ترياق الأمراض النفسيةترياق المرأة

فصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis)

لطالما انتظرت تلك اللحظة التي تلد فيها زوجتي الحبيبة…

وتخيلت كثيرًا كم سأعشق طفلتي وأساعد زوجتي في الاعتناء بها، ولِمَ لا، وقد رزقني الله بقطعة منها؟!

وها قد جاءت اللحظة المنتظرة، وأنجبت زوجتي طفلة جميلة، وفرحنا بها جدًّا…

ولكن، تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن!

فبعد أيام قليلة من الولادة، تحولت حياتنا الهادئة إلى جحيم؛ لقد تغيرت زوجتي كثيرًا، بل صرت لا أعرفها!

من تلك المرأة التي تحاول إيذاء طفلتها، تعضها، تضربها…؟! إنها ليست المرأة التي أحببتها!

فصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis)… إنه الكابوس الذي أعيشه الآن!

لقد كنت أراقب زوجتي خوفًا عليها وعلى طفلتي، ولكن صار الأمر يفوق احتمالي، فنصحتني والدتها باستشارة أحد الأطباء المتخصصين.

شخَّص الطبيب إصابة زوجتي الحبيبة بفصام ما بعد الولادة، وطمأنني كثيرًا عندما أخبرني أن زوجتي ستتعافى وتعود إلى طبيعتها بعد العلاج.

سنتحدث في السطور القادمة عن الفصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis)، وأسبابه، وأعراضه، وطرق علاجه، وسنتطرق أيضًا إلى اكتئاب ما بعد الولادة، ووسواس ما بعد الولادة… فتابع معنا هذا المقال.

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

فصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis)

الفصام ما بعد الولادة أحد الاضطرابات النفسية التي تصيب السيدات بعد الإنجاب، بل وأشدها خطرًا.

ويطلق عليه أيضًا “جنون النفاس” أو “ذهان النفاس” أو “ذهان ما بعد الولادة” أو “Puerperal psychosis”.

يعد فصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis) مرضًا عقليًا نادرًا وشديد الخطورة؛ فهو يصيب ما بين امرأة واحدة إلى امرأتين لكل ألف امرأة.

ولكنه -لحسن الحظ- مرض يمكن علاجه، ومن ثم تستطيع المريضة استعادة قدرتها مجددًا على الاهتمام بوليدها.

عادة ما تبدأ الإصابة بجنون النفاس في الأيام القليلة الأولى أو الأسابيع الأولى التي تلي الإنجاب، وقد يحدث -فجأة- للنساء اللواتي لم تسبق لهن الإصابة بأحد الاضطرابات النفسية.

ولكن النساء اللواتي لديهن تاريخ مرضي للإصابة بالاضطرابات النفسية أكثر عرضة للإصابة بفصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis).

إن الإصابة بذهان ما بعد الولادة تجربة مخيفة وصادمة ليس للمريضة فقط، ولكن أيضًا لزوجها وعائلتها وأصدقائها.

إذ تعاني بعض السيدات هلاوس سمعية تحثها على إيذاء صغيرها أو قتل نفسها، ولذا؛ فإن فصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis) يعد حالة طبية طارئة تستلزم التدخل الطبي الفوري.

ولعلك تتساءل -عزيزي القارئ: «هل هناك فرق بين فصام ما بعد الولادة القيصرية وفصام ما بعد الولادة الطبيعية؟».

لنتعرف -أولًا- أسباب الإصابة؛ لنتمكن من الإجابة عن هذا السؤال.

أسباب فصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis)

لا يزال السبب الدقيق للإصابة بفصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis) غير معلوم، ولكن يوجد بعض العوامل التي تزيد خطر الإصابة به، ونذكر منها:

  • التاريخ العائلي للإصابة بفصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis).
  • التاريخ المرضي للإصابة بالاضطراب ثنائي القطب أو الفصام أو أحد الاضطرابات النفسية الأخرى.
  • الحرمان الشديد من النوم الذي يصاحب الفترة الأولى بعد الولادة.
  • التغيرات الهرمونية التي تعانيها المرأة بعد الإنجاب.
  • الولادة المتعسرة أو المؤلمة.
  • التعرض لتجربة حمل سيئة.
  • التوقف عن تناول الأدوية النفسية في أثناء الحمل.

