متلازمات

متلازمة أنطون | لستُ أعمىً!

“لستُ أعمىً… لستُ أعمىً… أنتم العميان! لا تفهمون شيئًا في الطب ولا في الحياة!”.

هكذا صرخ رجلٌ في طرقات مستشفانا، رغم أني كنتُ في الدور الأرضي وهو يعتلي الدور الرابع، لكني كنتُ أسمع ضجيج صراخه بوضوح.

ركض كل الطاقم الطبي إلى الطابق الرابع، ليجدوا رجلًا أربعينيًا اشتعلت نيران الغضب في أعصابه!

وبعد إطفاء غضبه وتهدئته، عرفنا أنه جاء لقسم الطوارئ في المستشفى منذ يومين إثر شكواه من الصداع الشديد المستمر، وأثبت الفحص الطبي فقدانه البصر.

لكن الغريب أنه ينكر فقدانه البصر، ويدَّعي أنه يستطيع الرؤية أفضل منا جميعًا! يمشي وكأنه ليس بأعمى، ومع ذلك يتصادم بالأشياء الموجودة في طريقه!

ورغم أننا أجرينا له كل الاختبارات البصرية التي أثبتت أنه لا يرى، لكنه يصرُّ على أنه يرى كل شيء. أمسكتُ قلمًا بيدي وسألته عمَّا أمسك، فأجاب بكل ثقة في نفسه: “أنت تمسك ساعةً بيدك”!

إن هذا الرجل ينكر العمى بشكل يثير الجدل! أشك أنه يعاني العمى المقترن بالمرض النفسي. أجرينا التصوير بالرنين المغناطيسي لدماغه، وكانت المفاجأة…

أثبت التصوير بالرنين المغناطيسي على الدماغ أن هذا الرجل يعاني نقص التروية للفص القذالي الأيمن بالدماغ -إثر وجود تخثر في الشريان الدماغي الخلفي- مما ترتب عليه فقدان الرؤية.

هذا المسكين لا يكذب علينا، فقط دماغه لا تستطيع أن تترجم أو تكتشف أنه أعمى! وهذه الحالة تُسمَّى “متلازمة أنطون – Anton Syndrome”.

 إذا كنتَ تريد معرفة المزيد عن أسرار متلازمة أنطون، إليك هذا المقال الذي سنشرح فيه (Anton Syndrome)، وهل من أعراضها العمى الجانبي أو العمى الجزئي؟ تابع معنا…

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

متلازمة أنطون (Anton Syndrome)

هي حالة غريبة ونادرة من العمى، تنتج عن تلف خلايا الدماغ في الفص القذالي. وإذا كانت الإصابة في كلا جانبي الدماغ، فإن ذلك يسبب العمى الكامل.

تُدعَى هذه الحالة أيضًا “عمه العاهة البصري”، ويعني ذلك عدم إدراك المريض إصابته بالعمى، إذ يصرُّ المصاب على أنه يستطيع الرؤية، وينكر إصابته بالعمى.

تحدث هذه الحالة بعد السكتة الدماغية غالبًا، أو بعد أي تلف في منطقة الفص القذالي، وسُمِّيَت هذه المتلازمة نسبةً إلى الطبيب النفسي النمساوي “جبريل أنطون“.

كيف تحدث متلازمة أنطون

عندما تتلف خلايا الفص القذالي في الدماغ، يحدث العمى القشري، أو -كما أسميناه سابقًا- عمه العاهة البصري، أو حتى متلازمة أنطون.

يقع الفص القذالي في الجزء الخلفي من الدماغ، خلف الفصوص الجدارية والصدغية، ومن مكوناته القشرة البصرية الأولية.

وظيفة قشرة الفص القذالي هي تلقي المدخلات من شبكية العين، وتفسير تفاصيل الصورة، مثل: الألوان، والأحجام، والأشكال.

إذًا، وظيفة الفص القذالي هي الرؤية المركزية، وأي تلف بسيط في خلاياه يؤدي إلى مشاكل في البصر.

أسباب متلازمة أنطون

 يحدث التلف في خلايا الفص القذالي نتيجة السكتة الدماغية في أكثر الأحيان.

وتحدث السكتة الدماغية عندما تُغلَق الأوعية الدموية المغذية للقشرة البصرية في الفص القذالي، وعندما تُحرَم خلايا القشرة البصرية من الغذاء والأكسجين، فإنها تموت فورًا.

وتُعَدُّ السكتات الدماغية السبب الخامس للوفاة، وسببًا رئيسيًا للعجز في الولايات المتحدة الأمريكية، وفقًا لمركز ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻷﻣﺮاض واﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ (CDC).

وعلى قدر التلف، يأتي الضرر؛ أي عندما تتلف خلايا الفص القذالي في جانب واحد من الدماغ، يحدث فقدان الرؤية في عين واحدة.

لكن عندما تتلف خلايا قشرة الفص القذالي في كلا جانبي الدماغ، يُسمَّي هذا “العمى القشري”، لأنه يحدث بسبب تلف القشرة البصرية الأولية.

أسباب أخرى  

قد تحدث هذه المتلازمة لأسباب غير السكتة الدماغية، ومن هذه الأسباب:

  • الاعتلال الدماغي بارتفاع ضغط الدم في أثناء الحمل.
  • تفاقم حالات التصلب المتعدد.
  • بعد جراحات القلب.
  • نزيف ما بعد الولادة.
  • متلازمة (ميلاس)، وهي أحد أمراض الميتوكوندريا الوراثية.
  • بعد تصوير الأوعية الدماغية.
  • مرض سوء تغذية الغدة الكظرية والمادة البيضاء بالدماغ.
  • اعتلال بيضاء الدماغ متعدد البؤر المترقي (Progressive Multifocal Leukoencephalopathy)، والمرتبط بفيروس الأيدز.

انتشار متلازمة أنطون في الفئات العمرية

تُعَدُّ هذه المتلازمة من المتلازمات نادرة الحدوث، وتحدث بسبب السكتة الدماغية في الفئات العمرية الأكبر سنًا، لكن قد تحدث نتيجة أسباب غير السكتة الدماغية في الفئات الأصغر سنًا.

ومن الحالات التي سُجِّلَت إصابتها بها، سيدة تبلغ أربعة وعشرين عامًا، وكان سبب إصابتها هو تفاقم إصابتها بمرض التصلب المتعدد.

وقد سُجِّلَت أيضًا حالة لفتاة مراهقة تبلغ تسعة عشر عامًا، أصيبت بمتلازمة أنطون بعد إصابتها بالنزيف الشديد نتيجة الإجهاض.

العمى الجزئي والعمى الجانبي ومتلازمة أنطون

تُعالَج الرؤية المركزية في الفص القذالي بالدماغ، والرؤية المركزية هي الصورة التي تراها العين في وسط المجال البصري عندما ننظر إلى الأمام مباشرة.

ويتسبب تلف خلايا الفص القذالي -نتيجة السكتة الدماغية- في وجود بقعة مُعتِمة عمياء كبيرة في مجال الرؤية على الجانب المصاب.

على سبيل المثال: يواجه الشخص الذي يعاني هذه المتلازمة صعوبة النظر في وجهك أمامه مباشرة، ولا يتمكن من رؤية أنفك وشفاك العليا، لكن يمكنه رؤية كتفك والجزء العلوي من رأسك.

عوامل الخطورة

أي سبب يتلف خلايا الفص القذالي في جانبي الدماغ، يعَدُّ عامل خطورة يؤدي إلى حدوث هذه المتلازمة، ويشمل ذلك: السكتات الدماغية، ومرض التصلب المتعدد.

الوقاية الأولية

لا توجَد طرق للوقاية الأولية من هذه المتلازمة، لكن يمكن الوقاية من السبب الرئيسي الشائع لحدوثها، وهو السكتات الدماغية، وذلك باتخاذ الإجراءات الوقائية التالية:

  • علاج ضغط الدم المرتفع.
  • اتباع أسلوب حياة صحي.
  • الابتعاد عن كل أنواع المخدرات.
  • الحفاظ على الوزن المثالي.
  • تجنب التدخين.
  • اتباع نظام غذائي متوازن.
  • تجنب الوجبات السريعة الغنية بالدهون الضارة.
  • علاج الاكتئاب والأمراض النفسية عامةً.
  • الانتظام على ممارسة الرياضة.
  • علاج مرض السكري.

التشخيص  

عندما يدخل المريض المستشفى إثر شكواه من هلاوس غير منطقية، مع دليل إكلينيكي قوي يثبت أن المريض فاقد البصر، رغم أن فحص قاع العين طبيعي تمامًا، يشك الطبيب حينئذٍ في متلازمة أنطون.

ويمكن للطبيب التأكد من ذلك عبر إجراء أشعة تشخيصية على الدماغ، والتي ستُظهِر تلف خلايا الفص القذالي، وتتضمن هذه الأشعة: التصوير بالرنين المغناطيسي، والأشعة المقطعية.

يعَدُّ التشخيص باستخدام الرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية على الدماغ حجر الأساس في تشخيص هذه المتلازمة، لأن التصوير بهما يُظهِر تلف الفص القذالي، كما يُظهِر سبب هذا التلف.

وقد يكون السبب: إقفار التروية، أو النزيف (وبالتالي السكتة الدماغية)، أو شيئًا آخر (مثل: مرض التصلب المتعدد، أو وجود مناطق تالفة بالدماغ نتيجة إزالة المَيالين، وهو الغطاء الواقي المحيط بالألياف العصبية والأعصاب البصرية).

العلامات والأعراض

يعَدُّ إنكار فقدان البصر أهم أعراض متلازمة أنطون، وتشمل الأعراض الأخرى: الهلاوس البصرية، والصداع الشديد.

العلاج

يعتمد على علاج سبب تلف الفص القذالي، على سبيل المثال: سجِّلَت حالة لمريضة تعاني متلازمة أنطون بسبب إصابتها بالتصلب المتعدد.

وعندما عولِجَت هذه المريضة من داء التصلب المتعدد، باستخدام الحقن الوريدي لعقار (ميثيل بريدنيزولون) واستخراج البلازما، استردت البصر بطريقة تدريجية خلال عامين.

أما في حالات متلازمة أنطون بسبب السكتة الدماغية، يستمر المريض في العلاج بدواء الأسبرين وأدوية الستاتين (Statins).

هل تعالج الجراحة متلازمة أنطون؟

للأسف لا توجَد حلول جراحية لعلاج هذه المتلازمة.

هل يُشفَى المريض المصاب بمتلازمة أنطون؟

للأسف لأن هذه المتلازمة نادرة، لا توجَد معلومات كافية عن الشفاء منها.

لكن سجِّل عدد من الحالات التي شفِيَت، وكانت هذه الحالات لمرضى من الفئات العمرية الصغيرة التي لا تعاني أمراضًا مزمنة (مثل الضغط والسكر)، ولا تعاني أي اعتلال إدراكي أو تلف في الذاكرة.

وتعَدُّ نسبة الشفاء وعودة البصر ضئيلة -أو قد تكون منعدمة- في حالات المرضى الذين يعانون أمراضًا مزمنة، ولديهم تلف دائم في القشرة البصرية من الفص القذالي في كلا جانبي الدماغ.

هل من حل؟

هذه المتلازمة غريبة ونادرة، وما زال العلم يبحث عن حل وعلاج، فلا يوجَد حل الآن سوى معالجة الأسباب.

لذا، ينبغي دعم المريض نفسيًا، لأن هذا المريض يرفض العمى؛ فعيناه تبصران، لكن عقله لا يدرك ما يبصر.

وفي النهاية… هذه هي متلازمة أنطون (Anton Syndrome)؛ أن ترى عيناك، ويعجز دماغك عن تفسير الصورة!

المصدر
Anton SyndromeGabriel AntonAnton’s Syndrome due to Bilateral Ischemic Occipital Lobe StrokesAnton Syndrome
اظهر المزيد

Marwa Gamal

د مروة جمال صيدلانية حاصلة على البورد الأمريكي في الصيدلة العلاجية، أعمل في مستشفى سرطان الثدي التابعة للمعهد القومي للأورام، جئت في ظل مجتمعٍ لا يهتم بالصحة النفسية، لذا تأجج داخلي الشغف بمعرفة كل ما يتعلق بالنفس البشرية أسرارها وأسقامها وأوجاعها والتخفيف عنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى