مفاهيم ومدارك

مهارة تعدد المهام | هل أنت حاسوب؟!

“هل أنت حاسوب؟!”

سؤال طرحه أحد المارة على رجل غريب الأطوار في إحدى الشوارع.

حالة الرجل قبل بضعة أشهر…

اعتاد الرجل البحث في علم الحواسيب والروبوتات وتوسع في البحث، ووجد أن من أهم مميزات الحاسوب تعدد المهام.

وفي ذات يوم خطرت له فكرة غريبة وقال:” لم لا أصبح روبوتًا وأنجز المهام المتعددة في نفس الوقت؟!”

ومنذ ذلك الحين بدأ يتعامل مع نفسه على أنه حاسوب حتى تغلغلت الفكرة في أعماقه واعتقد أنه كذلك بالفعل؛ ولكن مع الأسف لم يستطع أن ينفذ مهارة تعدد المهام كما يفعل الحاسوب.

نتحدث في هذا المقال عن تعدد المهام وسلبياته وإيجابياته، وكيفية صقل هذه المهارة في خطوات فعلية بسيطة.

تعريف تعدد المهام 

تعدد المهام (multitasking) هو أداء الشخص لعدة مهمات بمفرده في نفس الوقت، مثل: التحدث في الهاتف في أثناء القيادة، أو مشاهدة التلفاز في أثناء المذاكرة، أو تناول الطعام في أثناء التمرين… إلخ.

ويُطلَق مصطلح “تعدد المهام” في الأصل على الحاسوب الذي يستطيع معالجة البيانات لعدة مهام معًا، في نفس الوقت وبأعلى كفاءة.

ثم انتقل المصطلح إلى الأشخاص الذين يعتقدون أنهم قادرون على إنجاز أكثر من عمل في نفس الوقت بكفاءة عالية، لكن -مع الأسف- هذا اعتقاد خاطئ.

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

فقد أشارت الأبحاث إلى أن 2% فقط من البشر يتمتعون بمهارة تعدد المهام، وأداء الأعمال المختلفة في نفس الوقت بكفاءة عالية، دون التأثير على التركيز أو جودة العمل.

وهي هبة لا يمتلكها الكثير؛ فعقولنا ليست حواسيب، وهي غير قادرة على معالجة البيانات المختلفة والتعامل معها كلها في الوقت ذاته بنفس الكفاءة، فالانتقال من مهمة لأخرى ثم العودة إلى نفس المهمة يؤدي إلى تشتت التركيز وهدر الوقت، فيصبح إنجاز العمل أبطأ وأقل كفاءة.

أما عن السواد الأعظم من البشر، فإن تعدد المهام بالنسبة لهم إنما يقلل من نسبة التركيز لإحدى المهمات ليصرفه إلى مهمة أخرى، ويرجح الباحثون أن تعدد المهام يقلل حوالي 40% من قدرة الفرد على الإنتاجية.

ونضرب مثالًا على ذلك: إذا كنت تستقل سيارتك وتعطي كامل تركيزك للقيادة، ثم تحدثت في هاتفك المحمول في أثناء القيادة، فإن نسبة تركيزك تقل من 100% للقيادة إلى أقل من ذلك بكثير لتقسمها بين المهمتين.

والجدير بالذكر أن الدراسات قد أثبتت تفوق المرأة على الرجل في مهارة تعدد المهام.

وعلى الرغم من الاختلاف بين مؤيد ومعارض لتعدد المهام، إلا أنها صارت مهارة مهمة ومطلوبة على كثير من الأصعدة، ونستعرض معًا فيما يلي إيجابيات وسلبيات تعدد المهام.

إيجابيات تعدد المهام

إيجابيات تعدد المهام

نذكر أهم إيجابيات تعدد المهام فيما يلي:

  • توفير الوقت والمال

يوفر تعدد المهام الوقت بشكل ملحوظ، ومثال على ذلك أنك تستطيع سماع بعض الدروس العلمية في أثناء أداء رياضة الجري، وبذلك توفر وقتًا كبيرًا.

وكذلك يوفر المال؛ فإذا كنت صاحب عمل، فإن تعيين موظف لديه مهارة تعدد المهام أفضل من توظيف أكثر من عامل للقيام بكل مهمة على حدة، وبالتالي توفر المال لأمر أهم.

  • زيادة الإنتاجية

تنقسم الأعمال إلى ما هو روتيني يحدث بشكل يومي، وما هو غير روتيني؛ فالأعمال الروتينية يتقن الشخص أداءها، ولا يحتاج إلى صرف التركيز الكامل لها.

لذا، يمكن الاستفادة من ذلك في أداء الأعمال المتعددة، بخلط الروتيني منها مع غير الروتيني في نفس الوقت، للحصول على أفضل النتائج وزيادة الإنتاجية.

  • تجنب الوقوع في فخ التسويف

فالتسويف من أكثر الأمور التي تؤدي إلى الفشل، وينتج عن الشعور بثقل المهمات وكثرتها، فكونك تتميز بمهارة تعدد المهام يجعلك تنجز الكثير منها في وقت واحد، وبالتالي تشعر بالارتياح والحماسة لأداء المزيد.

  • المرونة والتكيف

فالانتقال من مهمة لأخرى بكفاءة عالية يزيد من مرونة الشخص، وقدرته على التكيف سريعًا مع مستجدات الأمور، سواء في العمل، أو في الدراسة، أو على المستوى الأُسَري… إلخ.

سلبيات تعدد المهام

سلبيات تعدد المهام

تتعدد سلبيات تعدد المهام وتؤثر بشكل بالغ في كفاءة العمل، وكذلك على الفرد ذاته، ونذكر أهمها فيما يلي:

  • قلة الجودة

لعل تعدد المهام يزيد من الإنتاجية في بعض الأحيان، إلا أنه قد يسبب قلة جودة المنتج، وهو أمر طبيعي؛ فقلة التركيز تؤدي إلى كثرة الأخطاء، وبالتالي نقص الجودة.

  • التشتت

يعاني الأشخاص الذين يتناولون عدة مهام -في نفس الوقت- تشتت التركيز، أو ما يُسمَّى بـ”الإلهاء السلوكي”،
وهو ما أقرَّته بعض الدراسات. ويفترض أنه مع التعرض للكثير من المهام، يفقد الشخص القدرة على التمييز بين
التداخلات المهمة وغير المهمة.

  • الضرر المباشر على المخ

فقد أوضحت دراسة حديثة أن تناول الشخص لعدة مهمات في وقت واحد يؤدي -مع الوقت- إلى نقص المادة الرمادية
في المخ، بالتحديد في المنطقة المسؤولة عن التحكم المعرفي الإدراكي وتنظيم المشاعر والحوافز، وبالتالي تؤثر في خواصه الإدراكية على المدى البعيد.

  • التأثير في الذاكرة 

فقد أثبتت دراسة أُجرِيَت عام 2016 أن تعدد المهام -وخاصة لمستخدمي الأجهزة الحديثة بشكل مستمر،
كالتلفاز والهواتف وغيرها- يؤدي مع مرور الوقت إلى ضعف الذاكرة قصيرة المدى (وهي المسؤولة عن تخزين
المعلومات في أثناء أداء المهمة)، وكذلك ضعف الذاكرة بعيدة المدى (وهي التي تخزن المعلومات لفترات طويلة لاسترجاعها والاستفادة منها وقت الاحتياج إليها).

  • التعرض للمشكلات البدنية

وما أكثرها في هذه الأيام! فبالتزامن مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، زادت حوادث السير بشكل ملحوظ،
حيث يَنصَبُّ تركيز الشخص على محادثة ما على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي في أثناء السير، مما يعرضه
لحوادث مروعة قد تودي بحياته، أو تتسبب في عاهة مستديمة.

