ترياق الأسرةترياق الطفل

نظام الدمج في التعليم (Inclusion).. بين المميزات والعيوب!

يقول أينشتاين: «ستمضي السمكة بقية حياتها معتقدةً أنها حمقاء، إذا قيمتها بناءً على قدرتها على تسلق شجرة!».
هكذا أمضى أخي الأصغر المصاب بالشلل الدماغي أغلب سنوات طفولته، معتقدًا أنه أحمق، لأنه واجه صعوبة في القراءة والكتابة والحديث.
لكن ما لم نكن نعلمه أن المشكلة ليست به، وإنما بمن يطلب منه تسلق الشجرة!
اكتشفنا هذه الحقيقة عندما قرأنا عن نظام الدمج في التعليم، وتعرفنا أهميته لذوي الاحتياجات الخاصة والمجتمع ككل، وهذا هو موضوع مقالنا اليوم.

تعريف نظام الدمج في التعليم

تعريف الدمج يسير للغاية، إذ يمكننا تعريفه بأنه: محاولة خلق بيئة شاملة، يُدمج فيها الطلاب ذوو الاحتياجات الخاصة مع أقرانهم من الفئة العمرية نفسها في فصول دراسية واحدة. 

ويدرس التربويون تعميم هذا النظام على جميع المدارس، بهدف تقديم تجربة تعليمية ذات جودة لجميع الأفراد.

يُطبق نظام الدمج في التعليم على أطفال الشلل الدماغي، ومتلازمة داون، والأطفال ذوي الإعاقات البصرية أو السمعية أو العقلية، مثل: 

يرتكز نظام الدمج في التعليم على مفهوم أساسي، وهو: تقبل جميع الاختلافات البشرية. 

يرفض هذا النظام أي معايير مسبقة للطالب الناجح، فجميع الأطفال بمختلف مهاراتهم الجسدية والعقلية أكفاء ومميزون، ويمكنهم تقديم نتائج رائعة عند توفير البيئة المناسبة لهم.

يمكن توفير هذه البيئة المناسبة عند إعادة تطوير المدارس والفصول والمناهج والأنشطة الدراسية، بطريقة تلائم اختلافات الجميع؛ فيشعر جميع الأطفال بالقبول والترحيب.

كيف بدأ نظام الدمج في التعليم؟

ظهر نظام الدمج في التعليم نتيجة حتمية لما يُعرف بـ”النموذج الاجتماعي للإعاقة”. 

يعد هذا النموذج إعلان حقوق لأصحاب الإعاقات، إذ يحررنا من النظرة الطبية الضيقة للإعاقة (كونها مرضًا يتطلب علاجًا) إلى نظرة أوسع وأشمل. 

فأصحاب الإعاقات بشر كسائر البشر، أما المشكلة فتكمن في الأنظمة الجامدة التي وُضعت لتلائم احتياجات فصيل واحد. 

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

هذه هي النظرة الاجتماعية للإعاقة! 

إن الإعاقة ليست إعاقة في ذاتها، بل تظهر عندما يصطدم أصحابها بالواقع المُعيق! 

ويهدف النموذج الاجتماعي إلى إعادة تطوير المؤسسات المختلفة بشكل يلائم احتياجات الجميع -نظام الدمج في التعليم مثال حي على ذلك.

يختلف نظام الدمج التعليمي عن مدارس الاحتياجات الخاصة، إذ يهدف الدمج إلى خلق المزيد من التواصل بين الأطفال ذوي الإعاقة وأقرانهم، ومحاولة وضع حد للعزلة التي يعانيها هؤلاء الأفراد، فيرحب بهم جزءًا من المجتمع نتقبل اختلافه. 

تبدو الفكرة مغرية نظريًا، لكن ربما تنتابك بعض الشكوك: 

هل الفكرة قابلة للتطبيق بالفعل؟ وهل من نتائج ملموسة لنظام الدمج في التعليم؟

دعونا نستكشف ذلك…

كيف نطبق نظام الدمج في التعليم؟ 

يبلغ عدد الأطفال ذوي الإعاقة نحو مائة مليون حول العالم، لا يتلقى نصفهم تعليمًا مدرسيًّا. 

يرجع السبب إلى عنصرية وتهميش شديدين يعانيهما هؤلاء الأطفال، خاصة في مجال التعليم.

هنا تظهر أهم شروط الدمج، وهو: إعادة تصميم الأنظمة التعليمية لتصبح أكثر مرونة وقدرة على استقبال الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

لا بد أن تشمل إجراءات الدمج جميع التفاصيل، بدءًا من إعادة تصميم الأبنية وتوفير مساحة آمنة للتنقل، وصولًا إلى المناهج الدراسية ومعايير التقييم.

أمثلة على هذه الإجراءات:

  • إعادة تدريب المعلمين والمعلمات وتوعيتهم بحالة الأطفال الطبية.
  • توعية الطلاب غير المعاقين بحالة زملائهم واحتياجاتهم.
  • استخدام وسائل مختلفة لعرض المعلومات: مكتوبة، ومرئية، ومسموعة.
  •  التأكد من وصول المعلومة بوضوح إلى جميع الطلاب.
  • تشجيع فكرة التعلم الجماعي.
  • الاستعانة بالطلاب الآخرين لمساعدة زملائهم من ذوي الاحتياجات الخاصة على أداء الاختبارات أو الأنشطة.
  • التأكد من اشتراك جميع الطلاب في الأنشطة المختلفة، ومعرفتهم بموعد الاختبارات والواجبات المطلوبة.
  • الانفتاح على طرق مبتكرة لتقييم الطلاب غير الاختبارات المكتوبة، مثل: التقييم الشفهي، أو العروض التقديمية، أو صنع مقاطع فيديو.

فوائد نظام الدمج

ظهرت العديد من الدراسات التي تخبرنا بفوائد نظام الدمج في التعليم، وتبينَ أن هذه الفوائد لا تقتصر على الأطفال ذوي الإعاقة فحسب، بل تشمل زملاؤهم غير المعاقين أيضًا.

أُجريت هذه الدراسات على مدار العقود الثلاث الماضية، وأثبتت جميعها تطور مهارات الأطفال ذوي الإعاقة وارتفاع نسبة تحصيلهم الدراسي في فصول الدمج. 

إذ أظهرت أن هؤلاء الأطفال كانوا أكثر انفتاحًا وقدرةً على كسب الأصدقاء، ولاحظت تقدمًا في تعلمهم مهارات القراءة والكتابة والحساب.

يُظهر الأطفال غير المعاقين تقدمًا في تحصيلهم الدراسي أيضًا، إذ يستفيدون من الوسائل التعليمية الجديدة التي يستخدمها المعلمون، وتتعزز لديهم صفات حميدة مثل: التعاون والانفتاح وقبول الآخر.

أشارت الدراسات أيضًا إلى أن الأطفال ذوي الإعاقة لا يبطئون سير العملية التعليمية، فلا يختلف وقت التدريس أو الأنشطة في فصول الدمج عن غيرها.

هذه هي إيجابيات نظام الدمج في التعليم، لكن ماذا عن عيوبه؟ هل توجد انتقادات له؟

عيوب النظام

لا يتفق الجميع على نظام الدمج في التعليم، فمن عيوب الدمج: 

  • الجانب الاقتصادي:

يحتاج نظام الدمج في التعليم إلى تمويل، سواء لتعديل الأبنية التعليمية أو تعيين مختصين أو تدريب المعلمين.

  • تقليل كفاءة العملية التعليمية:

يحتاج ذوو الاحتياجات الخاصة إلى تعديلات تناسبهم في طريقة عرض المعلومة ومدتها، مما قد يعطل الطلاب الآخرين.

  • زيادة احتمالية التصرفات المسيئة:

قد يتعرض ذوو الاحتياجات الخاصة للتنمر والإساءة نتيجة لاختلافهم.

  • تهميش ذوي الاحتياجات الخاصة:

قد تُهمش مشاركات ذوي الاحتياجات الخاصة في فصول الدمج، نتيجة قلة عددهم.

بهذا ينتهي حديثنا عن نظام الدمج في التعليم، ولكني أود التذكير بمقولة آينشتاين، لأذكر نفسي وإياكم بأن الاختلاف ليس عيبًا، وأنه جزء لا يتجزأ من طبيعتنا البشرية.

لذا، دعونا نكف عن مطالبة الجميع بتسلق الأشجار، ونسمح لأحبائنا أن يستمتعوا باختلافهم الفريد!

بقلم د/ إسراء أحمد

المصدر
Inclusive Education: What It Means, Proven Strategies, and a Case StudyInclusive educationChallenges for Teachers in Special-Needs-Inclusive Classrooms
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى