متلازمة كلوفر بوسي

“مَن أنتِ؟ هل التقينا من قبل، سيدتي؟ كيف يمكنني مساعدتك؟”، قال (حاتم) هذه الكلمات الصادمة لزوجته (زينب)!
“هل نسيت شريكة عمرك ورفيقة كفاحك؟!”، هكذا صاحت (زينب).
يا لها من بداية مشوقة لمسلسل جديد استطاع شد انتباه المشاهدين! الجميع يريد أن يعرف كيف يمكن لشخص أن يفقد الذاكرة ولا يتذكر حتى المقربين إليه!
هل هي مجرد حبكة درامية فقط؟ أم توجَد مثل هذه الحالات في الحقيقة؟!
تحدثتُ مع صديقي طبيب الأمراض النفسية بخصوص هذه التساؤلات…
قصَّ عليَّ كثيرًا من القصص حول الأمراض النفسية الغريبة، ومنها متلازمة كلوفر بوسي، ومتلازمة ستندال، وعلاقة هذه الأمراض بفقدان الذاكرة.
نتعرف معًا -عزيزي القارئ- في هذا المقال إلى متلازمة كلوفر بوسي (Kluver-Bucy syndrome)، فتابع معنا…
متلازمة كلوفر بوسي (Kluver-Bucy syndrome)

تُعَدُّ هذه المتلازمة أحد الاضطرابات النفسية العصبية النادرة جدًا، اكتشفها طبيب الأعصاب الأمريكي “بول بوسي” بالشراكة مع عالِم النفس الألماني “هينريش كلوفر”.
لعلك لا تستغرب الآن من تسمية هذه المتلازمة بهذا الاسم الذي يتكون من الجمع بين اسمي مكتشفيه.
ينبغي لنا التعرف إلى التركيب التشريحي للمخ -باختصار- أولًا، حتى نفهم بسهولة سبب حدوث هذه المتلازمة.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
يتكون المخ من نصفين، كل نصف يتكون من أربعة فصوص، هُم (من الأمام إلى الخلف): الفص الجبهي، والفص الصدغي، والفص الجداري، والفص القذالي.
يصيب التلف -في متلازمة كلوفر بوسي- الفص الصدغي، وربما يمتد التلف إلى الحصين أو اللوزة الدماغية أيضًا.
وتُعَدُّ هذه الأجزاء هي المسؤولة عن وظائف المخ التي تتعلق بالذاكرة، والإثارة الجنسية، والكلام، والتعلم. ومن ثَمَّ، يسبب تلفها هذه الاضطرابات النفسية والعقلية، وتظهر التصرفات الغريبة.
أسباب متلازمة كلوفر بوسي
لم يعرف الأطباء سبب حدوث هذه المتلازمة تحديدًا، ولكنهم يزعمون أن السبب قد يعود إلى أحد هذه الأسباب:
- بعض الفيروسات، مثل: فيروس الهربس البسيط.
- بعد الصدمات العصبية.
- التهابات الدماغ، مثل: التهاب السحايا نتيجة العدوى بالليستيريا.
- أورام المخ.
- حادثة أو صدمة للدماغ.
- سرطان الغدد الليمفاوية.
- انخفاض حاد لمستوى السكر في الدم.
- مرض هنتنغتون.
- مرض ويبل الدماغي الأول.
- داء الشيغيلات.
- الصرع.
- داء المقوسات.
- داء الكيسات المذنبة العصبية.
ولكن يبقى أشهر سبب لهذه المتلازمة في البالغين هو السكتات الدماغية، بينما في الأطفال يحصل فيروس الهربس البسيط على المركز الأول.
وجدير بالذكر أن هذه المتلازمة تصيب الرجال والنساء بنفس النسب.
أعراض متلازمة كلوفر بوسي

دوَّن العالمان (كلوفر) و(بوسي) هذه الأعراض -للمرة الأولى- بعد تجربتهما استئصال الفص الصدغي من قرود هندية تخضع للتجارب عام 1939 م.
ولكن بعد عدة سنوات، دوَّن أطباء آخرون نفس الأعراض من حالات البشر المصابين بهذه المتلازمة.
الأعراض في البالغين
- اضطرابات في الذاكرة القريبة والبعيدة.
- حركات غير طبيعية للفم، مع الرغبة المُلِحة في استكشاف الأشياء باللعق.
- فرط النشاط الجنسي، دون مراعاة أي قيود اجتماعية فيما يتعلق بممارسة الجنس.
- اضطرابات الأكل النفسية، مثل النهم والشره المرضي.
- اضطرابات في الاستجابات العاطفية.
- خلل في التعرف البصري، إذ يفقد المريض القدرة على تمييز الأشياء المعروفة، أو الوجوه المألوفة له.
الأعراض في الأطفال
- لا مبالاة ملحوظة من المحيطين.
- عدم وجود ارتباط عاطفي تجاه أسرته أو أصدقائه.
- اضطرابات الأكل النفسية عند الأطفال، مثل الشره المرضي.
- فرط الرغبة الجنسية، مثل: كثرة تفحص الأعضاء التناسلية ولمسها، وفرك الأعضاء التناسلية في السرير عند النوم.
- تشتت الانتباه البصري.
علاج متلازمة كلوفر بوسي

