متلازمة التكيف العام | مكره أخاك لا بطل!

تمُرُّ (هاجر) بفترة عصيبة، فقد انفصلت منذ شهور قليلة عن زوجها بعد زواج دام عشرين عامًا.
أصبحت أمًا وأبًا لأبنائها الذين لا يزالون في المراحل التعليمية المختلفة، ويحتاجون منها اهتمامًا وعطفًا غير عاديين بعد ما طرأ على حياتهم.
كانت الأم تعمل موظفة حكومية، ولم يكن الراتب الذي تتقاضاه كافيًا لسد احتياجات الأبناء خاصة بعد تنصل الأب من مسؤولياته تجاههم!
اضطرت (هاجر) إلى البحث عن عمل إضافي لتقوى على متطلبات الحياة؛ فما تحصل عليه من راتب ونفقة شهرية معًا لا يسمن ولا يغني من جوع!
وجدت (هاجر) فرصة عمل من المنزل عبر الإنترنت، ولكنها واجهت صعوبات كثيرة، ولم تُتَح لها الفرصة لإثبات جدارتها.
تعرضت (هاجر) لصدمة جديدة؛ مما أثر في قدرتها على مواجهة الضغوط، فأصيبت باضطرابات في النوم والشهية، وصداع وآلام في المعدة، وأصبحت كثيرة البكاء شديدة القلق والعصبية.
عزيزي القارئ…
إن ما أصاب (هاجر) يُعرَف بـ”متلازمة التكيف العام”، الذي هو موضوع مقالنا اليوم.
ما زاد عن حده انقلب إلى ضده!
يقي تطبيق هذه القاعدة من كثير من الصدمات؛ فالاعتدال هو أفضل الخيارات.
والقلق رغم كونه شعورًا مزعجًا لكننا بحاجة إلى وجوده باعتدال؛ فهو عامل محفز أحيانًا.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
لكن تجنَّب الإفراط في القلق لئلا تصيبك “متلازمة التكيف العام” المعروفة أيضًا باسم “متلازمة الاستجابة للتوتر”.
القلق

إن القلق شعور موجود دائمًا في الحياة، فتعرض الإنسان لمواقف عصيبة أحيانًا أمر حتمي، ولا يخفى علينا التأثير السلبي النفسي والجسدي للقلق.
ولكن الشعور بالقلق قد يكون دافعًا مهمًا لليقظة وأخذ الحيطة والحذر أو للتفوق، وهذا هو القلق الإيجابي.
وقد أظهرت الدراسات أن القلق يعد السبب الرئيس عالميًا لحدوث مشكلات الصحة العقلية والنفسية، خاصة في صغار السن والمراهقين.
وقد يرجع ذلك إلى إفراط الوالدين في حماية الأبناء والاهتمام بهم، أو نتيجة التعرض لصدمات مبكرة في مرحلة الطفولة.
حين يصبح القلق مستمرًا أو مبالغًا فيه، وحين يؤثر في سير الحياة العملية أو الاجتماعية؛ فإنه يصبح اضطرابًا يعوق الحياة.
مراحل التعرض للضغوط
يؤثر التوتر والقلق في الروح والجسد، ومن ثم فإن حسن إدارتك للضغوط يساعدك على الحفاظ على صحتك والاستمتاع بحياتك.
ولكن ما لا يعرفه كثيرون أن الجسم يستجيب للضغوط عبر ثلاث مراحل تُعرَف بـ”متلازمة التكيف العام”.
ما أسباب حدوث متلازمة التكيف العام؟
تختلف أنواع التوتر والضغوطات التي نتعرض لها، وتختلف درجة تحملها من شخص لآخر؛ فكل منا له طريقة في التكيف مع مقدار ما يتعرض له من صعاب.
تحدث متلازمة التكيف العام عند التعرض لضغوطات الحياة المختلفة، مثل:
- فقدان الوظيفة.
- الأزمات المادية.
- المشكلات الصحية، مثل: الإصابة بأمراض خطرة، مثل: مرض السرطان.
- انهيار العلاقات بسبب الطلاق أو الانفصال أو التفكك الأسري.
- الصدمات والكوارث غير المتوقعة، مثل: وفاة أحد المقربين، أو التعرض لجريمة.
- حدوث تغير كبير أو مصيري في الحياة، مثل: الزواج، أو إنجاب الأطفال، أو التقاعد الوظيفي.
ما متلازمة التكيف العام؟ وما مراحلها؟
هي تغيرات فسيولوجية تحدث للجسم عند تعرض الشخص لضغط جسدي أو نفسي، وتنقسم إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: الإنذار أو ناقوس الخطر

