علم النفس السلوكي

ما الذي يجعل سلوكك مختلفًا تمامًا عن أي شخص آخر؟
هل يمكن التنبؤ بسلوك شخص؟
وهل يمكن بناء السلوك؟
منذ هبوطه إلى الأرض، حاول الإنسان فهم سلوكه، فوضع نظريات وأجرى تجارب، وكلما أحس بقرب الفهم، رصد دليلًا جديدًا ينقض ما قد فُهم.
في هذا المقال، نعرض محاولات العلماء لفهم السلوك البشري، ونشأة علم النفس السلوكي وأهدافه.
ما هو علم النفس السلوكي؟
هو إحدى نظرياتِ التعلمِ التي تستنِدُ إلى فكرةِ أنَّ جميعَ التصرفاتِ تُكتَسبُ مِن خلالِ “التشريطِ” الذي ينتجُ مِن تفاعلِنا مع البيئة، وأنَّ استجاباتِنا للمنبِّهاتِ البيئيةِ تشكِّلُ أفعالَنا.
ويركِّزُ عِلمُ النفسِ السلوكيّ على فَهمِ وتعديلِ أفكارِ الأفرادِ ومشاعرِهم وسلوكِهم، ويدرِسُ كيفَ يمكنُ للسلوكِ أن يؤثرَ في الإدراك.
وفقا لهذا الفكر، يمكن دراسة السلوك بطريقة منهجية ويمكن ملاحظته، بغض النظر عن الحالات العقلية الداخلية، وبالتالي يجب النظر فقط في السلوك الذي يمكن ملاحظته.
ويعتقد السلوكيون أنه يمكن تدريب أي شخص على أداء أي مهمة، بغض النظر عن خلفيته الوراثية، وسماته الشخصية، وأفكاره الداخلية؛ لكن ذلك يتطلب فقط التشريط الصحيح.
نشأة علم النفس السلوكي
في عام 1913، أرسى عالم النفس الأمريكي “جون واتسون” دعائم السلوكية، حين نشر مقالته المشهورة “علم النفس كما يراه السلوكيون” التي حدد فيها ملامح فلسفته النفسية الحديثة التي أطلق عليها اسم “المدرسة السلوكية”.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
ويمكن تلخيص مقالته هذه بهذا الاقتباس:
“أعطني اثني عشر رضيعًا أصحاء، سليمي التكوين، وهيئ لي الظروف المناسبة الخاصة بي لتربيتهم، وسأضمن لكم تدريب أيٍّ منهم ليصبح أخصائيًّا في المجال الذي أختاره، قد أجعله طبيبًا، محاميًا، رسامًا، تاجرًا، بل وحتى متسولًا ولصًّا، بغض النظر عن مواهبه وميوله وقدراته وعرق أجداده”.
ذلك أن السلوكيين يعتقدون أن جميع السلوكات هي نتاج التجارب؛ فيمكن تدريب أي شخص -بغض النظر عن خلفيته- على التصرف بطريقة معينة في ظل التشريط الصحيح.

نمت السلوكية -وحتى منتصف الخمسينيات- لتصبح الفكر المهيمن في علم النفس، وزادت شعبية علم النفس السلوكي رغبة في تأسيس علم النفس كعلم موضوعي قابل للقياس.
استمر علم النفس السلوكي بنشاطه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حتى ظهرت الهيمنة الكاملة لـ “علم النفس السلوكي المعرفي” في شتى نواحي علم النفس.
ويرجع سبب هذه الخطوة لعلم النفس السلوكي المعرفي على حساب علم النفس السلوكي إلى:
- تطور علوم الحاسوب التي أتاحت توازي الفكر البشري ووظيفية الحاسوب.
- إنشاء مؤسسات بحثية خاصة بعلم النفس المعرفي.
للمزيد من المعلومات حول العلاج المعرفي السلوكي، اضغط هنا.
ما هي أهداف علم النفس السلوكي؟
يُعنى علم النفس السلوكي بدراسة الخصائص الرئيسة لمراحل النمو؛ مما يساعد المربين على وضع المناهج وتطويرها، وتقديم الإجراءات الخاصة بالبرامج التربوية وتصحيحها.
