
اليد رمز العطاء..
تبدأ السنوات الأولى من عمرك، فترى يدًا حانية تطعمك وتربت على كتفك.
تكبر قليلًا، وتتعثر خطاك، فتمتد تلك اليد لتعاونك على النهوض. وعندما تنجح، تلوح اليد في فرح وتصفق لك.
تمر الأعوام، وتشيخ تلك اليد قليلًا، ويتمكن منها من الوهن، ومع ذلك تستمر في العطاء دائمًا. ولكن هل ذلك الوهن وتلك الرجفة التي تراها أمر طبيعي؟
ستكون الإجابة غالبًا، نعم. ولكن في بعض الحالات قد يتجاوز الأمر محض رجفة أو وهن.
في هذا المقال، نتناول واحدًا من أمراض الشيخوخة القاسية: مرض باركنسون أو الشلل الرعاش، ونخوض في كيفية حدوثه والأدوية المستخدمة لعلاجه. فهيا بنا.
ما هو مرض باركنسون؟

هو مرض عصبي يؤثر بشكل تدريجي على الحركة، قد يبدأ الأمر بمجرد رعشة بسيطة، أو اختلاف في الخط عند الكتابة، أو عدم القدرة على تحريك الذراع بحرية، أو قد يجد المريض صعوبة في إبداء بعض التعبيرات بوجهه. ويتطور المرض على مدار السنين.
كيف يحدث مرض باركنسون؟
يوجد داخل أدمغتنا منطقة تسمى المادة السوداء، مسئولة عن بعض الوظائف مثل الحركة والكلام وحتى الابتسام.
تقوم الخلايا العصبية المكونة للمادة السوداء بإفراز مادة كيميائية تسمى الدوبامين لمساعدتها على القيام بتلك الوظيفة.
في حالة داء باركنسون، تبدأ تلك الخلايا العصبية في الموت لسبب غير معلوم، مما يؤثر على الكمية المفرزة من الدوبامين، فتبدأ الأعراض المتعلقة بالحركة بالظهور تدريجيًا.
ولا يتوقف الأمر عند تلك النقطة، إذ يعتقد العلماء أن مريض الباركنسون يفقد أيضًا النهايات العصبية التي تفرز مادة النورإيبينفرين المسئولة عن بعض الوظائف اللاإرادية بالجسم مثل ضربات القلب وضغط الدم وحركة الأمعاء.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
بالإضافة إلى ذلك، وجد العلماء أجسام ليوي، وهي مجموعة من البروتينات، تتراكم في دماغ مريض باركنسون، مما يسبب له أعراض الخرف.
ما هي أعراض مرض باركنسون؟
تختلف شدة الأعراض من شخص لآخر، لكنها تبدأ عادة في جانب واحد من الجسم، وتؤثر فيه بشدة أكثر من الجانب الآخر، حتى بعد تقدم المرض للجانبين.

