نظرية الديجافو | ما وراء العقل البشري

ذهبتُ إلى مطعم جديد مع أصدقائي وفي أثناء تناولي العشاء، شعرت فجأة أن هذا الموقف تكرر من قبل.
شعرت أنني رأيت هذا المكان من قبل وسمعت نفس الحديث من أصدقائي سابقًا، ببساطة أعتقد أنني عشت نفس الموقف مرتين.
ولكن شعرت بالرهبة عندما أخبرني أصدقائي أن هذا المطعم افتُتح بالأمس فقط!
هل شعرتَ بهذه الظاهرة من قبل؟
هل تعلم ما هي نظرية الديجافو؟
إن شعرت بهذه الظاهرة المريبة يومًا ما، تابع معنا هذا المقال حتى تتعرف إلى أنواعها وأسباب حدوثها.
ما هي نظرية الديجافو؟
تبهرنا دائمًا قدرة العقل البشري على التخيل والإبداع، ولكن توجد أحيانًا بعض الألغاز التي لم يتمكن العلم من تفسيرها لسنوات طويلة.
لعل أغلبنا قد مر بهذه التجربة، فقد تسافر خارج البلاد أول مرة في حياتك وتتحدث مع أشخاص غرباء، وتشعر فجأة أنك عشت هذا الموقف من قبل.
أطلق العالم “إميل بويرك” على هذه الظاهرة اسم “لغز ديجافو”، وهي كلمة فرنسية تعني “شوهد سابقًا”.
على الرغم من استمرار هذه الظاهرة للحظات قليلة، فإن شعور الشخص بالمعرفة المسبقة قد يسبب له الرهبة؛ إذ إنه لا يستطيع أن يجد تفسيرًا منطقيًّا لهذا الشعور.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
أثبتت الدراسات أن هذه الظاهرة شائعة نسبيًّا؛ إذ يشعر بها 70% من البشر خلال مرحلة معينة من حياتهم، ولكن يتلاشى هذا الشعور مع تقدم العمر.
أنواع الديجافو
بعد أن علمنا إجابة السؤال الشهير “ما هو الديجافو”، نتحدث الآن عن أنواع الديجافو وتأثيرها في أحداث حياتنا اليومية.
تنقسم أنواع الديجافو إلى:
1- أشياء شاهدتها سابقًا (Deja Vecu)
هو النوع الأكثر حدوثًا، وفيه يشعر الشخص بأنه رأى الموقف الحاضر بكل تفاصيله من قبل، وقد تكون هذه المواقف روتينية في حياة الشخص.
ولكن تذكُّر كل التفاصيل والمعلومات المرتبطة بالحدث، هو ما يدفع الشخص إلى الشعور بالغرابة.
تحدث هذه الظاهرة عادة في سن الشباب (من 15 إلى 25 سنة)، وذلك لأن العقل يكون قادرًا على ملاحظة التغيرات البسيطة وربط الأحداث.
2- شعور عشته من قبل (Deja Senti)
يعتقد الشخص أحيانًا أنه تعامل مع نفس المشاعر سابقًا، ولكنه لا يتذكر زمان أو مكان الحدث.
يفسر العلماء هذا النوع بسهولة؛ إذ إننا نشعر بالكثير من المشاعر في أثناء مواقف حياتنا اليومية، فهو أمر طبيعي جدًّا أن تختلط مشاعرك وتعتقد أنك عشت هذا الشعور من قبل.
3- أماكن زرتها من قبل (Deja Visite)
يعد هذا النوع أغرب الأنواع وأقلها حدوثًا، وفيه يشعر الشخص بشعور متناقض؛ إذ يشعر بأنه يعرف تفاصيل المكان جيدًا ويعرف طريق الوصول إليه، على الرغم من عدم زيارته هذا المكان من قبل.
العوامل المؤثرة في نظرية الديجافو

توجد بعض العوامل التي تجعلك أكثر عرضة للشعور بظاهرة ديجافو، مثل:
العمر
أثبتت الدراسات أن هذه الظاهرة تحدث عادة في مرحلة الشباب والمراهقة، وتختفي في مرحلة الشيخوخة.
سمات الشخصية
تعد هذه الظاهرة أكثر حدوثًا بين الشخصيات الاجتماعية، والأفراد الأكثر تعليمًا.
السفر
يرجح العلماء أن الأشخاص المحبين للسفر والتجوال أكثر عرضة للشعور بظاهرة ديجافو.
فقد أُجريت بعض الأبحاث في عام 1967، وأثبتت أن 44% من الأشخاص الذين يسافرون 5 مرات سنويًّا أو أكثر يشعرون بهذه الظاهرة باستمرار.
الحالة النفسية
يؤثر التوتر والإرهاق سلبًا في حالتنا النفسية، لذلك ترتبط هذه الظاهرة ببعض الأمراض النفسية، مثل:
- اضطراب القلق العام.
- الاكتئاب.
- الصرع.
- الفصام.
ولكن لا توجد نتائج كافية تؤكد لنا العَلاقة بين لغز ديجافو والأمراض النفسية.
ما أسباب الديجافو؟