- تقديم المشورة وإجراء البحوث وتدريب المعلمين وعلاج الصغار ذوي المشكلات.
- يعنى بدراسة المبادئ والشروط الأساسية للتعلم والاتجاهات السليمة.
- يُراعي الفروق الفردية بين الطلاب في القدرات والميول.
- يهتم بحل المشكلات التعليمية.
- يعنى بإجراء التجارب لانتقاء أحسن المناهج التعليمية.
ما هي أنواع التشريط السلوكي؟

وفقا لعلم النفس السلوكي، ثمة أنواع من التشريط تشكل جميع قراراتنا اللاحقة، وصنف علماء النفس التشريط إلى نوعين: التشريط الكلاسيكي، والتشريط الفعال.
1- التشريط الكلاسيكي
هو أسلوب اكتشفه عالم وظائف الأعضاء الروسي “إيفان بافلوف“، وهو يعني ببساطة “التعلم من خلال الارتباط“، أو ربط محفزين اثنين لإنتاج استجابة جديدة مكتسبة.
ويتضمن هذا النوع من التشريط إقران المنبه المحايد بمحفز يحدث بشكل طبيعي.
وفي النهاية، يأتي المنبه المحايد لإثارة نفس الاستجابة للمنبه الذي يحدث بشكل طبيعي، حتى بدون أن يظهر المنبه الذي يحدث بشكل طبيعي.
ويعد من أشهر الأمثلة التي تروى لفهم آلية عمل التشريط الكلاسيكي تجربة كلب بافلوف.
في هذه التجربة، أطلق بافلوف جرسًا لتنبيه مجموعة من الكلاب، وكلما سمعت الجرس حصلت على طعام، وسرعان ما بدأت الكلاب في إفراز اللعاب كلما سمعت ذلك الجرس استعدادًا للطعام.
في هذه التجربة، كان المنبه المحايد هو صوت الجرس، وكان رد الفعل المنعكس بشكل طبيعي هو إفراز اللعاب استجابة للطعام.
ومن خلال ربط المنبه المحايد بالمحفز البيئي (الطعام)، يمكن أن يُنتِج صوت الجرس وحده استجابة اللعاب.
2- التشريط الفعال
درسَ عالِمُ النفسِ السُّلوكيّ “فريدريك سكينر” التشريطَ الفعَّال، الذي يستنِدُ إلى مبدأِ أنَّه مِن المرجَّحِ أنْ يتكرَّرَ السُّلوكُ الذي يتبَعُه عواقبُ مُمتِعة، ويقِلُّ احتمالُ تَكرارِ السلوكِ الذي يتبَعُه عواقبُ غيرُ سارَّة.
وأدخَلَ (سكينر) مصطَلَحًا جديدًا في قانونِ التأثيرِ وهو “التعزيز”؛ إذ يميلُ السلوكُ المعزَّزُ إلى التَّكرار، ويميلُ السلوكُ غيرُ المعزَّزِ إلى التلاشي.
درسَ (سكينر) (1948) التشريطَ الفعَّال، وذلك عَن طريقِ إجراءِ التجارِبِ باستخدامِ الحيواناتِ التي وضَعَها في صندوقٍ سُمِّي بـ “صندوقِ سكينر”، ولتَصوُّرِ هذه الفكرةِ في الأذهانِ نذكُرُ هذا المِثال:
إذا كافأ أحدُ الوالدَين طِفلَه الذي ينظِّفُ طبقَه الذي أكلَ فيه، سيزدادُ احتمالُ تنظيفِ الطفلِ للطَبَق.
ومع ذلك، اكتشف سكينر أن توقيت هذه المكافآت والعقوبات له تأثير مهم على مدى سرعة اكتساب السلوك الجديد
وقوة الاستجابة المقابلة.
