مرض هنتنغتون | لم ينجُ منه أبنائي الثلاثة!

أطفالٌ طبيعيون، وُلدوا بهيئةٍ سوية وصحةٍ جيدة، نشؤوا بسعادة في كنف آبائهم، ونهلوا من بساتين المرح والعلم والنشاط…
ولكن ما إن خَطَت أقدامُهم عِقد الشباب حتى انطفأت عقولهم النيرة، وتسلل المرض إلى أجسادهم الضعيفة وأنفسهم السوية، مِن حيث لا يحتسب الآباء أو الأبناء!
داءٌ يختبئ في ثنايا الجينات، لا يكشف عن براثنه إلا بعد أن يشتد عضد أحدهم وينهل من كأس الفتوة والشباب!
في هذا الترياق، نتعرف سويًا إلى مرض هنتنغتون وعلاجه، وأبرز أسبابه، وطرق تخفيف أعراضه.
ما مرض هنتنغتون؟
هو مرض وراثي يحدث فيه تحلل أو تكسر للخلايا العصبية في الدماغ تدريجيًا، ما يؤثر في الحركة الجسدية للمريض وعواطفه وقدراته المعرفية أو الإدراكية، ويؤدي إلى حدوث اضطرابات نفسية.
ويعد مرض هنتنغتون أكثر شيوعًا بين الأشخاص من أصل أوروبي، إذ يصيب حوالي ثلاثة إلى سبعة من كل 100,000 شخص من أصل أوروبي.
تظهر أعراض داء هنتنغتون غالبًا في الثلاثينات أو الأربعينات من العمر. ويمكن أن يصيب الأشخاص دون سن العشرين كذلك، ويسمى آنذاك “داء هنتنغتون الشبابي”.
ما أسباب داء هنتنغتون؟
يحدث مرض هنتنغتون بسبب خلل وراثي يصيب أحد الجينات التي تنتقل بدورها من أحد الوالدين إلى الأبناء، إذ يتصف الجين المسؤول عن مرض هنتنغتون بأنه جين سائد -أي إن وجود نسخة واحدة فقط من هذا الجين المعيب كفيل بإحداث الإصابة بالاضطراب-.
إذا كان أحد والديك مصابًا بهذا العيب الجيني، فستكون لديك فرصة بنسبة 50 بالمائة في وراثته، ويمكنك أيضًا نقله إلى أطفالك بنسبة كبيرة.
وتختلف الطفرة الجينية المسؤولة عن مرض هنتنغتون عن العديد من الطفرات الأخرى؛ فلا يوجد بديل أو قسم مفقود في الجين، لكن هناك خطأ في النسخ، إذ يتم نسخ منطقة داخل الجين عدة مرات، ويميل عدد النسخ المتكررة إلى الزيادة مع كل جيل.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

بشكل عام، تظهر أعراض داء هنتنغتون مبكرًا عند الأشخاص الذين لديهم عدد أكبر من التكرارات، ويتطور المرض أيضًا بشكل أسرع مع تراكم المزيد من التكرارات.
أعراض داء هنتنغتون
يوجد نوعان من داء هنتنغتون؛ النوع الأول يختص بظهور المرض عند البالغين، والنوع الثاني هو مرض هنتنغتون عند الأطفال.
أولًا: أعراض المرض لدى البالغين:
يعد ظهور الأعراض بعد طور البلوغ هو أكثر أنواع داء هنتنغتون شيوعًا، فتبدأ الأعراض عادة في العقد الثالث أو الرابع من العمر.
وإليك العلامات الأولية للمرض:
- تهيج عصبي.
- هلوسة.
- الذهان.
- حركات عضلية لا إرادية.
- فقدان التناسق الحركي.
- صعوبة فهم المعلومات الجديدة.
- صعوبة اتخاذ القرارات.
- الاكتئاب.
وتشمل الأعراض التي قد تحدث مع تقدم المرض:
- حركات نفضان لا إرادية، تسمى “الرقص”.
- صعوبة في المشي.
- صعوبة التحدث والبلع.
- الالتباس والتخبط.
- فقدان الذاكرة.
- تغيرات في الشخصية.
- تغيرات في الكلام.
- انخفاض القدرات المعرفية أو الإدراكية.
ثانيًا: أعراض المرض لدى الأطفال:
هذا النوع من مرض هنتنغتون هو الأقل شيوعًا، وتبدأ أعراضه بالظهور في مرحلة الطفولة أو قبل المراهقة.
ويتسبب مرض هنتنغتون المبكر في تغيرات عقلية وعاطفية وجسدية، مثل:
- سيلان اللعاب.
- الحماقة.
- التلعثم (كلام غير واضح).
- بُطء الحركة.
- السقوط المتكرر.
- تصلب العضلات.
- تكرر النوبات.
- انخفاض مفاجئ في الأداء المدرسي.
مراحل المرض
تتدهور الحالة الصحية للمصابين بمرض هنتنغتون تدريجيًا بمرور الوقت. وقد قسم العلماء مراحل المرض إلى أربعة مراحل تبعًا للقدرة الوظيفية (Total Functional Capacity TFC) للشخص المصاب، فكلما تدهورت الحالة الصحية للمريض انخفضت قدرته على أداء الوظائف الطبيعية.
وإليك مراحل تطور مرض هنتنغتون:
مرحلة ما قبل الأعراض: وهي مرحلة تبدأ في بداية الإصابة بالمرض دون ظهور أي أعراض جسدية.
المرحلة المبكرة: تبدأ الأعراض الجسدية بالظهور، وتكون درجة القدرة الوظيفية للمصاب (11-13).
المرحلةُ المتوسطة: يظهر على المريض أعراض جسدية، وتصبح درجة قدرته الوظيفية (7-10) أو (3-6).
المرحلة المتأخرة: تكون لدى المريض أعراض شديدة، وتقل درجة القدرة الوظيفية لديه إلى (1-2) أو (0).
التشخيص
يلعب تاريخ العائلة دورًا رئيسًا في تشخيص مرض هنتنغتون، فإذا عُلم إصابة أحد الوالدين بهذا المرض فإن احتمالية أن تكون هذه الأعراض هي أعراض داء هنتنغتون كبيرة.
بالإضافة إلى التاريخ العائلي، يمكن إجراء مجموعة متنوعة من الاختبارات السريرية والمعملية للمساعدة على تشخيص المرض.
الاختبارات العصبية:
يجري -عادةً- طبيب الأعصاب اختبارات للتحقق من سلامة:
- ردود الفعل.
- تناسق الحركة.
- التوازن.
- قوة العضلات ومرونتها.
- حاسة اللمس.
- السمع والرؤية.
وظائف المخ واختبارات التصوير:
إذا كنت قد أصبت بنوبات صرع، فقد تحتاج إلى مخطط كهربية الدماغ (EEG)، الذي يقيس النشاط الكهربائي في دماغك.

وتُستخدم فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي لتسجيل صور الدماغ بمستوى عالٍ من التفاصيل.
الاختبارات النفسية
قد يطلب منك الطبيب الخضوع إلى اختبار تقييم نفسي للتحقق من مهارات التأقلم والحالة العاطفية والأنماط السلوكية لديك.
الاختبارات الجينية
إذا كنت تعاني عدة أعراض تتشابه مع أعراض مرض هنتنغتون، فقد يوصي الطبيب بإجراء اختبار جيني؛ إذ يمكن للاختبارات الجينية تشخيص هذه الحالة نهائيًّا.
قد تساعدك الاختبارات الجينية أيضًا على تحديد ما إذا كان من الأفضل أن تنجب أم لا، فقد لا يرغب بعض الأشخاص المصابين بداء هنتنغتون في المخاطرة بنقل الجين المعيب إلى الجيل التالي.
كيف يمكن علاج داء هنتنغتون؟
١. الأدوية
توفر الأدوية الراحة من بعض الأعراض الجسدية والنفسية، ولكن قد يحتاج المريض إلى تغيير أنواع الأدوية وكمياتها كل فترة مع تقدم الحالة.
على سبيل المثال:
- علاج الحركات اللا إرادية باستخدام تيترابينازين والأدوية المضادة للذهان.
- علاجُ تصلب العضلات وتقلصات العضلات اللا إرادية باستخدام ديازيبام.
- علاج الاكتئاب والأعراض النفسية الأخرى بمضادات الاكتئاب وأدوية تثبيت الحالة المزاجية.
٢. العلاج الطبيعي
يمكن أن يساعد العلاج الطبيعي على تحسين التنسيق والتوازن والمرونة، وبالاستمرار على التمارين العلاجية يُلاحظ تحسن القدرة على الحركة وانخفاض عدد مرات السقوط.
ويساعد العلاج الطبيعي أيضًا على تحسين مشكلات البلع والأكل.
٣. العلاج المهني
يمكن استخدام العلاج المهني لتقييم الأنشطة اليومية، واستخدام الأجهزة التي تساعد المريض على الحركة والأكل والشرب والاستحمام وارتداء الملابس.
وقد يساعد علاج النطق المريض على التحدث بوضوح إذا كان لا يستطيع التحدث، بالإضافة إلى تعلم وسائل أخرى يمكن استخدامها للتواصل.
المضاعفات
تتضاعف أعراض مرض هنتنغتون بشكل ملحوظ مع تقدم المرض، ويختلف معدل التقدم لكل مصاب عن الآخر بناء على عدد التكرارات الجينية الموجودة داخل الشريط الوراثي “الجينوم”، إذ تدل التكرارات الأقل -عادةً- على أن المرض يتطور ببطء.
ويعيش الأشخاص البالغون المصابون بداء هنتنغتون عادًة من 15 إلى 20 عامًا من بعد بدء ظهور الأعراض، وقد تُختزل المدة لتصبح 10 إلى 15 عامًا فقط بعد ظهور الأعراض.
وتشمل أسباب الوفاة بين المصابين بمرض هنتنغتون:
- الالتهابات، مثل الالتهاب الرئوي.
- الانتحار.
- الإصابات نتيجة السقوط المتكرر.
- مضاعفات عدم القدرة على البلع.

عزيزي القارئ، تتشابه أعراض داء هنتنغتون مع العديد من الحالات المرضية، لذا من المهم الرجوع إلى الطبيب عند ملاحظة أي تغيرات في حركتك أو حالتك العاطفية أو قدرتك العقلية.
ولا داعي للقلق بشأن هذا المرض، فهو أحد الأمراض النادرة التي تتحسن أعراضها بالمواظبة على الدواء وخطة العلاج.