لم يستطع العلماء تفسير نظرية الديجافو بسهولة؛ إذ إنها تحدث فجأة وتستمر للحظات قليلة.
ولا يمكن أن نضع شخصًا داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) وننتظر حدوث هذه الظاهرة؛ لأن الأمر يستغرق مدة طويلة قد تصل إلى عدة أسابيع.
لذلك، لا توجد إجابة قاطعة لهذا السؤال، ولكننا سنذكر بعض أسباب الديجافو الأكثر إقناعًا التي تربط بين علم النفس وعلم الأعصاب، ومنها:
1- نظرية اضطراب الذاكرة
يطلق عليها أيضًا “عدم تطابق الذاكرة” وتعني أنك رأيت نفس الموقف مرتين متتاليتين يفصل بينهما جزء أقل من الثانية.
ولكن في المرة الأولى تشتت انتباهك، لذلك لم تتمكن من ملاحظة تفاصيل المشهد بالكامل، ولكن عقلك احتفظ بكمية محدودة من المعلومات.
لذلك عندما تنتبه جيدًا في المرة الثانية، سيذكرك عقلك بالتصور السابق، فتشعر أنك عشت هذا الموقف من قبل، ولكن في الواقع هذا تصور مستمر لنفس الحدث.
2- نظرية اختلاف سرعة العين
تفترض هذه النظرية وجود خلل في حاسة البصر؛ إذ ترسل العين الأقوى المعلومات إلى اللا وعي قبل العين الأخرى.
ولكن عقلك يسجلها كتجربة واعية، لذلك تشعر أنك رأيت المشهد سابقًا.
ولكن لا توجد أبحاث كافية تؤكد صحة هذه النظرية، فالديجافو لا يشمل حاسة البصر فقط.
3- تأخر الإرسال العصبي
يعتقد العلماء أن تأخر استقبال أحد فَصَّيّ المخ لإشارات الصورة التي تراها العين، يسبب وصول المعلومات إلى الدماغ مرتين.
لذلك يتعامل الدماغ مع المعلومات بطريقتين مختلفتين، ويخبرك أن هذا المشهد قديم ومكرر.
4- الحاجة إلى الاسترخاء
ربما تشعر بظاهرة الديجافو باستمرار إن كنت تعاني اضطرابات النوم والقلق المستمر.
قد يكون السبب ببساطة أن دماغك يخزن قدرًا كبيرًا من المعلومات في اليوم الواحد، وهو ما يُفقده القدرة على التركيز وتحديد الزمن.
لذلك تشعر أن الحدث قديم وأنك عشته بكل تفاصيله من قبل.
ولكن يمكنك أن تعد هذا الشعور إشارة من عقلك يخبرك بها أنه يحتاج إلى الراحة، وهو ما يمنحك الوقت للشعور بالهدوء والسلام الداخلي.
5- التجربة حدثت من قبل
عندما نحاول أن نجد إجابة سؤال “ما هو الديجافو؟” نفكر في جميع النظريات المنطقية وغير المنطقية، ولكننا لا نشك في صحة ذاكرتنا، فقد يكون النسيان هو الحل البديهي لهذا اللغز.
قد تكون عشت تجربة معينة من قبل ولكنك لا تتذكرها ولا تتذكر تفاصيلها، وعندما تكرر موقف يشبه تلك التجربة القديمة تذكرت فقط المشاعر التي شعرت بها في الماضي.
نظرية الديجافو والصرع
توجد علاقة غامضة بين نظرية الديجافو والصرع؛ إذ يشعر أغلب مرضى الصرع بظاهرة الديجافو باستمرار، وفي بعض الحالات تكون هذه الظاهرة إشارة مبكرة للإصابة بالصرع.
يوجد نوع خاص من الصرع يسمى “صرع الفص الصدغي”، الذي يسبب زيادة نسبة هرمون الدوبامين، وهو ما يؤدي إلى زيادة نشاط الخلايا العصبية في الدماغ.
لذلك يعتقد بعض الأطباء أن اضطراب الإشارات العصبية في المخ نتيجة الصرع يسبب خللًا في تكوين الذكريات وترتيبها، فيعتقد المريض أنه عاش نفس اللحظة مرتين.
متى يجب القلق من ظاهرة ديجافو؟

قد تبدو نظرية الديجافو مجرد خدعة بسيطة يستخدمها عقلك في تضليلك، ولكن هل يمكن أن يصبح الأمر أخطر من ذلك؟
يشعر أغلب الأشخاص بهذه الظاهرة للحظات قليلة ولا تتكرر كثيرًا، ولكن في بعض الحالات تكون ظاهرة الديجافو علامة تدل على وجود مشكلة عصبية.
لذلك يجب عدم تجاهل الأعراض الآتية:
- تكرار حدوث هذه الظاهرة أكثر من مرة في الأسبوع.
- رؤية مشاهد مرئية غير طبيعية تشبه الأحلام.
- فقدان الوعي.
- سرعة ضربات القلب.
- اضطرابات في النوم.
- الشعور بالخوف والتوتر باستمرار.
ينبغي زيارة الطبيب عند الشعور بالأعراض السابقة، حتى لا تتدهور الحالة وتسبب بعض الحالات المرضية شديدة الخَطَر مثل: الخرف.
في النهاية، قد تبهرنا قصص وأفلام الخيال العلمي ونتعجب من قدرة المؤلف على كتابة هذه الروايات.
ولكن بعد أن تعرفت إلى نظرية الديجافو، تأكد أن عقلك قادرٌ على خداعك وتضليلك أكثر من أي قصة أخرى!