عيوب القيادة الديمقراطية | الوجه الآخر

أشرقت شمس يوم جديد…
كعادتي كل صباح، أستيقظ وأرتدي ملابسي، ثم أستقل سيارتي لأصطحب صديقي إلى مقر الشركة التي نعمل بها.
وصلنا أخيرًا بعدما جاوزنا الزحام بأعجوبة، وجلستُ على مكتبي، ثم فحصت بريدي الإلكتروني لمعرفة آخر المستجدات.
أحد الرسائل الواردة تُبلِغنا ببدء التصويت لانتخاب مدير جديد للإدارة التي أعمل بها، كنوع من تطبيق مبادئ القيادة الديمقراطية، وقد طرحوا اسمين للاختيار بينهما.
أحد المرشحين ذو كفاءة عالية ومعروف بالتفاني في العمل، والآخر أقل منه كفاءة إلا أنه ذو صلة وطيدة برؤساء مجلس الإدارة، وتمتد علاقاته إلى أغلب العاملين بالشركة.
في اليوم التالي وبعد انتهاء التصويت، أُعلِنَت النتيجة بفوز ذلك الأقل كفاءة لحصوله على أغلبية الأصوات،
في مشهد يُظهِرُ جليًا عيوب القيادة الديمقراطية.
نتحدث في هذا المقال عن عيوب القيادة الديمقراطية، مع لمحة عن ماهية القيادة الديمقراطية وأهم إيجابياتها.
القيادة الديمقراطية
يمُرُّ على أسماعنا -مرارًا وتكرارًا- مصطلح “القيادة الديمقراطية”، وتكاد لا تخلو قناة فضائية إخبارية من برنامج يتحدث عن القيادة الديمقراطية.
فقد صار الجميع -علماؤهم وجهالُهم، شيوخُهم وأطفالُهم، رجالُهم ونساؤهم- يتغنون بالديمقراطية في كل موطن دون أدنى دراية بها.
أقربُ الأمور التي عشناها مؤخرًا سباق انتخابات الرئاسة الأمريكية بين (دونالد ترامب) و(جو بايدن)،
والذي انتهى بفوز (جو بايدن) رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية وممثلًا الحزب الديمقراطي.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
فرح أكثر الناس بفوز (بايدن) على (ترامب). لكن إذا سألتَ أحدَهم عن سبب فرحه بفوز (بايدن)، يرد بأنه ديمقراطيٌ حزبًا وسياسةً!
ثم يأتي السؤال الذي يسود بعده الصمت، حتى تكاد تسمع صوت صرصور الحقل: “ماذا تعرف عن القيادة الديمقراطية؟“!
يتوقف العقل لوهلةٍ أمام السؤال، ثم تأتي بعده بعض الردود التي لا تمت لواقع الديمقراطية بصلة؛ ردود تمثل مفاهيم خاطئة أو اجتهادات من أصحابها لمجرد حفظ ماء الوجه.
إذن، ما مفهوم القيادة الديمقراطية؟
في البداية نتعرف إلى أصل مصطلح (ديمقراطية)…
فالديمقراطية كلمة يونانية الأصل، تتكون من شقَّيْن هما: (ديموس) وتعني (عامة الناس)، والآخر (كراتوس) وتعني (الحكم)، أي أنها تعني مجملًا “حكم الناس بالناس” أو “حكم الشعب بالشعب”.
والقيادة الديمقراطية -وتُعرَف أيضًا بـ”القيادة التشاركية“- إحدى أساليب القيادة المعروفة، والتي يتشارك فيها الأعضاء في صنع القرارات ويؤخذ برأي الأغلبية.
ولا تقتصر القيادة الديمقراطية على الأمور السياسية فقط؛ وإنما يمكن تطبيقها على مستوى المؤسسات المختلفة كالشركات، والمدارس، والمؤسسات الحكومية.

وعلى الرغم من أنها قيادة تشاركية وفي ظاهرها نرى ارتفاع صوت الحريات، فإن عيوب القيادة الديمقراطية عديدة وربما لا يرغب بها الكثيرون.
ولمزيد من التعمق في معرفة مفهوم القيادة الديمقراطية، نجيب عن سؤالين مهمين منعًا لاختلاط المفاهيم.
ما الفرق بين الديمقراطية والشورى؟
لسنا هنا بصدد الحديث أو المقارنة بين أنظمة سياسية للقيادة، ولكن اختلطت الأمور على الكثير من الناس في هذه المسألة -كما ذكرنا- حتى يكاد أحدهم يجزم أن القيادة الديمقراطية هي الشورى.
ولكن شتان بين هذه وتلك؛ فكلتاهما تشاركية، ولكن هناك فروق جوهرية بين الديمقراطية والشورى نستعرض بعضها لإزالة اللبس في هذه المسألة.
الديمقراطية إحدى أنظمة القيادة الغربية التي ظهرت في العصور الوسطى لمقاومة الاستبداد والظلم، وهي
-كما تقدَّم ذِكره- قائمة على رأي الأغلبية.
أما الشورى، فتدخل في إطار القيادة الإسلامية التي أمر اللهُ بها رسولَه، وتقوم الشورى على رأي أهل الخبرة دون النظر إلى عددهم، ويُؤخذ بالرأي الأصوب والأصلح، ولو كان من قلة قليلة.
ما الفرق بين الديمقراطية والأوتوقراطية؟
القيادة الأوتوقراطية -وتُعرَف أيضًا بـ”القيادة الاستبدادية”- نظام قيادي يتميز بالسيطرة الفردية واتخاذ جميع القرارات دون النظر إلى الآراء الأخرى، وهي على النقيض التام من القيادة الديمقراطية التي أوضحناها سابقًا.
والإنسان الأوتوقراطي لا يقبل النصيحة، بل يمثل السيطرة المطلقة التي قد تصل إلى الدكتاتورية الاستبدادية،
وهذا -أيضًا- عكس الإنسان الديمقراطي الذي يتقبل الآراء المختلفة بصدر رحب.
اقرأ أيضًا الفرق بين القيادة والتسلط.
وبعد إعطاء لمحة سريعة عن مفهوم الديمقراطية وأصل نشأتها، نتحدث عن إيجابياتها، ثم نخوض في الحديث عن عيوب القيادة الديمقراطية.
إيجابيات القيادة الديمقراطية

إن لكل نظام موضوع إيجابيات وسلبيات، وتختلف نظرة الناس إلى سلبيات وإيجابيات نظام ما بناءً على عدة أسباب،
تندرج تحتها: الأهواء، والأيديولوجيا، والظروف المحيطة، وغيرها من الأسباب.
لكن يظل المقياس الأساسي للنظام القيادي هو قدرته على الإصلاح أو الإفساد عند تطبيقه على أرض الواقع.
ونذكر -فيما يأتي- أبرز إيجابيات القيادة الديمقراطية في مكان العمل، والذي يمثل صورة مصغرة لمؤسساتٍ أكبر تُطبَّق فيها أنظمة القيادة التي تُظهِر -في النهاية- نجاحًا أو فشلًا. ومن أهم الإيجابيات:
- سهولة الممارسة
من السهل على الجميع ممارسة القيادة الديمقراطية، حتى أولئك الذين ما زالوا في بداية عملهم كمديرين يستطيعون استخدامها، لجمع المزيد من الآراء لتقييم النتائج بشكل أفضل.
- القدرة على حل المشكلات المعقدة
بحيث يستفيد القائد الديمقراطي من القدرات الإبداعية للفريق في حل المشكلات المعقدة بطريقة مبتكرة، ربما لم يكن ليصل إليها عند اتخاذ القرار بمفرده.
- بناء علاقات قوية بين أعضاء الفريق
فالقيادة الديمقراطية تساعد على بناء العلاقات بين أعضاء الفريق الواحد بتشارك الآراء واحترامها فيما بينهم،
وكذلك تساعد على بناء العلاقات مع المسؤولين التي تفيد أعضاء الفريق على المدى البعيد.
- إظهار رؤية المؤسسة بوضوح لأعضاء الفريق
وبخاصة الموظفين الجدد الذين لم يطَّلعوا على أهداف الشركة بعد؛ فتطبيق القيادة الديمقراطية يساعدهم على مواكبة الأحداث ومجريات الأمور.
- خلق مستويات عالية من الرضا الوظيفي
فحينما تشعر أن رأيك مسموع ومحترم، وأنك تستطيع التعبير عنه بكل حرية، بل إن لرأيك بالغ الأثر في القرارات المصيرية، حينها تشعر في قرارة نفسك بالرضا الوظيفي.
سلبيات القيادة الديمقراطية

تكلمنا عن إيجابيات القيادة الديمقراطية، ولكن لا يغرك ذلك الوجه الحسن الذي يبدو لك، فكما قال الزعيم الراحل (أنور السادات): “إنَّ لِلْدِيمُقْرَاطِيَّةِ أنْيَابًا”.
فإذا رأيتَ الجانب الجميل من أمر ما، لا تتقبله قبل أن تنظر إلى كل جوانبه؛ فلربما كشَّر الجانب السيئ منه عن أنيابه وقد فات الأوان!
عيوب القيادة الديمقراطية ليست بالهينة، وربما تجعلك تغير رأيك في هذا النظام القيادي برمته. ومن أبرز سلبيات القيادة الديمقراطية ما يلي:
- انتشار الفوضى
تؤدي إساءة استخدام الديمقراطية -أحيانًا- إلى انتشار الفوضى؛ الجميع يريد الإدلاء برأيه حتى وإن لم يكن من أهل الاختصاص، فالجميع ذوو حق ورأي -طبقًا لمبادئ الديمقراطية-.
وهذا حتمًا سيؤدي إلى فوضى عارمة في حال استخدام الحريات دون ضابط ولا رابط يجعل من الحرية مصدرًا للتقدم، بل حينها تصبح الديمقراطية قنبلة موقوتة.
- التنافر بين الناس
الناس مختلفون في طباعهم وأفكارهم، وبالتالي آرائهم. والأخذ برأي الأغلبية الذي قد يكون خاطئًا سيؤدي حتمًا
إلى شعور البقية بسفاهة آرائهم، مما يجعلهم يتنافرون مع الآخرين، الأمر الذي قد يخلق بيئة عمل سامة.
- التخلي عن المبادئ
من أجل بلوغ الأهداف، تسقط الأقنعة وتتغير الأخلاق وتموت الضمائر. لذا، نجد أن من عيوب القيادة الديمقراطية التخلي عن المبادئ وفتح باب الأمور غير السوية، مثل الرشوة والرياء في تقديم الخدمات.
- عدم إصابة القرارات السليمة في بعض الأحيان
فمن أكبر عيوب القيادة الديمقراطية قيامها على رأي الأغلبية، فإذا طُرِح قانون جديد أو همَّ القائد باتخاذ قرار ما وعُرِض على الناس لجمع الآراء، حينها ترجح كفة الأغلبية وما اختاروه، ولو كان شنيع الضرر.
- التأخر في اتخاذ القرارات المصيرية
القرار المصيري يحتاج إلى إصدار فوري ربما من القائد ذاته دون الرجوع لأحد. لذا، فالديمقراطية واختلاف الآراء في موقف كهذا سيؤدي بالضرورة إلى التأخر في اتخاذ القرار المصيري على النحو الواجب.
- اختفاء الملامح الواضحة للقيادة
وهذا -أيضًا- من أسوأ عيوب القيادة الديمقراطية، حيث يتساوى القائد مع أفراد الفريق، ويبدو لأعضاء الفريق أن الجميع متساوون على صعيد واحد مع اختلاف الأدوار.
وبالتدريج، تحدث المفارقات والاختلافات، ويتطاول الأعضاء على قائد الفريق، مما يؤدي في النهاية إلى تعطيل العمل.
اقرأ أيضًا الفرق بين المدير والقائد والرئيس ودور كلٍ منهم.
ختامًا عزيزي القارئ…
لا تنجرف وراء الشعارات الكاذبة، وانظر إلى الأمور بمنظور مثالي، وزِنْها بميزان العقل والحكمة، وعليك معرفة مفاهيم المصطلحات قبل ترديدها وتطبيقها؛ فلربما ألحقت الضرر بنفسك أو بغيرك!