ومن أمثلة هذه الأعراض ما يلي:
- الرعشة: يبدأ الأمر عادة من الأطراف والأصابع، ولكنها قد تصل للفك والرأس، وقد تأتي في صورة حركات دائرية بين السبابة والإبهام، أو تحدث تلك الرعشة في أثناء الراحة دون القيام بأي مجهود.
- تيبس في الأطراف أو الجذع: يصبح الأمر مؤلمًا ويؤثر على أريحية الحركة.
- بطء في الحركة: قد تصبح حركات مريض باركنسون بطيئة، ويعجز عن النهوض من مقعده، أو المشي كما اعتاد، نظرًا للألم الذي يعانيه.
- صعوبة في الوقوف: قد لا يتمكن المريض من حفظ توازنه ويتعرض للسقوط.
- صعوبة في بعض الحركات: مثل تحريك الذراعين أو المضغ.
- تغير في نمط الكلام: قد يتكلم بشكل أبطأ من المعتاد، أو تجد صعوبة في فهم حديثه.
- مشاكل أخرى: مثل الإمساك.
ما مضاعفات مرض باركنسون؟
- مشاكل نفسية: مثل الإصابة بالاكتئاب على المدى الطويل.
- صعوبة في البلع: قد يحدث ذلك في مراحل متقدمة، وقد يؤدي لدخول بعض السوائل إلى الرئتين، مما يسبب التهابًا في الجهاز التنفسي.
- الإصابة بالخرف: قد يصاب المريض بهلاوس سمعية وبصرية، وضلالات، وفقدان للذاكرة، واختلاف في الشخصية، وعدم التركيز.
- اضطرابات في النوم: مثل الكوابيس، والأرق، ومتلازمة تململ الساق.
- صعوبة التحكم في المثانة: قد يؤدي ذلك للتبول اللاإرادي، بجانب مشاكل في حركة الأمعاء مثل الإمساك أو الإسهال.
- انخفاض ضغط الدم: يحدث ذلك عند تغيير وضعية الجسم فجأة.
كيفية علاج مرض باركنسون؟
لا يوجد علاج لشفاء مرض باركنسون شفاءً تامًا، وإنما تعمل العلاجات الحالية على تخفيف الأعراض وتحاول إبطاء تقدم المرض قدر المستطاع.
وتحتوي الخطة العلاجية عادة على خليط من العادات الصحية، والعلاج التدعيمي، والعلاج الدوائي.
العلاج الدوائي
إليك بعض الأدوية المستخدمة في علاج مرض باركنسون:
- الليفودوبا:
يتحول هذا المركب الكيميائي إلى مادة الدوبامين في الدماغ، وتمتصه الخلايا العصبية، ويُعطى عادة بالتزامن مع الكاربيدوبا.
تساعد مادة الكاربيدوبا على إبقاء الليفودوبا في جسمك لفترة أطول؛ إذ تمنع الليفودوبا من التحول لدوبامين قبل وصوله إلى الدماغ ليؤتي مفعوله هناك.
يجتمع الليفودوبا والكاربيدوبا معًا في قرص واحد جاهز للبلع. ويبدأ المريض عادة بجرعات صغيرة، تزيد تدريجيًا حتى يصل للتأثير أو التحسن المطلوب.
إلا أنه يفقد تأثيره بمرور الوقت، نظرًا لموت مزيد من الخلايا العصبية التي تقوم بامتصاصه، مما يتطلب رفع الجرعة أو تغيير الدواء، حسب الحالة.
أما عن الآثار الجانبية فقد يؤدي استخدام جرعات كبيرة لفترات طويلة إلى خلل حركي؛ وزيادة بعض الحركات اللاإرادية.
- محفزات الدوبامين:
تعمل الأدوية المحفزة للدوبامين، مثل البراميبكسول والبروموكريبتين، على محاكاة الدوبامين في الدماغ، ولها تأثير مقارب لليفودوبا وإن كانت أقل كفاءة.
ومن الممكن أن يصف لك طبيبك أحدها مع الليفودوبا ليساعد في تقليل الجرعات الفعالة منه.
وتشمل الآثار الجانبية لهذه الأدوية الأرق والهلوسة.
- مثبطات الأوكسيداز أحادي الأمين:
تستخدم هذه الأدوية في المراحل الأولى من مرض باركنسون. وتعمل على تثبيط إنزيم في الدماغ يدعى الأوكسيداز أحادي الأمين الذي يكسر مادة الدوبامين في الدماغ، مما يحافظ على مستوياتها. من الممكن تستخدم هذه الأدوية بجانب الليفودوبا أو محفزات الدوبامين.
قبل البدء في هذا الدواء، عليك عرض جميع أدويتك على الطبيب؛ إذ قد تتفاعل مع بعض الأدوية المضادة للذهان.
- مثبطات ناقلة ميثيل كاتيكول:
يصف الطبيب هذه الأدوية في المراحل المتقدمة من المرض لمنع إنزيم معين من تكسير الليفودوبا.
- بعض الأدوية الأخرى:
مثل مضادات الكولين للتحكم في الرعشة، و الأمانتادين للمساعدة في التحكم في بعض الأعراض الحركية.
العلاج التدعيمي
يهدف هذا النوع من العلاج إلى توفير بعض الراحة بخصوص بعض المشاكل في مرض باركنسون، فمثلًا:
- جلسات العلاج الطبيعي: لتحسين مرونة وحركة العضلات.
- جلسات التخاطب: يساعدك طبيبك مع مشاكل الكلام ويمنحك تمارين لمواجهة صعوبة البلع.
- تعديل النظام الغذائي: يحدد طبيبك برنامجًا غذائيًا متكاملًا يناسب حالتك، وقد ينصحك مثلًا بطعام غني بالألياف إذا كنت مصابًا بالإمساك.
هل يمكن علاج مرض باركنسون بالأعشاب؟
تبقى محاولات الإجابة على هذا السؤال شائكة للغاية، نظرًا لغياب التجارب السريرية الكافية التي من شأنها أن تحدد ما إذا كانت تلك الأعشاب فعالة حقًا.

تعد بعض الأعشاب والنباتات، مثل نبتة الموكونا والفول، مصدرا بديلا لليفودوبا عوضًا عن الأدوية.
وكذلك نباتات مثل الكاكاو، أو الزيوت مثل زيت السمك لاحتوائها على مضادات الأكسدة.
ولكن اتباع تلك الآراء، وإهمال العلاج الدوائي، دون الرجوع إلى طبيبك قد يمثل خطرًا لا يستهان به على حالتك الصحية، وقد تتفاعل بعض الأعشاب مع الأدوية التي تتناولها.
اقرأ أيضًا: هل يمكن علاج الاكتئاب بالأعشاب؟
وأخيرًا، عزيزي القارئ، ربما لم نجد بعد علاجًا فعالا يقضي على مرض الباركنسون تمامًا. ولكننا حتى ذلك الحين، قادرون على مد يد العون لتلك الأيادي النقية التي لطالما كانت لنا العصا التي نتوكأ عليها، وكانت لنا الأمان الذي نرجوه.
فربما نستطيع ببعض من الاهتمام والمساندة أن نجعل حياتهم أسهل وألمهم أقل، ولعلنا نرد لهم بعضًا مما صنعوه لنا وما خلفوه وراءهم من أثر.