عام

علم النفس الغذائي | هل يمكن أن يكون الطعام سبيلًا للصحة النفسية؟

“كانت حياتي مملة للغاية، وكنت شديد الاكتئاب ولا أشعر بالجمال حولي!… لكنني الآن أشعر بسعادة غامرة، زادت ثقتي في نفسي، وأصبحت حياتي أفضل كثيرًا.”

لم أشُكَّ لحظة في صدق هذه الكلمات التي قالها لي صديقي؛ فقد كنت أرى التحول الجذري الذي حدث في سلوكه وحالته النفسية بعدما قرر أن يقلل وزنه من خلال اتباع نظام غذائي صحي.

ودائمًا ما كنت أتساءل: 

“هل يمكن أن يؤثر الطعام في الصحة النفسية؟ 

وهل هناك علاقة بين الطعام وعلم النفس؟!”

للوهلة الأولى قد يعتقد كثير من الناس أن علم النفس يقتصر فقط على معالجة الأمراض النفسية سلوكيًا أو بالأدوية، ولكن هذا الاعتقاد ليس صحيحًا تمامًا.

لقد تطورت مجالات علم النفس كثيرًا، فأصبحت تضم العديد من المجالات التي لها علاقة قوية بعلم النفس أو الصحة النفسية عمومًا، ومن بينها:

  • علم التغذية.
  • علمُ نفس الغذاء.
  • علم النفس الصحي.

سنتحدث في هذا المقال عن هذه العلوم بشيء من التفصيل، وعن العلاقة بين الطعام وعلم النفس، وتأثير الطعام في الصحة النفسية.

ما المقصود بعلم التغذية؟ 

علم التغذية هو العلم الذي يهتم بدراسة طرق التغذية السليمة ودورها في منع الإصابة بالأمراض المختلفة.

يحتاج جسم الإنسان إلى العناصر الغذائية الأساسية لتوفير الطاقة اللازمة التي تساعده على العيش بصحة جيدة، وتتمثل هذه العناصر في:

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

  • البروتينات. 
  • الدهون. 
  • الكربوهيدرات. 
  • الفيتامينات. 
  • بعض المعادن. 

من المهم أن تتوفر هذه العناصر بصورة متوازنة في النظام الغذائي؛ لأن نقص أي منها يؤدي إلى الإصابة بالأمراض.

وتتوفر هذه العناصر في الأطعمة المختلفة كالفواكه والخضراوات والمنتجات الحيوانية والحبوب.

يهتم علم التغذية أيضًا بدراسة العلاقة بين الطعام والأمراض المختلفة، بجانب تحديد الأنظمة الغذائية المناسبة لهؤلاء المرضى، مثل: مرضى السكر والضغط وأصحاب السمنة المفرطة، وغيرها من المجالات.

علم نفس الغذاء وعلاقته بعلم التغذية

يجمع علم النفس الغذائي بين كل من علم التغذية وعلم النفس، وهو العلم الذي يهتم بدراسة العلاقة بين النمط الغذائي والأطعمة التي يتناولها الإنسان وبين صحته النفسية.

يهدف علم النفس الغذائي إلى رفع درجة الوعي والمعرفة لدى الناس؛ حتى يصبحوا قادرين على اتِّباع أنظمة غذائية صحيَّة من شأنها أن تعزز من صحتهم النفسية، ويكون ذلك من خلال التعريف بالآثار النفسية الناتجة عن تناول الأطعمة المختلفة.

لقد أصبح جليًّا الآن أن نقول بكل وضوح إنه يوجد علاقة قوية بين علم النفس الغذائي وعلم التغذية، ويمكن التدليل على ذلك بثلاث نقاط:

  1. تعرض الإنسان للضغط المستمر والتوتر يقلل من قدرة جهازه المناعي على مواجهة الأمراض.
  2. يتسبب الاكتئاب في الشعور بالألم بجانب مشكلات الجهاز الهضمي.
  3. كراهية الذات تؤثر سلبًا في التغذية السليمة.

وبناءً على ما سبق، أصبح علم النفس الغذائي يركز بشكل أساسي على العلاقة بين المشكلات النفسية وارتباطها بالمشكلات الجسدية والغذائية.

أظهرت العديد من الدراسات والأبحاث أن الطعام يلعب دورًا بالغ الأهمية في التأثير في الصحة العقلية والنفسية،
وذلك بمساعدة المواد الكيميائية التي يتحول إليها الطعام بعد هضمه. 

ويمكن توضيح ذلك بشيء من التفصيل فيما يلي.

التغذية السليمة أساس صحة الدماغ

يتحول الطعام بعد هضمه إلى جزيئات كيميائية صغيرة، وهي: الأحماض الأمينية، والأحماض الدهنية، والأحماض النووية، بجانب السكريات الأحادية كالجلوكوز. 

يستخدم الجسم هذه الجزيئات لتوفير الطاقة اللازمة له، ولتعويض الخلايا المفقودة وبناء خلايا جديدة، وأيضًا لتصنيع
المواد المختلفة -مثل الهرمونات والناقلات العصبية- التي تمكن الجسم من أداء وظائفه الحيوية.

