ما لا تعرفه عن الصرع

كانت لي صديقة في المرحلة الثانوية تشكو من التشنجات التي تصيبها، وحدث أن شهدتُ هذه الحالة يوما عندما أصابتها في أثناء اليوم الدراسي. لم أكن أعرف ما الذي ينبغي فعله؟ أصابني القلق عليها وسألت عن هذا المرض، وعرفت أنه الصرع. قالوا لعله حالة نفسية أصابتها وسمعت عن الصرع النفسي. حاولت أن أعرف ما هو سببه عند صديقتي وكيف أساعدها خلال وبعد نوبة الصرع؟ هناك أسئلة أخرى مهمة مثل: كيفية الوقاية من الصرع، وما هو علاج الصرع نهائيا؟

أجيبك عزيزي القارئ على هذه الأسئلة حالا من خلال هذه المقالة. 

خلفية طبية حول الصرع

هو مرض يصيب الإنسان نتيجة خلل بالجهاز العصبي المركزي. ينجم عنه ظهور التشنجات، وتغيير في السلوك وبعض الأعراض الأخرى.

يظهر الصرع لأول مرة في أي مرحلة من العمر، وإن كان أغلب المصابين يشخصون في الطفولة. 

هناك صور متعددة لتشنجات الصرع، تتراوح بين أن يحدق المريض في الفراغ وأن يرتج جميع جسده بانقباضات سريعة متكررة لعضلات الأطراف الأربعة. 

تتوقف التشنجات بعد انقضاء ثوان أو دقائق، ثم يدخل المريض في حالة “ما بعد التشنجات”. ثم يعود المريض تدريجيا لممارسة أنشطته الحياتية بصورة طبيعية.

متى يتم تشخيص المريض بالصرع؟

يشخص الطبيب هذه الحالة عندما تحدث للمريض اثنان أو أكثر من النوبات التشنجية التي لا يمكن نسبها لسبب معين. 

إذن نوبة واحدة لا تكفي للتشخيص، كما يشير التعريف إلى أن هناك أسبابا للتشنجات غير الصرع.

نعم، ما فهمته صحيح، فهناك أسباب أخرى للتشنجات مثل:

• التشنجات الحرارية.
• إصابة بالمخ.
• أورام المخ.
• التسمم ببعض العقاقير.
• نقص مستوى السكر بالدم.
• التهاب المخ. 
• الحمى الشوكية (التهاب سحايا المخ).
• الانخفاض المفاجئ لضغط الدم.
• مرض بالقلب مثل عدم انتظام ضرباته.
• داء الكلب.
• مرض التيتانوس.
• السكتة الدماغية.
• تسمم الحمل.

إذا ثبت أن المريض يعاني أحد الحالات المؤقتة السابقة؛ فلا يعتبر هذا صرعا.

السبب وراء الصرع

يحدث الصرع نتيجة نشاط مفرط لمنطقة بالمخ، ويمكن أن يشبه بعاصفة تجتاح المخ، ترسل هذه المنطقة إشارات متكررة للعضلات بصورة سريعة وغير طبيعية؛ مما يؤدي لانقباضات في بعض أجزاء الجسم.

لا يوجد سبب واضح لوجود منطقة عالية النشاط بهذا الشكل، لكن عادة ما يكون هناك عامل وراثي، أي أنه يصيب من لديه تاريخ عائلي لنفس المرض.

أسباب احتمالية الإصابة بالصرع

• التاريخ العائلي: ظهور المرض في فرد آخر بالعائلة.
• العمر: عادة ما يظهر الصرع لأول مرة في أثناء الطفولة أو الشيخوخة، لكنه قد يظهر في أي عمر.
• حالات إصابة الدماغ.
• الأضواء الملونة القوية قد تستثير المخ لتحدث التشنجات.

أنواع تشنجات الصرع

التشنجات العامة:

لها صور متعددة، وفيها تصيب التشنجات جميع الجسم، ويكون المريض غائبا عن الوعي خلالها. 

• التشنجات التوترية الرمعية (النوبة الكبرى): فيها تتوتر جميع العضلات وتتشنج في وضع ثابت، ومن ثم تبدأ الانقباضات والانبساطات المتبادلة. يكون المريض فاقدا للوعي في أثناء هذه النوبة.
• التشنجات التوترية (النوبة الصغرى): تتوتر جميع العضلات ويتشنج الجسد في وضع ثابت وهو امتداد جميع الأطراف.
• التشنجات الانقباضية: تنقبض وتنثني فيها العضلات.
• التغيب عن الوعي: يحدق فيها المريض في الفراغ لفترة ويبدو غير منبه لشيء لبضع ثواني، ثم يكمل ما كان يفعله قبل النوبة.
• التشنجات الارتخائية: يفقد فيها الجسم التوتر تماما فيسقط أرضا.
• التشنجات الارتعاشية: تحدث على صورة ارتعاشات مفاجئة في أحد أجزاء الجسم، كالوجه أو أحد أطراف الجسم.

التشنجات البؤرية:

 تصيب جزء من الجسم وهي نوعان:

• تشنجات بؤرية بسيطة: لا يحدث فيه فقدان للوعي.
• تشنجات بؤرية معقدة: يفقد المريض الوعي خلالها أو يضعف إدراكه لما حوله.

تصيب التشنجات البؤرية جزء أو جانب من الجسد وتؤثر على الحواس مثل التذوق والبصر …..إلخ.

الصرع النفسي

تحدث نوبات التشنجات أحيانا بسبب عضوي واضح مثل: النقص المؤقت لتروية الدم للمخ أو الصداع النصفي… إلخ، لكن هناك نوع آخر من التشنجات يطلق عليه “الصرع النفسي”.

يختلف الصرع النفسي عن الصرع أو التشنجات العضوية، لكنه رغم ذلك يختلط عند العامة بالصرع الحقيقي.

يسمى الصرع النفسي بعدة مسميات مثل: التشنجات غير الصرعية والتشنجات الكاذبة.

يصيب هذا النوع من التشنجات الكاذبة بعضا من المرضى الذين يعانون من ضغوط نفسية أو من مرض نفسي. يكون الصرع النفسي في هذه الحالة نوعا من التحويل للمشاعر لتظهر في صورة عضوية زائفة.

العلامة المميزة هنا أن الأعراض لا تكون متماشية مع الوصف الطبي للتشنجات الصرعية المعتادة. كذلك تجد أن هناك أعراضا أخرى تشير إلى مرض نفسي أو عقلي.

كثيرا ما يتشابه الصرع النفسي مع ادعاء التشنجات، إما محاولة لخداع الطبيب للتهرب من شيء معين مثل الهروب من التجنيد، أو الهروب من التكليف بوظيفة أو الهروب من المحاكمة على ارتكاب جريمة.

يتشابه أيضا مع بعض الأمراض العقلية، والتي يحتاج فيها المريض نفسيا للعب دور المريض لاستقطاب الشفقة والاهتمام.

الأعراض المصاحبة للتشنجات

يتعرض المريض في أثناء نوبة الصرع لمجموعة أعراض مثل:

• ارتفاع حدقة العين لأعلى.
• زيادة معدل التنفس ونبض القلب.
• عدم التحكم في الحركة ووظائف الجسم والإخراج.
• تحول لون الوجه للأحمر أو الأزرق في حال نقص الأوكسجين.

ما هي المضاعفات التي تحدث بسبب الصرع

• الحالة العاطفية السيئة: تنجم عن شعور المريض بأنه مختلف عن الآخرين، أو شعوره بالحرج من مرضه ونظرة الناس له. قد تؤدي تلك المشاعر السلبية إلى حالة من القلق أو الاكتئاب.
• عض اللسان أثناء النوبة.
• الإصابات المختلفة مثل الكسور والجروح: تحدث نتيجة اصطدام الجسم بأشياء صلبة خلال النوبة.
• الحوادث: يصبح الشخص عرضة للحوادث مثل حوادث السير أو الغرق بسبب النوبات التي تحدث خلال القيادة أو السباحة.
• حالة التشنجات المستمرة: هي حالة خطيرة نوعا ما. تحدث إذا استمرت التشنجات لأكثر من خمس دقائق متصلة، أو كانت التشنجات متقطعة خلال هذه الفترة ولكن لا يعود المريض لوعيه بين التشنجات.
• حموضة الدم: في حالة استمرار التشنجات لفترة طويلة.
• الوفاة المفاجئة بسبب الصرع SUDEP: هي حالة نادرة تحدث لحوالي 1% من مرضى التشنجات العامة غير المستجيبة للعلاج بالعقاقير الطبية.
• مخاطر على الجنين في حالة الحمل: بسبب تأثير العقاقير المضادة للتشنجات على الجنين.

علاج الصرع نهائيا

من الصعب القول أن هذا الدواء أو ذاك يمثل علاجًا نهائيًا للصرع؛ لأنه مرض مزمن نتيجة خلل بكهرباء المخ، لكن هناك العديد من طرق العلاج التي تقلل أو تمنع حدوث التشنجات الصرعية.

العلاج الطبي

يتوفر على صورة عقاقير طبية مختلفة، وهناك عقاقير محددة لعلاج أنواع معينة من الصرع. تجمع هذه العقاقير تحت مسمى: العقاقير المضادة للصرع.

يحدد الطبيب الدواء المناسب لنوع التشنجات عند المريض، ويصفه بأقل جرعة ممكنة حسب وزن وعمر المريض. من ثم يقيم استجابة المريض بعد مرور مدة زمنية معينة. 

إذا لم تكن الاستجابة كافية، يرفع الطبيب الجرعة تدريجيا. 

يحتاج المريض أحيانا لتعاطي أكثر من واحد من هذه الأدوية من أجل علاج الصرع نهائيا.

يستفيد بعض الأطفال المصابون بالمرض من النظام الغذائي “كيتو دايت” فيأكلون القليل من الكربوهيدرات والكثير من الدهون المفيدة.

العلاج الجراحي

الجراحة المباشرة:

للجراحة دور محدود ونادر في علاج هذا المرض. فهي تصلح فقط في بعض الحالات التي تكون فيها التشنجات بؤرية. بعض هذه الحالات يتم فيها تحديد جزء المخ ذو النشاط الزائد، ومن ثم يتعامل معه الطبيب جراحيا.

في حال إزالة الجزء المصاب جراحيا وتوقف التشنجات، يكون قد عولج الصرع نهائيا.

تنبيه العصب الحائر:

عن طريق تركيب جهاز صغير في صدر المريض متصلا بالعصب الحائر. يعمل هذا الجهاز على إرسال إشارات لتنبيه العصب الحائر مما يقلل من النوبات.

زراعة إليكترود كهربائي في مهاد المخ:

يُحدث الإليكترود تنشيطا عميقا للمخ، مما يقلل من تتابع التشنجات فيما بعد.

التعامل أثناء النوبة 

• يُمدد المريض على الأرض بلطف. يوضع المريض على الجانب الأيسر أو تميل رأسه للجانب الأيسر. يساعد هذا الوضع على تجنب الاختناق بابتلاع اللسان.
• يجب وضع شيء غير حاد بين أسنان المريض، تجنبا لعض لسانه خلال النوبة.
• ضع وسادة أو شيئا لينا تحت الرأس.
• أبعد عن المريض أي أجسام زجاجية أو حادة أو أي شيء من شأنه أن يجرحه.
• انزع عن المريض ربطة العنق أو أي شيء يخنق أي جزء من جسده، بالأخص الرقبة.
• لا يجب إمساك أيدي وأرجل المريض لمنع حركتها، بل تثبت المفاصل الكبرى فقط مثل المرفقين والركبتين تجنبا لخلع المفاصل أو كسر العظام.

ما هي سبل الوقاية من الصرع؟

يتبادر إلى الذهن هذا السؤال، خصوصا بين الآباء الذين يعاني أحدهم أو أحد أفراد عائلتهم من الصرع. يبحث أولئك الآباء عن طرق الوقاية من الصرع من أجل أبنائهم.

هناك دراسات قليلة حول الوقاية من الصرع باستخدام الأدوية والمواد التي تحتوي على مضادات الأكسدة، أو مضادات التشنجات التي تستخدم في علاج الصرع.

من ناحية أخرى يمكن الوقاية من الصرع بالتعرف على الأسباب التي تؤدي لحدوث النوبة، من ثم يتجنبها المريض مثل:

• الضغط النفسي والعصبي.
• قلة النوم.
• شرب الكحوليات.
• يلجأ البعض إلى طريقة أخرى للوقاية من الصرع مثل شم روائح قوية كالورود أو الثوم. يمكن تنفيذ هذه الطريقة إذا كان هناك أعراض سابقة للتشنجات “Aura”.

الصرع هو أحد أمراض الجهاز العصبي المركزي، يصاب فيها المريض بنوبات من التشنجات وبعض الأعراض النفسية. يعالج الصرع بالعقاقير الطبية بمضادات التشنجات، ويتوفر العلاج الجراحي لبعض حالات الصرع البؤرية.