العمر المختلفة.
4. النظرية البيولوجية

حاولت هذه النظرية إثبات أن المجرم يتميز بتكوين جسدي معين، وأهم روادها العالم (شيراز لمبروزو)، والذي اعتمد في أبحاثه على شكل جمجمة المجرمين.
فمن خلال فحص جماجم 383 مجرمًا بعد وفاتهم، وجد (لمبروزو) تشابهًا بين شكل الفك والأسنان، وبروز الجبهة، وشكل الأذن والأنف، ولكن هذه النظرية لم تصمد أمام النظريات العلمية الأحدث.
ظهرت دراسات حديثة لربط الجريمة بالجينات والكروموسومات، وكذلك نشاط الغدد للمجرم، خاصة الغدة الكظرية.
وقد أيَّد هذا الاتجاه (وليام شيلدون) الذي ميَّز بين المجرمين وغير المجرمين، وذلك من خلال تركيب الخلايا الجسدية، والأنماط المزاجية والنفسية المرتبطة بها.
أخيرًا…
ملخص علم النفس الجنائي أنه لكي يُعاقَب المجرم على جريمته، يجب أن يُؤخَذ في الاعتبار الحالة العقلية والنفسية التي كان عليها في أثناء ارتكاب الجريمة.
بقلم د/ مروة عبد الجيد عيد حميدة