كثرة الكلام عند النساء | حقيقة أَمْ مبالغة؟

“أكاد أجن من كثرة الكلام لدى زوجتي؛ فبالأمس تحدثت مع والدتها ما يقرب من ساعتين على الهاتف، ثم اتصلت بعد ذلك بأختها واستمرت المكالمة ما يقرب من ساعة ونصف!
ومنذ ساعة، رأيتها تتسامر مع جارتنا من خلال الشرفة، وما زال الحديث مستمرًا حتى هذه اللحظة!
من أين تأتي النساء بهذه القدرة على الكلام؟! هذا أمر يدعو إلى الدهشة حقًا!”.
إن كنت رجلًا -عزيزي القارئ-، فربما تشعر أن رواية صديقنا هنا حقيقية للغاية، وأنك تعايش تلك القصة كل يوم مع النساء في محيطك.
أما إذا كنتِ -عزيزتي- امرأة، فربما تشعرين الآن بالغضب، وأن الرجال متحاملون عليكِ ويريدون إسكاتك بأي شكل.
حسنًا… ما رأيكم بأن نتابع سويًا قراءة هذا المقال، الذي حاولنا فيه استعراض موضوع “الثرثرة عند النساء” من وجهة النظر العلمية والنفسية، هل الأمر حقيقي فعلًا أَمْ مبالغة؟ وإن كان حقيقيًا، فما سبب ذلك؟
هل تتحدث النساء أكثر من الرجال؟
هل قرأتم كتاب “الرجال من المريخ والنساء من الزهرة” لطبيب النفس الأمريكي “جون جراي”؟
في هذا الكتاب، يتحدث المؤلف عن اختلاف طبائع كل من النساء والرجال، وكيف يؤثر هذا الاختلاف على طريقة تواصلهما.
فنجد النساء في علاقاتهن الحياتية -وأعني بـ”الحياتية” هنا: العلاقات مع الأصدقاء والأهل وشركاء الحياة-
كثيرات الكلام فعلًا لأن طبيعتهن تستدعي ذلك:
- فهن يشعرن بالطمأنينة والأمان عندما يشاركن مشاعرهن وهمومهن مع المقربين منهن.
- يمثل التواصل مع الآخرين أمرًا هامًا للمرأة من الناحية النفسية والعاطفية، ويُشعِرها بالانسجام مع المحيطين بها، وبتقبُّلهم لها.
على سبيل المثال: الرجل غالبًا ما تكون له أهداف واضحة ومحددة لحديثه مع الآخرين؛ فهو يحادث صديقه أو جاره
لسؤاله عن أحواله أو عن أي شيء آخر، وعادةً ما تكون المحادثة قصيرة ومقتضبة طالما أدت الغرض منها.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
أما المرأة، فيمكنها أن تسرد في الحديث مع جارتها أو صديقتها -بدون هدف واضح- فقط لأنها تريد أن تبني جسور
الود معها، ولأن ذلك يشعرها بالراحة النفسية.

إذن، فهذا طبيعي وصحي للنساء، ويجعلهن أكثر قدرة على تقديم الدعم النفسي للآخرين، بل وطلبه أيضًا إذا دعت الحاجة، لأنهن قادرات على التحدث والتعبير عن أنفسهن.
لكن…
النساء قليلات الكلام في الحياة العامة
وأعني بـ”الحياة العامة” هنا: الأحاديث الرسمية في العمل، والشارع، ومع الأغراب بصفة عامة.
وجدت الدراسات أن الرجال يكثرون من الثرثرة إذا كان الأمر متعلقًا بالعمل مقارنةً بالنساء، وأرجعت تلك الدراسات السبب وراء ذلك إلى خوف النساء من كثرة الكلام في هذه الأمور:
- فهن يشعرن أنهن متهمات دائمًا بالثرثرة، ويحاولن تجنُّب ذلك.
- يشعرن أن آراء الرجال في العمل تؤخَذ بعين الاعتبار، بينما يتجاهل القائمون على العمل آرائهن عن عمد.
- الخوف من الوقوع في الخطأ: ما زالت بعض المجتمعات تعامل المرأة على أنها أقل كفاءة من الرجل،
وغير قادرة على إفادة العمل مثله، فتخشى المرأة من كثرة الحديث حتى تتجنب الخطأ وحكم الآخرين عليها.
إذن، فكثرة الكلام ليست أمرًا قاصرًا على النساء؛ بل يثرثر كل من النساء والرجال أحيانًا، ولكن باختلاف الموقف.
دعونا نتحدث الآن عن كثرة الكلام في علم النفس، لماذا قد يتحدث أحدهم كثيرًا، رجلًا كان أو امرأة؟
أسباب كثرة الكلام
في بعض الأحيان، نشعر وكأننا قد تحولنا إلى إذاعة متنقلة؛ نتكلم كثيرًا ولا نتوقف. بينما في أحيان أخرى،
قد لا نتحدث بهذا الكم من الكلمات. إذن، فالأمر هنا لم يَعُدْ طبيعة شخصية، بل يوجَد سبب أدَّى إلى كثرة الكلام.
من هذه الأسباب:
- التحدث عن أنفسنا
وجدت الدراسات أن الحديث عن النفس يساعد المخ على إفراز هرمون الدوبامين الذي يُشعِرنا بالسعادة. لذا،
قد يتحول أحدنا إلى ثرثار عندما يتعلق الأمر بالحديث عن نفسه.
- التحدث لاستعراض كمية المعلومات التي نعرفها
قد يكثر بعض الأشخاص الكلام ليبين لمِنْ يتحدث إليه مقدار ثقافته وإطلاعه، ويظن بأن ذلك يعطيه مزيدًا من التميز،
لكن الحقيقة أن العكس غالبًا ما يحدث.
- التحدث عند الشعور بالعصبية أو الخوف
عندما نتحدث ونحن خائفون أو شاعرون بالضغط العصبي لسبب ما، قد نكثر الكلام لأن ذلك يساعدنا على تخفيف التوتر والقلق إلى حد ما.
- التحدث من أجل إقناع أحدهم بتغيير رأيه
نظن في تلك الحالة أن كثرة الكلام ستساعدنا على إقناع الآخرين بوجهة نظرنا، لكن سرد الحقائق فقط بدون إسهاب قد
يكون كافيًا، وقد تأتي كثرة الحديث بنتيجة عكسية.
- التحدث لتجنُّب الصمت
نلاحظ ذلك في التجمعات العائلية، أو عند مقابلة أحدهم بصورة ودية لأول مرة، نخشى الصمت حتى لا يشعر
الآخرون بالحرج، فنظل نتحدث طويلًا بلا هدف في أغلب الأحيان.
لكن، هل تؤثر كثرة الكلام بالسلب على حياتنا، هذا ما سنعرفه في الفقرة القادمة…
أضرار كثرة الكلام