انتهى سكينر إلى عوامل ثلاثة ترتبط بالسلوك، وهي:
العوامل المحايِدة | استجابات البيئة التي لا تزيد أو تقلل من احتمالية تكرار السلوك. |
العوامل المعزِّزة | استجابات البيئة التي تزيد من احتمال تكرار السلوك، ويمكن أن تكون إيجابية أو سلبية. |
العوامل المعاقِبة | استجابات البيئة التي تقلل من احتمالية تكرار السلوك. |
اهتم علم النفس السلوكي عند الأطفال بدراسة أثر التشريط الفعال في سلوك الطفل، وكيفية تأثر سلوكه بعوامل معززة وأخرى معاقبة.
ربما عندما كنت طفلًا جربت عددًا من السلوكات وتعلمت من عواقبها، ونضرب مثال التدخين في الصغر.
فإذا كنت تود تجربة التدخين في المدرسة لتكون ضمن مجموعة الأصدقاء الذين كنت ترغب دائمًا في قضاء الوقت معهم، فسيتم تعزيزك بشكل إيجابي، ومن المحتمل أن تكرر هذا السلوك.
أما إذا كانت النتيجة الرئيسة لهذه التجربة هي تعطيلك عن الدراسة وتورطك بمشاكل قانونية، فمن المؤكد أن هذا العقاب سيجعلك أقل عرضة للتدخين.
ما هي نقاط القوة والضعف بأفكار علم النفس السلوكي؟
تعد السلوكية أول من سمحت للباحثين بدراسة السلوك الإنساني في علم النفس بطريقة علمية ومنهجية.
ومع ذلك، يعتقد العديد من المفكرين أنها فشلت بسبب تجاهلها بعض التأثيرات المهمة على السلوك.
وفيما يلي عرض لنقاط القوة ونقاط الضعف لأفكار علم النفس السلوكي:
- نقاط القوة
- القدرة على مراقبة السلوك وقياسه بوضوح، حيث يسهل تحديد البيانات وجمعها عند إجراء البحث.
- كثير من التقنيات العلاجية الفعالة متجذرة في السلوكية، وغالبًا ما تكون هذه الأساليب مفيدة جدًا في تغيير السلوكات الضارة.
- نقاط الضعف
- السلوكية نهج أحادي البعد لفهم السلوك البشري؛ إذ لا تأخذ في الاعتبار الإرادة الحرة والتأثيرات
الداخلية، مثل: المِزَاج والأفكار والمشاعر.
- وقد شعرَ “فرويد” أنَّ السلوكيةَ فشلتْ بسببِ عدمِ مُراعاةِ أفكارِ العقلِ اللا واعي ومشاعرِه ورغباتِه التي -بالضرورةِ- تؤثرُ في أفعالِ الناس.
- ويعتقِدُ مُفكِّرون آخرون مِثل “كارل روجرز” أنَّ السلوكيةَ كانتْ صارِمَةً للغايةِ ومَحدودة، ولا تأخذُ في الاعتبارِ الفروقَ الفرديَّة.
- فيما يركِّزُ المَنهجُ المَعرفيُّ لعِلمِ النفسِ على العملياتِ العقليَّة، مِثل: التفكيرِ وصُنعِ القرارِ وحلِّ المُشكلات، تتجاهلُ السلوكيةُ هذه العملياتِ لصالِحِ دراسةِ السلوكاتِ التي يُمكِنُ ملاحظتُها فقط.
- لا تراعي أنواعَ التعلمِ الأخرى التي تحدثُ دونَ استخدامِ التعزيزِ والعِقاب.
في حينِ أنَّ النَّهجَ السلوكيَّ قد لا يكونُ بنفسِ القوةِ المُهيمِنَةِ التي كانَ عليها في السابِق، إلا أنَّه لا يزالُ له تأثيرٌ كبيرٌ في فَهمِنا لعلمِ النفسِ البشري، وربما يستفيدُ الآباءُ مِن المبادئِ السلوكيةِ الأساسيةِ للمساعدَةِ على تعليمِ السلوكاتِ الجديدة، وتثبيطِ السلوكاتِ غيرِ المرغوبِ فيها للأبناء.