  • التأثير في العلاقات الاجتماعية

فتعدد المهام قد يؤدي إلى إفساد العلاقات الاجتماعية؛ تخيل معي أن أحد الأصدقاء يحادثك في أمر مهم،
وفي أثناء كلامه انشغلت بتصفح الـ”فيس بوك”، فهذا أحرى بأن يعتقد أنك لا تهتم بكلامه وتقلل من شأنه،
وبالتالي قد يقطع علاقته بك.

وهذا على سبيل المثال لا الحصر، فهناك ما لا يُعَدُّ من الأمثلة على هذا الأمر، سواء على النطاق الأسري،
أو في العمل، أو مع الأصدقاء المقرَّبين.

  • التأثير في الصحة النفسية 

تعددت الأبحاث في هذا الأمر؛ فقد وُجِد أن لتعدد المهام تأثيرًا كبيرًا في الصحة النفسية، فهي تزيد من الضغوطات
النفسية، وكذلك الاكتئاب والقلق، الأمر الذي يؤدي إلى الدخول في دائرة من الاضطرابات ربما يصعب الخروج منها.

مهارات تعددِ المهام (multitaskig)

مهارات تعددِ المهام

تُعَدُّ مهارات تعدد المهام من أهم المميزات للشخص في هذا الزمان؛ فعلى الرغم من أنها غير محمودة في أغلب
الأحيان، إلا أن امتلاكها يميز الشخص عن البقية.

وكما تقدم ذكره، فإن تعدد المهام من الأمور الفطرية التي يتميز بها القليل من البشر. ولكن يأتي السؤال المهم،
هل تُكتسَب مهارات تعدد المهام؟

إن الله قد خلق لنا عقلًا معقد التركيب، وله مميزات وقدرات تفوق الخيال إذا أُحسِن استخدامه، ومن أهم مميزاته أن
لديه القدرة على اكتساب المهارات والتطور بشكل احترافي مع الوقت.

لذا، نستطيع أن نجيب بـ”نعم” على هذا السؤال؛ فمهارة تعددِ المهام تُكتسَب كبقية المهارات. ونقدم لك –
عزيزي القارئ- بعض الخطوات لصقل هذه المهارة لديك:

  • اصنع قائمة لأعمالك، ورتِّب أولوياتك. 
  • ضع خطة زمنية مناسبة لإنجاز الأعمال.
  • انجز الأعمال المتشابهة معًا.
  • تجنَّب المشتتات.
  • اطلب المساعدة إذا كثرت المهام.
  • اجعل أعمالك عادة.
  • خذ قسطًا من الراحة.

ختامًا عزيزي القارئ…

تعلَّم المهارات الجديدة كل يوم؛ فهذا سيغير حياتك للأفضل. وتعلَّم كيفية أداء الأعمال المختلفة في وقت واحد لتتميز
عن غيرك من أقرانك، وتوفر الكثير من الوقت، لكن لا تنسَ أخذ القسط الكافي من الراحة.

المصدر
How Multitasking Affects Productivity and Brain Health10 Real Risks of Multitasking, to Mind and BodyMultitasking: Definition, Benefits & Examples12 Reasons to Stop Multitasking Now!How Does Multitasking Impact Productivity?8 Simple Tips to Develop Your Multitasking Skills
اظهر المزيد

د. محمود المغربي

صيدلي إكلينيكي، عملت في المجال الطبي لسنوات اكتسبت خلالها الخبرة الكافية بالإضافة إلى الخلفية الطبية القوية كصيدلي إكلينيكي. أهدف إلى مساعدة الناس على تحقيق حياة صحية أفضل من خلال إعطائهم معلومات دقيقة تستند إلى مراجع طبية موثوقة، بأسلوب كتابة سهل تتحول فيه المعلومات الطبية الأكثر تعقيدًا إلى كلمات سلسة تتدفق بسهولة في ذهن القارئ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى