
لماذا يمارس البشر العنصرية؟!
لماذا ينخرطون في حرب عالمية قد تسبب إبادة جماعية؟!
حسنًا، ما الذي يحدد كيف يصوت الناس في الانتخابات المقبلة؟
في الانتخابات الأخيرة التي صوَّت فيها الجماهير لمرشح ما، هل سيفعلون الشيء نفسه في الانتخابات القادمة؟ أم أنهم لا يرون أي ميزة فيه بعد الآن؟
يتبنى بعض البشر منطق علم الاقتصاد في افتراض أن الإنسان كائن عقلاني؛ يزن عواقب وفوائد مختلف الإجراءات المتاحة له.
لكن يبدو أن بعض السلوك البشري لا يمكن تفسيره بهذا المنطق. لذلك، يقدم علم النفس السياسي مجموعة من الإجابات لأسئلة مثل تلك المطروحة أعلاه.
في هذا المقال، نحاول التعرف إلى علم النفس السياسي؛ كيف نشأ، وأين تكمن أهميته.
ولكن قبل الانعراج إلى علم النفس السياسي، دعونا أولًا نحاول فهم مصطلح السلوك السياسي، هيا بنا…
ما السلوك السياسي؟

السلوك السياسي هو نمط من أنماط السلوك الاجتماعي؛ يشير إلى أي نوع مصمَّم من النشاط لتلبية بعض الأهداف السياسية.
ويركز السلوك السياسي على نشاطات -يمارسها الأفراد أو الجماعات- تُمكِّنهم من تنظيم حياتهم وأدوار الأفراد، وتنظيم العلاقات بين القادة والجماهير.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
ويشمل مجموعة كاملة من الأنشطة السياسية التي ينخرط فيها البشر؛ من سلوك التصويت والانتخاب، إلى قرار الحرب.
ويشمل -أيضًا- دراسة صنع القرار، سواء من قِبل الناخبين، أو من قِبل النُخَب في الحكومات أو السلطات التنفيذية.
اقرأ أيضًا: علم النفس السلوكي.
تعريف علم النفس السياسي
علم النفس السياسي هو أحد أشكال علم النفس، يهتم بشرح الظواهر السياسية من وجهة نظر قوانين علم النفس ومفاهيمه.
وهو مجال مزدهر للبحث العلمي الاجتماعي، وجذوره راسخة في العلوم السياسية وعلم النفس، وله علاقة قوية بعلوم الاجتماع، والاقتصاد، وبعض المجالات الأخرى.
ويصب علم النفس السياسي اهتمامه على السلوك الجماهيري، مثل: تأثير الرأي العام في سياسات الحكومة، وكيفية تصويت الجماهير في الانتخابات، وما إلى ذلك.
وفي الوقت نفسه يركز علم النفس السياسي على سلوك النخبة، وكيف تشكِّل تصورات النخبة سياسات الحكومة، وتأثير الشخصية في القيادة، وصنع القرار في السياسة الخارجية، ومثل ذلك.
وبمعنى أبسط، يحاول علم النفس السياسي فهم سبب وقوع الأحداث السياسية.
نشأة علم النفس السياسي
على الرغم من أن كثيرًا من رواد علم الاجتماع -أمثال (هارولد لاسويل)- اهتموا بدراسة التأثير الحديث لعلم النفس في السياسة منذ عشرينيات القرن الماضي، لكن علم النفس السياسي يُعَدُّ -من الناحية الأكاديمية- مجالًا جديدًا نسبيًا، إذ شهد عام 1977 تأسيس الجمعية الدولية لعلم النفس السياسي (ISPP).
ركَّز علمُ النفس السياسي أول الأمر على تفسير الظواهر السياسية، وذلك بسبب سيطرة رجال السياسة على المجال مدة أربعين سنة.
ويبدو هذا جليًا في نسبة رجال السياسة، مقارنةً بعلماء النفس الذين نُشِرَت مقالاتهم وأفكارهم في المجلدات والمجلات العالمية.
تحوُّل المنهج
لكن مع تأسيس الجمعية الدولية لعلمِ النفس السياسي، ازداد -بشكل ملحوظ- عدد المشاركين من علماء النفس في أبحاث علمِ النفس السياسي، بل وفاق عددهم عدد المشاركين من رجال السياسة.
أثر هذا التحول في تغيُّر المنهج المتبع لدراسة موضوعات علمِ النفس السياسي؛ فقد كانت النظريات النفسية تُطبَّق عادةً لفهم الظواهر السياسية فقط.
بدلًا من ذلك، ركزت البحوث النفسية السياسية على فهم سياق السلوك السياسي، إذ طبَّق العديد من العلماء النظريات النفسية -حول الإدراك والسلوك البشري- لاتخاذ القرار السياسي.
مراحل تطور علم النفس السياسي

ساهم عالِم الأعصاب الأمريكي (سيغموند فرويد) في إرساء نظريات علمِ النفس السياسي من خلال نظريته الشهيرة (نظرية التحليل النفسي)، والتي تحقق في تأثير الدوافع اللاشعورية في السلوك البشري.
اقترح (فرويد) أن سلوك القائد يتحدد من خلال تفاعل أنظمة ثلاثة، وهي: الهو، والأنا، والأنا العليا.
من خلال نظرية التحليل النفسي، استطاع العلماء توقع قرارات القادة السياسيين، والدوافع والاستراتيجيات المتبعة من قبلهم.
أثر علم النفس -غالبًا- في العلوم السياسية (وليس العكس)، لذا فإنه يمكننا القول بأن الاتجاهات في علمِ النفس السياسي قد اتبعت مناهج علم النفس.
حدد عالِم النفس الاجتماعي الأميركي (ويليام ماكجواير) ثلاث مراحل تطور خلالها علمُ النفس السياسي، وهي:
1- مرحلة دراسات الشخصية
بدأت هذه المرحلة في الأربعينيات، واستمرت حتى خمسينيات القرن الماضي، وسيطر عليها التحليل النفسي لشخصية القادة السياسيين، وظهور ما يُسمَّى بـ”السيرة الذاتية”.
2- مرحلة المواقف السياسية ودراسات السلوك الانتخابي
كان ذلك في الستينيات والسبعينيات، وتتميز هذه المرحلة بدراسة الاتجاهات السياسية وتصنيفها.
3- حقبة البحث في الاعتقادات السياسية
كانت في الثمانينيات والتسعينيات، وركَّزت على المعتقدات السياسية، والسياسات الدولية، ومعالجة المعلومات واتخاذ القرار.
أهمية علم النفس السياسي
علمُ النفس السياسي هو في الأساس مجال دراسة يدمج بين تخصصين مختلفين، وهما: السياسة وعلمُ النفس.
ويعكس اندماج النظامين أهميته القصوى، وكذلك العلاقة بين الاثنين تجاه بعضهما البعض.
حاول رجال السياسة فهم الأسُس النفسية، والجذور، والنتائج المترتبة على السلوك السياسي.
وعزَّز هذا العمل فهم الظواهر السياسية من خلال تطبيق النظريات الأساسية للعمليات المعرفية، والعلاقات الاجتماعية التي طُوِّرت في الأصل خارج مجال السياسة.
وهكذا، فإن علمِ النفس السياسي يضيء ديناميكيات ظواهر العالم الحقيقي الهامة، بطُرق تنتج معلومات قيِّمة عمليًا، وأيضًا تعزز تطوير النظريات الأساسية للعمليات المعرفية والعلاقات الاجتماعية.
ويظل الهدف الأساسي لمعظم علماء النفس السياسي هو فهم السياق للسلوك السياسي.
فوفقًا لعالِم النفس الأمريكي (روبرت لافين)، يمكن أن يؤدي مجال دراسات علمِ النفس السياسي إلى التأثيرات الآتية:
- وعي علماء النفس بالتطبيق العملي للنظرية النفسية داخل مجال السياسة.
- فائدة السياسة كوسيلة لتطوير وصقل النظرية النفسية.
- تعميق فهم رجال السياسة للجذور النفسية للسلوك السياسي.
أثر اندماج السياسة مع علم النفس
في السياسة، يتحدث الناس عادةً عن الأرقام، وعن كسب الثقة، وزيادة عدد الأصوات المؤيِّدة، وعن القادة والأتباع.
على الجانب الآخر، يتحدث علم النفس عن العقل والسلوك. لذا، دمج السياسة وعلم النفس سوف:
- يفسر لماذا يتصرف القادة بطريقة معينة.
- يكشف ما هي الشخصية القيادية التي يحبها الناس.
- يحقق في الأسباب التي تجعل الناس يصوتون لفرد أو حزب معين.
- يفسر الديناميكيات والتغيرات في السلوك الانتخابي وفقًا للوقت والمكان والظروف.
- يعمل على إيجاد الوسائل لكسب قلوب وعقول الناخبين.
هذا يعني أن علماء النفس السياسي يدرسون صنع القرار السياسي، والعمل السياسي، والمواقف السياسية، من خلال منظور عمليات نفسية تتكشف في أذهان السياسيين وأصحاب القرار.
عند القيام بذلك، يشرح العلماء عادةً ظاهرة سياسية استنادًا إلى مفاهيم ونظريات نفسية.
إن أي سلوك سياسي ينتهجه القائد أو الأتباع يكون نابعًا من خلال مفاهيم علم النفس السياسي للمجتمع.
لذا، فهو يعكس حقيقة النظام الاجتماعي للمجتمع، ويهدف إلى نقلة المجتمع برمته إلى مرحلة حضارية.
اقرأ أيضًا: كتاب علم النفس السياسي لعالِم النفس (ديفيد باتريك).