من المعلوم أن الدماغ هو العضو الرئيس المسؤول عن الإحساس بالمشاعر المختلفة كالفرح والسعادة و الفخر
والرضا والحزن والندم، وغيرها، وذلك من خلال الناقلات الكيميائية والرسائل العصبية والهرمونات التي يفرزها.

ومن هنا يمكن القول إن التغذية السليمة تحسِّن من وظائف الدماغ وبالتالي تؤثر بشكل إيجابي في المزاج والصحة
النفسية، وإن سوء التغذية يؤثر سلبًا في وظائف الدماغ الحيوية وبالتالي يؤدي إلى المشكلات النفسية.

وإجمالًا لما سبق، يجب علينا أن نهتم بالتغذية السليمة خاصة الأطعمة التي تحتوي على العديد من الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة، والتقليل من الأطعمة المصنَّعة التي تحتوي على المواد الحافظة؛ حتى نحفظ أدمغتنا من الضرر.  

كيف يؤثر الطعام في الصحة النفسية؟

يعد “السيروتونين” أحد أهم الناقلات الكيميائية في الدماغ، فهو المسؤول عن الشهية وتثبيط الألم بجانب تنظيم النوم والمزاج.

يُنتِج أغلب السيروتونين (حوالي 95%) بواسطة ملايين الخلايا العصبية الموجودة على امتداد القناة الهضمية،
وتعمل هذه الخلايا أيضًا على تنظيم عملية الهضم.

تلعب البكتريا النافعة الموجودة في الأمعاء دورًا مهمًّا في الحفاظ على صحة الجهاز الهضمي؛ فهي تشكل عازلًا
يحمي القناة الهضمية من السموم والبكتريا الضارة، وتقلل التهابات الأمعاء وتحسن عملية هضم الغذاء وامتصاصه. 

إلى جانب أنها تنشط المسارات العصبية التي تربط القناة الهضمية بالدماغ، وتؤثر في الخلايا العصبية المسؤولة عن تصنيع السيروتونين.

تحتوي الكربوهيدرات على “التريبتوفان” Tryptophan، وهو أحد الأحماض الأمينية الحيوية التي تلعب دورًا مهمًّا في الدماغ؛ إذ كلما زادت نسبة التريبتوفان في الدماغ زادت معه نسبة السيروتونين.

يوجد السيروتونين بكثرة أيضًا في الأطعمة التي تحتوي على فيتامين (د).

بالإضافة إلى السيروتونين، يوجد بعض الدراسات التي تؤكد أن “الأوميغا-3” له دور في تقليل الاكتئاب.

ما الأطعمة التي تحسن الصحة النفسية؟

يهتم علم نفس الغذاء بتحديد الأطعمة التي تحسن من الصحة النفسية، والتي يجب أن تحتوي على العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الدماغ بالإضافة إلى الفيتامينات والمعادن، وتشمل هذه الأطعمة:

  • الأسماك والمحار والسلطعون.
  • المكسرات وزيت الكانولا والبندق البرازيلي.
  • بذور الكتان المطحونة.
  • الفواكه.
  • الخضراوات الخضراء الداكنة.
  • البقوليات.
  • اللحوم قليلة الدهون.
  • منتجات الألبان قليلة الدسم.
  • الحبوب الكاملة.
  • الشوكولاتة.

إذا كنت من الأشخاص الذين يشعرون بالحساسية تجاه مادة الكافيين الموجودة في القهوة، فيجب عليك تقليل الكمية التي تحتسيها يوميًا؛ فقد وُجد أن القهوة تؤثر سلبًا في هؤلاء الأشخاص وتزيد مستوى الاكتئاب لديهم حتى وإن كانت تبقيهم متيقظين.

دور علم النفس الصحي في التوعية بأهمية التغذية السليمة

يهتم علم النفس الصحي بدراسة السلوكات التي تؤثر في صحة الإنسان بالسلب، ويضع خططًا لتغيير هذه السلوكات الخاطئة من خلال توعية الناس بمخاطرها وتحفيزهم لتغييرها.

ومن هنا يأتي دور علم النفس الصحي في توعية الناس بأهمية التغذية السليمة للمحافظة على صحتهم الجسدية
والنفسية وتحسين حالتهم المزاجية، بجانب تحفيزهم لتغيير السلوكات الغذائية الخاطئة -مثل الإكثار من تناول الوجبات السريعة وعدم ممارسة الرياضة، وغيرها-، وذلك من خلال إبراز المخاطر الصحية والنفسية التي تؤدي إليها هذه السلوكات.

لقد ساعدنا علم النفس الغذائي كثيرًا على فهم كيف يمكن للطعام أن يؤثر في مزاجنا وحالتنا النفسية، وهذا ما
يجعلنا نسعى لتغيير سلوكاتنا الغذائية الخاطئة، ونحرص على اتباع الأنظمة الغذائية السليمة، ليس فقط للمحافظة على صحتنا الجسدية، بل لنحسِّن من حالتنا النفسية ونهنأ بحياة سعيدة أيضًا.

المصدر
Food & NutritionWhat is Nutritional Psychology?Nutritional psychiatry: Your brain on foodStudying Health Psychology and Illness
اظهر المزيد

Mohamed Ebaid

محمد عبيد، مترجم وكاتب محتوى ومدقق لغوي وأدرس الطب البشري. شغوف باللغة العربية وهدفي إثراء المحتوى العربي بعلم يُنتفع به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى