متلازمة الحزن الشديد – صراع بين الرضا والاشتياق!

منذ وفاة والدي -والتي كانت إثر حريق هائل مفاجئ- وحياتي لم يعد لها معنى، بالرغم من مرور عامين على وفاته إلا أن أحداث وفاته لا تزال تلاحقني، وما زلت أشعر بعذاب الضمير!
لم أعد تلك الطموحة النشيطة التي يمتلئ يومها بالرياضة والتعلم المستمر للوصول لأهدافها المهنية، ولا أخرج مع صديقاتي للتنزه مثلما كنت أفعل.
لا يفارقني القلق والتوتر، فضلًا عن آلام جسمانية لا تزول مهما أخذت لها علاج.
عندما أنظر لنفسي أجد أن حياتي بلا هدف، مجرد أيام تمر عليَّ، ويدور في رأسي فكرة اللحاق بوالدي!
نموذج موجود في حياتنا لمعظم الأشخاص الذين يُعانون متلازمة الحزن الشديد Complicated Grief.
قد تقول عزيزي القارئ: “كلنا نمر بهذه التجربة عند وفاة شخص عزيز علينا”، لكن هذا ليس بالحزن الطبيعي؛ إذ تستمر هذه الأعراض لسنوات وتؤثر في حياة المألوم الشخصية والعملية، وقد يصل الأمر إلى الانتحار.
ما هي متلازمة الحزن الشديد Complicated Grief؟
تُعرف أيضًا بـ “اضطراب الفقدان المعقد”، وهي متلازمة مصاحبة لفقدان شخص عزيز عليك؛ حيث تتملكك مشاعر مؤلمة لفترة طويلة، ولا يتمكن عقلك من استيعاب فقدان هذا الشخص، فضلًا عن تراجع حياتك العملية والشخصية والميل إلى العزلة.
يزيد احتمالية الإصابة بهذه المتلازمة عند موت شخص عزيز عليك في حادث عنيف، مثل: حادث سيارة أو حريق، وقد يتطور الأمر إلى اضطراب ما بعد الصدمة.
إذا كنت لا تتقبل فكرة موت هذا الشخص والتأقلم على غيابه خلال سنة من وفاته، فقد تُعاني من متلازمة الحزن الشديد بنسبة كبيرة.
الأسباب وراء متلازمة الحزن الشديد
يُرجع الأطباء هذه المشكلة إلى عدم قابلية هؤلاء الأشخاص للتكيف على الأوضاع المفاجئة، و يُترجم ذلك إلى الاستجابة طويلة المدى للحزن الشديد.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
حتى الآن لا يُوجد سبب واضح لهذه المتلازمة، لكن إليك بعض العوامل المحفزة لمتلازمة الحزن الشديد:
- عوامل جينية
- كيفية استجابة كيمياء مخك للمؤثرات
- النشأة البيئية
- الصفات الشخصية
دراسات حول تأثير متلازمة الحزن الشديد في المخ
أثبتت دراسة علمية أن متلازمة الحزن الشديد تُنشط النواة المُتكئة -جزء في المخ- المسؤولة عن توقع المكافأة، المتمثلة في الاشتياق لأحبته.
وبذلك يظهر تفسير حول استمرار أعراض هذه المتلازمة لفترة طويلة كنوع من إدمان المخ للاشتياق للفقيد.
أشارت دراسة أخرى إلى أن متلازمة الحزن الشديد تحفز اللوزة الدماغية المسؤولة عن تجنب المواجهة؛ مما يترتب عليه تجنب مواجهة الشخص نفسه بحقيقة موت الفقيد مع استمرار الاشتياق له.
أبرز أعراض متلازمة الحزن الشديد:

تتشابه أعراض متلازمة الحزن الشديد مع الحزن الطبيعي في الأشهر الأولى من وفاة الفقيد.
لكن بدلًا من تحسن الأعراض وعودة الحياة الطبيعية في الحزن الطبيعي، تشتد الأعراض وتستمر لفترات طويلة تصل لسنوات، من أبرزها:
- الحزن الشديد والتألم لفراق الفقيد.
- المبالغة في رثاء الفقيد أو تجنب الحديث عنه.
- الشعور بالخدر في كل جسدك.
- فقدان شغفك تجاه مهامك وهواياتك.
- فقدان الثقة في الأهل والأصدقاء.
- عدم القدرة على الاستمتاع بالحياة والتفكير بإيجابية.
- صعوبة الالتزام بروتينك اليومي سواء المهني أو الشخصي.
- تجنب المشاركة المجتمعية سواء في التجمعات العائلية أو الأنشطة الخيرية.
- الشعور الدائم بالذنب تجاه الفقيد وأنك تخاذلت في إنقاذه.
- يراودك شعور بأن الحياة لا قيمة لها بدون الفقيد.
- تمني الموت والتفكير في الانتحار.
من هم الأكثر عرضة لمتلازمة الحزن الشديد؟
نجد أن النساء لديهن احتمالية أكبر للإصابة بهذه المتلازمة عن الرجال، وكلما تقدمن في العمر زادت فرصة إصابتهن.
على الرغم من أن الحزن الشديد مرتبط بوفاة شخص عزيز عليك، إلا أن هناك عوامل أخرى تزيد من فرص الإصابة به مثل:
- فقدان الدعم في حياتك سواء من الأهل أو الأصدقاء.
- تاريخ مرضي للإصابة بالاكتئاب أو القلق أو اضطراب ما بعد الصدمة.
- المرور بضائقة مالية ضخمة لفترات طويلة.
- المرور بطفولة مأساوية من إهمال أو إساءات نفسية أو جسدية.
متلازمة الحزن الشديد….إلى أين ستصل الأمور؟