قد تشعرنا كثرة الكلام بالراحة النفسية والاندماج، لكنها قد تكون عادة سيئة أيضًا تجلب لنا العديد من المشاكل،
وذلك للأسباب الآتية:
- كثرة الكلام تجعل آذاننا مغلقة
عندما نتحدث كثيرًا، نستمع قليلًا، وهذا يجعل فرصتنا في التعلم من تجارب الآخرين ضعيفة؛ فنحن لم نسمح لهم
بالتحدث حتى نستمع إليهم ونتعلم منهم، بل بذلنا جُلَّ طاقتنا في الكلام بدلًا من الاستماع.
كثرة الكلام أيضًا تشتت من انتباهنا، وتجعل قدرتنا على الملاحظة أقل.
- كثرة الكلام تؤدي إلى كثرة الخطأ
من يتحدث كثيرًا، يخطئ كثيرًا، لأن كثير الكلام عادة لا يفكر في كل ما يقوله، خاصةً إذا كان يتحدث من أجل إظهار
براعته في أمر ما؛ فكثرة كلامه غالبًا ما تكون وبالًا عليه في تلك الحالة، وتُبيِّن العكس لدى مَنْ يحادثه.
- كثرة الكلام تُعيقنا عن العمل
يقولون: “إن مَنْ يتكلم لا يعمل، ومَنْ يعمل لا يتكلم”. لذا، إذا كنت تكثر الكلام عن أهدافك ومشاريعك فقط، فاعلم أنك
لن تتحرك خطوة واحدة للأمام.
كف عن الكلام، وابدأ العمل!
إذن، ما السبيل -الآن- للتغلب على الثرثرة؟
علاج الثرثرة وكثرة الكلام

إليكم بعض النصائح التي قد تساعدكم على تقليل الكلام:
- تحكَّم في انفعالاتك
الانفعال والتوتر غالبًا ما يكون سببًا في الاندفاع نحو الكلام غير المنظَّم. لذا، إذا سيطرت على انفعالك، ستستطيع تقليل كلامك.
للتحكم في انفعالاتك، تدرَّب على التوقف قليلًا بين الحين والآخر وأنت تتحدث، وحاوِل أخذ نفس عميق؛ فهذا سيقلل
من توترك واندفاعك في الكلام.
- تدرَّب على عدم مقاطعة الآخرين
كثير الكلام غالبًا ما يقاطع الآخرين في أثناء تحدُّثهم. لذا، لا تقاطع الآخرين، ولا تحاول إكمال جُمَلهم، بل أعطهم
مساحة من الوقت للتحدث، واستمع فقط.
- فكِّر في الكلام قبل التحدث
إذا فكرت في كلماتك قبل النطق بها، فغالبًا ستجد أكثرها غير مهمة، وستجد نفسك تلقائيًا تتوقف عن قولها.
- تقبَّل الاختلاف في الرأي
ستجد أن معظم ثرثرتك من أجل إقناع الآخرين بشيء ما، فإذا تقبَّلت الاختلاف، وعلمت أنه لا بأس في ألا يتفق معنا
الآخرون دائمًا، ستعزف من تلقاء نفسك عن الكلام.
- جرِّب طرح الأسئلة
إذا وجدت نفسك في وقت ما مضطرًا للتحدث لمجرد ملء الصمت، جرِّب أن تطرح الأسئلة على المتواجدين معك،
واستمع إلى إجاباتهم بدلًا من أخذ المبادرة في الكلام.
في النهاية، فلتتذكر دائمًا -يا صديقي- المقولة الشهيرة (إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب). فحاول دائمًا أن تمسك عليك لسانك، وألا تتكلم إلا بما ينفعك.