في حقيقة الأمر، يُعَدُّ علاج هذه المتلازمة في غاية الصعوبة، إذ يصعب علاج تلف الفص الصدغي حتى يعمل على نحو طبيعي، كما يصعب استبدال الأدوية لدور الفص الصدغي.
ولكن يجرب أغلب الأطباء إحدى الأدوية التالية، للتغلب على بعض الأعراض الناتجة عن المرض وتحسينها، ونذكر من هذه الأدوية:
- مثبتات المزاج.
- مضادات الاكتئاب (مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية).
- الأدوية المضادة للذهان.
- كاربامازيبين.
- ليوبروليد.
ويشتهر استخدام كاربامازيبين وليوبروليد للحد من الشذوذ السلوكي الجنسي، بينما يُستخدَم دواء هالوبيريدول ومضادات الكولين للحد من الاضطرابات السلوكية المرتبطة بمتلازمة كلوفر بوسي.
متلازمات تتشابه في أعراضها مع متلازمة كلوفر بوسي
قد تتشابه أعراض بعض الأمراض الأخرى مع أعراض هذه المتلازمة، ونذكر من هذه الأمراض:
- مرض الزهايمر: نظرًا لِما يسببه مرض الزهايمر من اضطرابات في الذاكرة، وتغيرات في الشخصية.
- متلازمة برادر فيلي: تسبب هذه المتلازمة فرطًا في البلع، ومن ثَمَّ تتشابه مع فرط استخدام الفم المصاحب لمتلازمة كلوفر بوسي.
- متلازمةُ كلاين ليفين: تسبب فرطًا في البلع (مثل متلازمة برادر فيلي).
- متلازمة كورساكوف: تحدث نتيجة نقص في فيتامين ب1، وتسبب فقدان الذاكرة، وتغيرات شديدة في الشخصية، إضافة إلى العصبية والتهيج، ممَّا يجعلها متقاربة مع الصورة المرضية لمتلازمة كلوفر بوسي.
- التنكس الجبهي الصدغي: وهو مرض عصبي يصيب الفصين: الجبهي والصدغي، ولذلك يسبب أعراضًا تشبه تلك الناتجة عن تلف الفص الصدغي في متلازمة كلوفر بوسي.
نظرًا لندرة حدوث هذه المتلازمات وتشابه الصورة المرضية لأغلبها، يتطلب التشخيص مجهودًا واختبارات كثيرة من قِبل الأطباء النفسيين.
وعليه، يُحجَز المريض في مكان مناسب في إحدى دور الرعاية للمرضى النفسيين، ويُراقَب سلوكه على مدار الساعة.
وقد يحتاج المريض للخضوع إلى عدد من تقنيات التصوير العصبي، وذلك للكشف عن سبب حدوث المتلازمة.
ما مصير مرضى متلازمة كلوفر بوسي؟
تعجبتُ كثيرًا بعد معرفتي قصة هذه المتلازمة من صديقي الطبيب النفسي، ولكن تبادر إلى ذهني سؤال هام: ما مصير هؤلاء المرضى؟ هل يتحسنون؟
أجابني صديقي أن لكل مريض ظروفًا خاصة تُنبِئ بحالته في المستقبل، بناءً على سبب حدوث هذه المتلازمة.
وعلى الرغم من أن أغلب المصابين لا يتحسنون تحسنًا ملحوظًا، فإن المصابين بمرض معروف له علاج -مثل الصرع والعدوى البكتيرية- قد يكونون أكثر حظًا، ويتحسنون بعد علاج المرض الرئيس.
المضاعفات
يمكننا توقع مضاعفات متلازمة كلوفر بوسي من خلال معرفتنا بأعراضه التي ذكرناها.
كما ذكرنا أن المريض يحاول استكشاف جميع الأشياء بواسطة فمه، ومن ثَمَّ يمكن أن يهدد ذلك حياته في حال وضع أشياء خطرة في فمه.
إضافة لذلك، يسبب فرط النشاط الجنسي للمريض مواقف حرجة -قد تصل إلى حد المساءلة القانونية- إذا حاول فعل ذلك مع أشخاص غرباء، أو في الطريق العام.
وفيما يتعلق بالشره المرضي، فله العديد من المخاطر والمضاعفات، مثل: الإصابة بالسمنة، والسكري من النوع الثاني.
استمتعتُ كثيرًا بالحديث مع صديقي فيما يتعلق بأمراض فقدان الذاكرة وعلاجها، وعلاج متلازمة كلوفر بوسي، وعلاج مرض الشهرة.
أتمنى أن تكون قد استفدتَ من رحلتنا في عالم الأمراض النفسية!