متلازمة كورنيليا دي لانج (Cornelia de Lange syndrome) | ما الذي ألَمَّ بطفلي؟!

لطالما راودني حلم الأمومة الجميل، وانتظرتُ قدوم طفلي بفارغ الصبر، وظللتُ أتوق إلى رؤيته واحتضانه، إلى أن جاءتني آلام المخاض.
ثم استيقظتُ على حقيقة مزعجة، إذ فاجأتني ملامح طفلي المتعَبة، مع وجود تشوهات في طرفيه العلويين؛ فقد ألمَّ به مرض نادر يُطلَق عليه “متلازمة كورنيليا دي لانج”!
ظهرت على طفلي أعراض صحية عديدة، لذلك ذهبتُ إلى طبيب متخصص لأتعرف إلى المزيد عن هذه المتلازمة، وكيفية التعامل الصحيح مع مولودي.
في هذا المقال، سنتعرف سويًّا إلى متلازمة كورنيليا دي لانج، وأعراضها، وأسباب حدوثها…
متلازمة كورنيليا دي لانج (Cornelia de Lange syndrome)… ما هي؟!

تُعَدُّ هذه المتلازمة نوعًا من الاضطراب الوراثي النادر، وتؤدي إلى حدوث خلل في نمو الطفل الفكري والجسدي، إذ تجعل الطفل يمتلك خصائص شكلية وذهنية تختلف عن الأطفال الطبيعيين.
تحدث متلازمة كورنيليا دي لانج نتيجة حدوث طفرة جينية عشوائية -في المراحل الجنينية المبكرة- في الجينات المسؤولة عن التطور الوظيفي للجنين داخل رحم الأم.
هذا في حال عدم وجود تاريخ مرضي للعائلة، لكن يُعتقَد أيضًا حدوثها نتيجة الوراثة السائدة لهذه الطفرة من أحد الأبوين.
تصيب هذه المتلازمة تقريبًا طفلًا واحدًا من كل 10 آلاف إلى 30 ألف طفل مولود حول العالم، وتؤثر في الجنسين بأعداد متساوية.
تُعرَف أيضًا باسم “متلازمة أقزام أمستردام – Amsterdam dwarfism syndrome”، أو باسم “متلازمة بوشي”.
تاريخ اكتشاف متلازمة كورنيليا دي لانج
نشر الطبيب الألماني “براشمان – Brachman” -في عام 1916- معلومات عن شاب يمتلك ملامح مميزة.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
عمل هذا الطبيب على وصف صفات حالة ذلك الشاب، مع توضيح مميزاتها التشخيصية، مثل شرحه للشكل المميز للرأس والأطراف.
ثم تبعه الطبيب الهولندي “كورنيلا دي لانج” في عام 1933، فدرس هذه الحالة وقدَّم وصفًا مفصلًا ودقيقًا عنها، لهذا سُمِّيَت هذه المتلازمة باسمه.
أعراض متلازمة كورنيليا دي لانج
يتميز الأشخاص المصابون بمتلازمة كورنيليا دي لانج بأعراض جسدية وعقلية مختلفة عن الأشخاص الطبيعيين، وتختلف حدة الأعراض اعتمادًا على درجة الطفرة الجينية.
يتشابه ذوو متلازمة كورنيليا دي لانج إلى حدٍ بعيد بين بعضهم البعض، ويكون هذا التشابه أقل وضوحًا فيمن يعاني النوع الخفيف من هذه المتلازمة.
وفيما يلي، نوجز أهم المشكلات الصحية والعلامات المميزة والمتكررة في أغلب حالات الإصابة بهذه المتلازمة:
العلامات المميزة للرأس
- صغر حجم ومحيط الرأس.
- زيادة طول الرموش.
- كثافة شعر الرأس.
- الأنف الصغير.
- تتميز الأذن بأنها صغيرة ومنخفضة.
- قصر الرقبة.
- أسنان صغيرة ومتفرقة.
- صغر حجم الحاجبين، مع التقائهما سويًا.
العلامات المميزة للأطراف
- صغر حجم اليدين والقدمين.
- زيادة كمية الشعر في الجسم.
- اعوجاج الأصبع الخامس في اليد.
- التحام جزئين من أصبعي القدمين الثاني والثالث.
مشكلات النمو
- قصر القامة.
- نقص وزن الطفل عند الولادة، إذ يبلغ وزنه أقل من 3 كجم.
- اختلال نمو وتطور عظام الذراعين واليدين.
- عدم نزول الخصيتين.
- وجود مشكلات بصرية.
- ضعف حاسة السمع، وقد تتفاقم الحالة ويفقد المصاب السمع تمامًا.
- عيوب خلقية في القلب.
- قد يعاني البعض منهم عدم اكتمال الأعضاء التناسلية.
المشكلات العقلية
- قد يولد الطفل بإعاقة ذهنية نتيجة خلل نمو الدماغ، لذلك يفقد القدرة على التعلم.
- يتشابه سلوكهم العقلي مع سلوك الأطفال المصابين بالتوحد، مثل: الانعزال، والحركات المتكررة، وعدم القدرة على التواصل الاجتماعي.
- عدم القدرة على فهم وتمييز التصرفات السوية الصحيحة.
المشكلات السلوكية
- النشاط الزائد.
- صعوبة النوم.
- عدم التفاعل مع الألم.
- ممارسة تصرفات عدائية تؤدي إلى إيذاء الطفل لنفسه.
- نقص الانتباه وفرط النشاط.
جدير بالذكر أن معدل الذكاء يتراوح بين 30 إلى 86 في معظم المصابين بهذه المتلازمة.
أسباب الإصابة بمتلازمة كورنيليا دي لانج

توصَّل العلماء حديثًا إلى أن سبب الإصابة بمتلازمة كورنيليا دي لانج هو حدوث خلل في أحد هذه الجينات الخمسة، وهي: (NIPBL)، (SMC1A)، (HDAC8)، (RAD21)، و(SMC3).
تبيَّن أيضًا أن الطفل المصاب بهذه المتلازمة يعاني طفرة في أحد هذه الجينات، وليس جميعها دفعة واحدة.
يُعَدُّ الجين (NIPBL) أشهر أسباب الإصابة، إذ إن 50% من الإصابات بمتلازمة كورنيليا دي لانج سببها اضطراب هذا الجين.
يُعتقَد أيضًا أن تلك المتلازمة تحدث عن طريق الوراثة السائدة؛ فعند وراثة هذه الطفرة من أحد الأبوين، تنتقل عن طريق الجينات بصفة سائدة.
فوراثة طفرة جينية واحدة من أحد الأبوين سبب كافٍ للإصابة بمتلازمةِ كورنيليا دي لانج، وظهور الأعراض كاملة.
كيف يمكن تشخيص متلازمة كورنيليا دي لانج؟
يعتمد الطبيب على الخصائص الشكلية للأطفال لتشخيص هذه المتلازمة، وفي الحالات ذات الخصائص والأعراض الطفيفة، يلجأ الطبيب إلى الفحوصات الجينية للتأكد من الإصابة.
توجَد مجموعة من الفحوصات يعتمدها الطبيب لمتابعة تطورات الحالة الصحية للطفل، ومنها:
- قياس السمع.
- كشف البصر.
- قياس مستوى هرمون النمو (Growth hormon).
- فحوصات صورة الدم، لفحص عدد الصفائح الدموية.
- عمل أشعة مقطعية على الدماغ.
- استخدام الأشعة السينية، لفحص العظام ومتابعة تأخر نموها.
- الأشعة الصوتية للقلب.
علاج متلازمة كورنيليا دي لانج

من المؤسف أنه لا يوجَد علاج شاف لحالات الإصابة بهذه المتلازمة، ولكن يوصى بالتدخل الطبي المبكر لعلاج وتأهيل الطفل جسديًا وذهنيًا.
يمكن السيطرة على الأعراض الصحية المصاحبة للإصابة عن طريق الآتي:
- تقديم العلاج التأهيلي للأطفال، مثل: العلاج الطبيعي، وعلاج النطق والتخاطب.
- علاج نوبات الصرع عند بعض المصابين.
- تحسين تغذية الطفل عن طريق تركيب أنبوب أنفي مَعِدِي.
- يخضع المصابون لإجراء بعض العمليات الجراحية لعلاج المشكلات المرضية التي يعانونها، مثل: العيوب الخلقية في القلب، وعلاج شق سقف الحلق.
- تقديم العلاج الوظيفي لحل المشكلات النفسية والسلوكية، ولتنمية مهارات الطفل.
يجدر التنويه إلى ضرورة عمل فحوصات جينية للطفل المصاب وأبويه، للتأكد من سلامتهم. وفي حالة عدم وجود طفل مصاب في العائلة سابقًا، فإن نسبة تكرار هذه المتلازمة في الحمل القادم 1% تقريبًا.
أما في حالة وجود طفرة جينية لدى أحد الوالدين، فهناك احتمال لتكرار الإصابة في كل حمل جديد بنسبة 50%.
توصيات الرعاية الصحية لمصابي متلازمة كورنيليا دي لانج
لا بُدَّ من متابعة مشكلات الطفل الصحية، وإجراء فحوصات دورية، مع اتباع بعض الوصايا لشد أزره ومساعدته صحيًا ونفسيًا، ونذكر منها:
- قياس ومتابعة النمو باستمرار، عن طريق استخدام جدول النمو الخاص بأطفال متلازمةُ كورنيليا دي لانج.
- المتابعة مع طبيب العظام، حال معاناة الطفل مشكلة تقلص عظامه.
- الفحص المستمر لضغط الدم، وعمل تخطيط القلب من حين لآخر.
- فحص هشاشة العظام عن طريق جهاز قياس كثافة العظام.
- مراجعة طبيب الأسنان من 4 إلى 6 أشهر.
- تحسين مهارات الأطفال، مع تعزيز الثقة بداخلهم، وحثهم على التعلم والتطور، والاعتماد على الذات.
- اللجوء إلى اختصاصي تعديل سلوك، لعلاج وتقويم أعراض فرط الحركة وتشتت الانتباه، وكبح جماح سلوكيات إيذاء النفس لديهم.
وفي الختام…
قد يشعر بعض الآباء والأمهات بالفاجعة والأسف عند إصابة طفلهم بأي مكروه، ولكن مهما نقصت احتياجات أصحاب متلازمةُ كورنيليا دي لانج، فهُم مميزون، لأنهم أصحاب إرادة لا إعاقة!
يحتاج المصابون بمتلازمةِ كورنيليا دي لانج -مثلها مثل باقي الاضطرابات الجينية- للدعم الصحي والنفسي. وبمساعدة الفحص الدوري للأعراض المصاحبة، يستطيعون تخطي الصعاب والعيش بصحة وعافية.