هي مرحلة الأعراض الأولية التي يُظهرها الجسم رد فعل عند تعرضه لضغط.
لعلك سمعت من قبل عن مصطلح “الكر والفر”، ولكن هل تعلم أنه استجابة فسيولوجية للجسم عند تعرضه لخطر أو ضغط؟
فعندما يواجه الجسم خطرًا يكون عليه اختيار أحد ردي الفعل: إما الفرار أو الدفاع عن النفس.
يحدث في تلك المرحلة زيادة معدل ضربات القلب وإفراز هرمون التوتر “الكورتيزول” من الغدة الكظرية، بالإضافة إلى إفراز جسمك قدرًا من “الأدرينالين” الذي يؤدي بدوره إلى زيادة طاقتك.
المرحلة الثانية: مرحلة المقاومة
يبدأ الجسم في استعادة حالته الطبيعية وإصلاح نفسه بعد انتهاء الصدمة الأولية للحدث المرهق، ومواجهته باستجابة “الكر والفر”.
يحدث ذلك من خلال إفراز كميات أقل من “الكورتيزول”، ويبدأ كل من ضغط الدم ومعدل ضربات القلب في العودة إلى المستويات الطبيعية.
وعلى الرغم من محاولة التعافي التي يقوم بها الجسم في هذه المرحلة، فإنه يظل متأهبًا بعض الوقت.
فإذا انتهى الحدث المرهق واستطعت التغلب على التوتر، استمر جسمك في إصلاح نفسه حتى تعود معدلات ضغط الدم وضربات القلب إلى ما كانت عليه قبل التعرض للضغوطات.
ولكن قد تستمر بعض المواقف العصيبة مدة طويلة ومن ثم لا يستطيع الجسم التغلب عليها، فيبقى في حالة التأهب ويتكيف مع هذا الضغط، ويضطر إلى التعايش مع مستوى ضغط أعلى.
قد تعتقد أن الحال على ما يرام وأنك تدير سفينة حياتك بكفاءة، لكن جسمك له رأي آخر!
إذ يظل يقاوم ويقاوم لمواجهة التوتر والتكيف، ويستمر في إفراز هرمونات التوتر، ويظل ضغط دمك مرتفعًا… وأنت لا تعرف!
إذا استمرت مرحلة المقاومة مدة طويلة أدى ذلك إلى وصول الجسم إلى مرحلة “الإنهاك” أو “الإرهاق”.
وتشمل أعراض مرحلة المقاومة:
- التوتر والهياج العصبي.
- الإحباط.
- قلة التركيز.
المرحلة الثالثة: الإنهاك (أو الإرهاق)

تبدأ هذه المرحلة بعد التعرض للتوتر مدة طويلة (التوتر المزمن).
يؤدي ذلك الصراع الممتد إلى استنزاف قدراتك البدنية والعقلية والعاطفية، فيصبح جسمك غير قادر على الاستمرار في المقاومة، فتصبح منهكًا، ومن ثم تستسلم أو تفقد الأمل.
ومن أعراض مرحلة استنفاد القوى:
- الاكتئاب.
- القلق.
- الشعور بالتعب والإعياء.
- انخفاض القدرة على تحمل الضغوط.
- تأثر الجهاز المناعي، مما يجعل الجسم عرضة للإصابة ببعض الأمراض، مثل:
- ارتفاع ضغط الدم.
- داء السكري.
- آلام بالمعدة، وقرحة المعدة.
الوقاية من متلازمة التكيف العام وسبل علاجها
معظم المصابين بمتلازمة التكيف يتعافون تمامًا، بل إن مرورهم بهذه التجربة يساعدهم على تعلم مهارات ربما لم يكونوا ليتعلموها دون الإصابة بهذه المتلازمة.
علاج متلازمة التكيف العام
احذر -عزيزي القارئ- إن كنت تعاني أعراض متلازمة التكيف، لأنها قد تتحول إلى نوبات اكتئاب شديدة!
وعليك التواصل مع المختصين للحصول على الرعاية الصحية والعلاج الطبي المناسب لحالتك.
قد يلجأ بعض الأشخاص إلى تعاطي المخدرات ظنًا منهم أنها تخلصهم من التوتر والقلق المصاحبين لمتلازمة التكيف العامة.
لكنهم حقيقة يزيدون الأمر سوءًا، إذ إنهم في هذه الحالة يعانون أعراض الإدمان إضافة إلى معاناتهم التوتر والضغوط.
طرائق العلاج
- العلاج الدوائي: بتناول مضادات الاكتئاب ومضادات القلق؛ لعلاج ما يصاحب المتلازمة من اكتئاب وقلق.
- جلسات العلاج النفسي الفردية مع طبيب مختص.
- جلسات الدعم الجماعي.
إليك بعض الخطوات التي تمكنك من التكيف والشعور بالتحسن:
- التواصل الجيد مع الأهل والأصدقاء.
- ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي.
- المشاركة في أنشطة اجتماعية.
- الحصول على قسط كافٍ من النوم.
- مواجهة خوفك، والتفكير بإيجابية.
- التعرف إلى نقاط قوتك والعمل على تنميتها.
- تعلُّم مهارات التكيف التي تؤهلك للحد من آثار الضغوط.
الوقاية
أفضل طريقة للوقاية من متلازمة التكيف العام هو الدعم الأسري والاجتماعي للشخص الذي يواجه ضغوطًا عصيبة.
وحبذا العلاج المبكر للمراحل الأولى من متلازمة التكيف العام لإيقاف تطور مراحل المتلازمة ومنع مضاعفاتها.
عزيزي القارئ…
إن التوتر شبح مزعج، وكذلك هي متلازمة التكيف؛ فاستعن بالله دائمًا واسعَ إلى تعلم مهارات إدارة الأزمات، وقاوم الحزن والاكتئاب واحذر الإنهاك.
ولعلنا جميعًا قد تعلمنا الدرس عندما تعرضنا لجائحة “كورونا” وما صحبها من ضغوط نفسية شديدة، وما كنا لننجو منها لولا رحمة الله عز وجل.
والسؤال الآن:
إلى متى تستمر هذه الجائحة؟! وهل أصابتنا متلازمة التكيف العام بسببها؟!