وللإجابة عن سؤالنا السابق: هل هناك فرق بين فصام ما بعد الولادة الطبيعية وفصام ما بعد الولادة القيصرية؟

لا؛ فقد تمر الكثير من السيدات بتجربة ولادة متعسرة، وهو ما قد يؤدي إلى الإصابة بهذا الاضطراب بغض النظر عن نوع الولادة التي خضعن لها.

أعراض فصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis)

عادة ما تبدأ الأعراض في الظهور في غضون أسبوعين من الولادة، وتتشابه تلك الأعراض مع أعراض نوبة الهوس في الاضطراب ثنائي القطب.

وتبدأ الأعراض خفيفة، مثل: الأرق، والشعور بالضيق، والانفعال الشديد… ثم تصبح الأعراض أكثر حدة، ونذكر منها:

  • هلاوس سمعية (تحث الأم على إيذاء طفلها أو قتل نفسها).
  • ضلالات.
  • جنون الشك والارتياب.
  • ضبابية التفكير.
  • سلوكات خطرة.
  • تقلبات مزاجية شديدة (التأرجح بين الحزن الشديد والهوس الشديد).
  • أفكار انتحارية، أو أفكار تتمحور حول إيذاء الطفل.
  • القلق الشديد.
  • الأرق.
  • الغضب الشديد.

تتصرف الأم المصابة بفصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis) بطريقة مغايرة لطبيعتها؛ وهو ما يجعل تلك التجربة مخيفة لها ولعائلتها.

علاج فصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis)

فصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis) هو اضطراب نفسي خطر، ويجب التعامل مع المرأة المصابة به كحالة طبية طارئة.

وقد تسوء حالة المريضة كثيرًا إذا لم تُعَالَج؛ وهو ما قد يعرِّض حياتها وحياة طفلها للخطر.

واعلم -عزيزي القارئ- أن المرأة المصابة لن تدرك -أبدًا- أنها مريضة أو أنها تعاني خطبًا ما، ولذا؛ يقع على عاتق زوجها وعائلتها والمقربين إليها مسؤولية اكتشاف تلك الأعراض واستشارة الطبيب فورًا.

عادة ما تتلقى المريضة العلاج في المستشفى أو أحد المراكز المتخصصة، وخاصة في الأيام الأولى من العلاج.

وتشمل خيارات العلاج المستخدمة:

الأدوية

قد يصف الطبيب بعض الأدوية لعلاج فصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis). 

تهدف تلك الأدوية إلى تقليل الاكتئاب، وتحسين الحالة المزاجية، وعلاج الأعراض الذهانية، ومن أمثلتها:

  • مضادات الذهان، مثل: ريسبيريدون: تقلل تلك الأدوية الهلاوس والضلالات التي تعانيها المريضة.
  • مثبتات المزاج، مثل: الليثيوم: تستخدم تلك الأدوية للسيطرة على نوبات الهوس.
  • مضادات الاكتئاب: تساعد تلك الأدوية المريضة على التغلب على نوبات الاكتئاب.

العلاج النفسي

يعد العلاج السلوكي المعرفي فعالًا في علاج فصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis).

إذ يساعد المريضة على فهم أفكارها غير المنطقية ومخاوفها وسلوكاتها الغريبة، وتعلُّم كيفية التعامل الصحي معها.

العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT)

يُستخدم هذا العلاج إذا رأى الطبيب ضرورة لذلك، أو لتجنب الآثار الجانبية للأدوية على الرضيع.

وجدير بالذكر، أن معظم المصابات بفصام ما بعد الولادة (Postpartum psychosis) يتعافين تمامًا ويستعدن قدرتهن على الاعتناء بأبنائهن مجددًا، ولكن تكمن كلمة السر في التشخيص المبكر والعلاج المناسب.

