ماذا تعرف عن نظرية الذكاء العام ؟

كانت تشعر بأن طفلها يعاني بعض صعوبات التعلم، وبأن أداءه الدراسي أقل من أقرانه.
ذهبت به إلى بعض المختصين، فاقترحوا عليها أن تجري له عدة اختبارات لمعرفة معدل الذكاء العام لديه، وأي نوع من الذكاءات المتعددة يمتلكه، حتى يستطيعوا تحديد المشكلة التي تسبب له صعوبة التحصيل الأكاديمي.
كان الأمر محيرًا للأم بعض الشيء، فيا تُرى ما هو الذكاء العام؟ وكيف يمكن قياسه؟
تابعنا -عزيزي القارئ- عبر سطور هذا المقال، لنخبرك كل ما تحتاج معرفته عن الذكاء ونظرياته وطرق قياسه.
في البداية، دعونا نلقي نظرة على ما يعنيه مفهوم الذكاء، وتاريخ ظهوره.
مفهوم الذكاء
“الذكاء” من أكثر المواضيع الشائكة التي يتحدث عنها علم النفس منذ بداية نشأته. وحتى هذه اللحظة لم يتفق العلماء على تعريف موحد لما يعنيه مفهوم الذكاء بالضبط.
فبينما يرى بعضهم أنه يعني القدرة العقلية العامة للفرد، يرى آخرون أنه يمثل مجموعة من المواهب والقدرات والمهارات التي يمتلكها كل شخص على حدة.
ولم يقف اختلاف العلماء عند تعريف مفهوم الذكاء فحسب، بل امتد ليشمل اختباراته كذلك؛ إذ شكك بعضهم في كفاءة تلك الاختبارات، وفي قدرتها على قياس نسبة الذكاء العام عند الأفراد، أو حتى معرفة نوع الذكاء الذي يمتلكونه.
ولكي نفهم أكثر هذا الأمر، دعونا نتحدث عن مفهوم الذكاء السيكولوجي.
ماذا يعني مفهوم الذكاء السيكولوجي؟
يشير مفهوم الذكاء السيكولوجي إلى تعريف الذكاء العام. وعلى الرغم من اختلاف العلماء حول هذا الأمر، فإنهم استطاعوا التوصل إلى بعض التعريفات المهمة.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
تعريف مفهوم الذكاء:
يشير مفهوم الذكاء السيكولوجي إلى القدرة العقلية للأشخاص، وتلك القدرة هي التي تمكنهم من التفكير العقلاني المجرد، والتخطيط، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات، والتكيف مع البيئة المحيطة بفاعلية.
ويعني كذلك -أي الذكاء- القدرة على التعلم، واكتساب المهارات، والإبداع، والتواصل الفعال مع الآخرين.

تاريخ الذكاء في علم النفس
ظهر مصطلح معدل الذكاء (أو IQ) لأول مرة في تاريخ علم النفس في أوائل القرن العشرين، بواسطة عالم نفس ألماني يُدعى «ويليام ستيرن».
بعد ذلك، ابتكر عالم النفس «ألفريد بينيه» أولى اختبارات الذكاء، وذلك من أجل مساعدة الحكومة الفرنسية على تحديد طلاب المدارس، الذين يحتاجون إلى مساعدة خاصة لزيادة تحصيلهم الأكاديمي، وكان «بينيه» أول من أدخل مفهوم “العمر العقلي” إلى علم النفس، ويعني مجموعة القدرات التي يمتلكها الطفل في سن معين.
اقرأ هنا أيضًا عن: تنمية القدرات العقلية للطفل.
نظريات الذكاء
في خلال المئة عام الماضية، ظهرت العديد من النظريات التي اقترحها العلماء في محاولة منهم لشرح مفهوم الذكاء الواسع.
فيما يأتي أشهر ثلاث نظريات من نظريات الذكاء:
- نظرية الذكاء العام.
- نظريةُ القدرات العقلية الأساسية.
- نظرية الذكاءات المتعددة.
في السطور القادمة، سنتناول كل واحدة من تلك النظريات بشيء من التفصيل.
الذكاء العام
في العام 1904، اقترح عالم النفس الإنجليزي «تشارلز سبيرمان» نظرية عن الذكاء عُرفت بنظرية العامليْن، وهي من أولى النظريات التي حاولت تعريف الذكاء العام.
وتقول النظرية، إن تعريف الذكاء العام (والمعروف أيضًا باسم عامل g – أو g factor) يشير إلى حالة عامة من القدرة العقلية، التي تحتوي في طياتها على مجموعة معينة من المهارات والقدرات المتعددة.
تشمل تلك المهارات -طبقًا لسبيرمان-: المهارات اللفظية، والمكانية، ومهارات العد، والمهارات الميكانيكية.
توصل سبيرمان لهذه النظرية بعد استخدامه تقنية تُعرف بـ “تحليل العوامل”، والتي استخدم فيها مجموعة من الاختبارات لقياس الكفاءة العقلية، ووجد أن نتائج تلك الاختبارات جاءت متشابهة.
بمعنى أن الأشخاص الذين كان أداؤهم جيدًا في أحد تلك الاختبارات العقلية، كانت نتائجهم جيدة كذلك في بقية الاختبارات. أما الآخرون الذين كان أداؤهم ضعيفًا في أحد الاختبارات، كانوا يميلون إلى تحقيق نتائج ضعيفة في بقية الاختبارات أيضًا.
وقد خلص “سبيرمان” من هذه التجارب إلى أن الذكاء يعد بمثابة قدرة عقلية عامة يمكن قياسها والتعبير عنها عدديًا.

اختبارات الذكاء العام
طبقًا لنظرية الذكاء العام، فإن جميع المهام المعرفية والعقلية للفرد تتأثر بعامل الذكاء العام أو (g factor).
حديثًا، ظهرت بعض الاختبارات -مثل اختبار (ستانفورد – بينيه)- التي يُعتقَد بأنها قادرة على قياس العوامل المعرفية المختلفة التي تشكل الذكاء العام.
تشمل اختبارات الذكاء العام:
- المنطق الكمي: وهو الاختبار الذي يتضمن القدرة على حل المسائل العددية.
- الاستدلال السائل: ويختبر قدرة الفرد على التفكير المرن، وحل المشكلات.
- المعالجة البصرية المكانية: وتختبر قدرة الشخص على تجميع القطع، ونسخ الأشكال المعقدة.
- المعرفة: وتختبر معرفة الشخص بمجموعة واسعة من الموضوعات العامة.
- الذاكرة العاملة: وتختبر سعة الذاكرة القصيرة المدى، مثل قدرة الشخص على تكرار قائمة ما.
نقد نظرية الذكاء العام
كانت فكرة اعتبار الذكاء قيمة عددية يمكن قياسها محل جدال منذ ظهورها، ولم تقنع الكثير من علماء النفس.
وقد أدى ذلك إلى ظهور النظريات الأخرى التي حاولت شرح مفهوم الذكاء من منظور آخر؛ ومن ضمنهما نظرية القدرات العقلية الأساسية، ونظرية الذكاءات المتعددة.
نظرية القدرات العقلية الأساسية
أسسها (لويس إل ثورستون).
تركز هذه النظرية على سبع قدرات عقلية أساسية مختلفة، بدلًا من النظر إلى الذكاء على أنه قدرة واحدة عامة.
تشمل تلك القدرات ما يأتي:
- الذاكرة الترابطية: وهي القدرة على الحفظ، واسترجاع المعلومات.
- القدرة العددية: وهي القدرة على حل المسائل الحسابية والعد.
- سرعة الإدراك الحسي: وهي القدرة على رؤية الاختلافات والتشابهات بين الأشياء.
- الاستدلال: وهو القدرة على إيجاد القواعد.
- التصور المكاني: وهو القدرة على تصور العلاقات بين الأشكال والأنماط والمختلفة.
- الفهم اللفظي: وهو القدرة على تعريف وفهم ما تعنيه الكلمات.
- الطلاقة الكلامية: القدرة على الكلام بسلاسة وطلاقة.
نظرية الذكاءات المتعددة
تعد هذه النظرية واحدة من أحدث النظريات التي تحدثت عن الذكاء في علم النفس، وقد أسسها العالم “هوارد جاردنر“.
اعتقد “جاردنر” أن مفهوم الذكاء العام -الذي يمكن قياسه عن طريق اختبار «معدل الذكاء – IQ»- لا يعبر عن قدرات الأشخاص الحقيقية وإمكانياتهم. لذا، بدلًا من ذلك فقد اقترح في نظريته وجود ثمانية أنواع من الذكاءات.

أنواع الذكاءات طبقًا لنظرية الذكاءات المتعددة:
- الذكاءُ الجسدي – الحركي: وهو القدرة على التحكم في أجزاء الجسم، واستخدامها بمهارة في حل المشكلات، والتعامل مع البيئة بفاعلية.
- الذكاء المنطقي: الذكاء المنطقي الرياضي يعني القدرة على التفكير المجرد، وفهم الأنماط والعلاقات،
|والقدرة على تمييزهم.
- الذكاءُ التفاعلي: ويعني القدرة على التواصل الفعال مع الآخرين، وبناء العلاقات الناجحة.
- الذكاء الذاتي: ويعني القدرة على إدراك الذات، والانسجام مع الأحاسيس الداخلية، والقيم والمعتقدات وطريقة التفكير.
- الذكاء الموسيقي: ويعني القدرة على فهم النغمات والإيقاع، واستخدامها بمهارة.
- الذكاءُ الطبيعي: وهو القدرة على التعرف على النباتات والحيوانات والأشياء الأخرى في الطبيعة وتصنيفها.
- الذكاء اللغوي: ويعني القدرة على استخدام الكلمات والأصوات بمهارة وفاعلية.
- الذكاء البصري المكاني: ويعني القدرة على التخيل، وتصور الأشكال والأبعاد، وحسن فهمها وقراءتها.
في النهاية، لا نستطيع القول أن نظرية الذكاء العام أو غيرها من النظريات قد استطاعت أن تُعرِّف مفهوم الذكاء بدقة، ورغم اجتهاد أنصار كل نظرية لإثبات صحتها، فما زال لكل منها -حتى الآن- مؤيدوها ومعارضوها.