اعتقادك أن متلازمة الحزن الشديد ستتحسن بمرور الوقت بدون علاج يؤدي إلى تفاقم الأمور على الصعيد الاجتماعي والنفسي، إليك أبرز المضاعفات.
- الاكتئاب والقلق
- الميول الانتحارية
- احتمالية الإصابة بأمراض، مثل: ارتفاع ضغط الدم، أو أمراض القلب، أو السرطان
- إدمان الكحوليات أو النيكوتين
علاج متلازمة الحزن الشديد
يتمحور علاج متلازمة الحزن الشديد حول العلاج النفسي، وقد يلجأ الطبيب في حالات معينة إلى العلاج الدوائي.
العلاج النفسي:

هناك علاج نفسي خصيصًا لهذه المتلازمة يُعرف بـ “علاج الحزن الشديد”، ويشمل حوارًا بين الطبيب النفسي والمريض حول الالتزام بأساليب تمكنه من:
- معرفة كل ما يخص المرض من أعراض وأثرها فيه.
- مواجهة نفسه بوفاة الفقيد من خلال تكرار المريض لأحداث الوفاة.
- التخلص من الشعور بالذنب تجاه الفقيد.
- العودة إلى أهدافه وطموحاته.
- تحسين مهارات التأقلم مع الأحداث المفاجئة.
العلاج الدوائي:
قد يلجأ الطبيب إلى مضادات الاكتئاب لإعادة توازن كيمياء المخ، بجانب العلاج النفسي.
نصائح للتغلب على متلازمة الحزن الشديد:
قبل البدء في هذه النصائح، تظل الإرادة هي سر تجاوزك هذه المرحلة.
إذا كنت مرافقًا لشخص يُعاني هذه المتلازمة، كن أنت شعلة الإرادة والأمل في حياته وذكره بإنجازاته؛ ليقوى على اتباع هذه النصائح.
١. ابحث عن صحبة طيبة، عانت مشكلة الفقد واعرف كيف تجاوزوا هذه المرحلة.
٢. توقف عن جلد الذات وإلقاء اللوم على نفسك في كل موقف تمر به، وتقبل كونك إنسانًا طبيعيًا يُخطئ ويُصيب.
٣. تقبل كل ما تمر به من مشاعر مهما كانت سلبية، فالحزن ينتهي وكذلك الفرح، واعلم أن كل شعور له وقته ويجب ألا يتجاوزه.
٤. أعطِ لنفسك قسطًا كافيًا من الراحة، وحدد وقتًا معينًا للنوم؛ حتى تنتظم ساعتك البيولوجية ومن ثم كيمياء مخك.
٥. اخرج يوميًا قدر الإمكان إلى أماكن جديدة، وتأمل الطبيعة والحياة دون التفكير فيما يزعجك وستشعر بصفاء ذهنك.
٦.كن حريصًا على ألا تترك المجال للأحداث من حولك كي تؤثر فيك سواء في حياتك العملية أو الشخصية.
انفرد بنفسك قليلًا ومارس تمارين تقلل من توترك، مثل اليوجا.
٧.اكتشف احتياجاتك الداخلية من خلال الممارسات الروحية كاليقظة الذهنية، أو المنافذ الإبداعية كالرسم أو الشعر ، وذلك للشعور بأن لحياتك معنى وهدف.
٨. ضع جدولًا يوميًا قابلًا للتنفيذ بكل تفاصيل يومك، وستجد نفسك مشغولًا عن حزنك وتندمج تدريجيًا في حياتك.
خلاصة القول، الموت سُنة الحياة ولكلٍ منا أجل مكتوب، والصراع بين تقبل موت فقيدك واشتياقك له وأن الحياة لا معنى لها بدونه يجعلك فريسة لليأس والمرض والانتحار.
لا أقول لك لا تحزن على فقيدك ولا ترثيه، بل خذ وقتك الكافي في الحزن، لكن لا تُطِل فيه فتَفُتْكَ فرص وذكريات سعيدة ونجاحات يمكنك تحقيقها.
عليك أيضًا عزيزي المألوم التحلي بالصبر على ما تمر به، وإذا شعرت بأنك لا تستطيع تخطي حزنك الشديد، لا تتردد في زيارة الطبيب النفسي.