اكتئاب ما بعد الولادة

هو أشهر الاضطرابات النفسية التي تصيب السيدات بعد الولادة، بل وأكثرها شيوعًا.

تقع كثير من السيدات بعد الإنجاب فريسة لمشاعر الحزن والقلق والاكتئاب، ويعاني ما يقارب ثمانين بالمائة من السيدات “الكآبة النفاسية” في الأيام الأولى التي تلي الولادة.

وعادة ما تتحسن حالتهن المزاجية، ويتغلبن على مشاعر الحزن والاكتئاب في غضون أسبوع إلى أسبوعين بعد الولادة.

ولكن، إن كنتِ -سيدتي- بعد مرور أسبوعين لا تزالين تعانين تقلبات مزاجية حادة، وتستحوذ عليكِ مشاعر الحزن والقلق واليأس، وهو ما يؤثر في قدرتكِ على الاهتمام بطفلك؛ فعليك أن تدركي أنكِ تعانين اكتئاب ما بعد الولادة.

مدة اكتئاب ما بعد الولادة

تختلف مدة اكتئاب ما بعد الولادة من مريضة لأخرى تبعًا لحِدة الأعراض التي تعانيها، وتاريخها المرضي، وسرعة التشخيص.

فقد تستمر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة شهورًا أو حتى سنوات إذا تُرِكَت دون علاج.

ولا ينبغي لكِ -سيدتي- الاستسلام لهذا المرض الذي ينهش روحكِ، ولكن عليكِ استشارة الطبيب.

علاج اكتئاب ما بعد الولادة

تشمل خيارات علاج اكتئاب ما بعد الولادة: استخدام مضادات الاكتئاب المناسبة، والعلاج النفسي.

ليس من الآمن تناول مضادات الاكتئاب دون استشارة الطبيب، وخاصة إن كنتِ ترضعين طفلك.

ويعد العلاج السلوكي المعرفي ومجموعات الدعم أكثر العلاجات النفسية الفعالة التي تستخدم في علاج اكتئاب ما بعد الولادة.

وسواس ما بعد الولادة

نوع آخر من الاضطرابات النفسية التي تصيب السيدات بعد الولادة، ولكن يصعب تشخيصه.

يعد وسواس ما بعد الولادة أحد اضطرابات القلق، وهنا تعاني الأم الكثير من الوساوس والأفكار غير المنطقية التي ترتبط بسلامة وليدها.

تعوق تلك الأفكار والوساوس القهرية والأفعال المتكررة المريضة عن الاستمتاع بتجربة الأمومة، وتعطلها عن أداء مهامها؛ فهي حبيسة تلك السلوكات.

عادة ما تكون السيدات المصابات بوسواس ما بعد الولادة على دراية بأفكارهن غير المنطقية، ولكن -مع الأسف- لا يستطعن السيطرة عليها. 

كونك امرأة قد يجعلكِ فريسة للعديد من الاضطرابات النفسية؛ نظرًا للتغيرات الهرمونية التي تجتاح جسدكِ من وقت لآخر.

ولكن، يعد الفصام ما بعد الولادة “Postpartum psychosis” أكثرها خطرًا رغم ندرته؛ فهو قد يهدد حياتك وحياة طفلك الصغير الذي طالما حلمتِ بحمله بين يديكِ.

ولكن، لا تيأسي -عزيزتي-؛ سيساعدك التشخيص المبكر والعلاج المناسب على التعافي، واستعادة السيطرة على حياتك، والاهتمام بصغيرك من جديد.

المصدر
POSTPARTUM PSYCHOSIS/Postpartum DepressionHow Long Can Postpartum Depression Last — and Can You Shorten It?The Basics of Postpartum Obsessive Compulsive Disorder (OCD)
اظهر المزيد

د. أمل فوزي

أمل فوزي، صيدلانية، أعمل في الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية. أعشق الكتابة، وأجيد البحث، أستمتع بكتابة المقالات الطبية بأسلوب سلس وبسيط، هدفي الارتقاء بمستوى المحتوى الطبي العربي، ونشر العلم من مصادره الموثوقة لينتفع به القارئ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى