ماذا تعرف عن نظرية بافلوف ؟

إذا كنت من دارسي العلوم الطبية، أو من المهتمين بأمور التربية والسلوك، فربما سمعت يومًا ما عن تجربة بافلوف وتطبيقاتها التربوية.
قد تتساءل -عزيزي القارئ-: “ما العلاقة بين علوم الطب وعلوم التربية؟ وما الرابط الذي يربطهما سويًا بهذه التجربة؟”.
هذا ما سنجيبك عنه بالتفصيل في السطور القادمة من هذا المقال، والذي نتحدث فيه عن نظرية بافلوف،
وتأثيرها في عملية التعلم وتقويم السلوك.
أولًا…
ما هي نظرية بافلوف ؟
هي نظرية تشرح إمكانية تعلُّم أو اكتساب سلوك ما عن طريق الارتباط الشرطي، ويعني -أي الارتباط الشرطي- إقران الاستجابة بمحفز ثابت.
بمعنى آخر، إذا أردت أن تغيِّر صفة أو سلوكًا معينًا في مجموعة من الأشخاص، يجب أن تستمر في تحفيزهم بمحفز محدد لفترة من الوقت، وستحصل في النهاية على الاستجابة المرجوة.
ولكي نفهم هذا الكلام أكثر، سنشرح الآن التجربة التي أجراها العالِم (بافلوف)، والتي بُنِيَت عليها هذه النظرية.
تجربة بافلوف
قبل أن نتطرق إلى تجربة بافلوف، دعونا نتعرف أولًا على العالِم “إيفان بافلوف – Ivan Pavlov” صاحب هذه التجربة، والتي سُمِّيَت باِسمه فيما بعد.
من هو (إيفان بافلوف)؟
هو عالم روسي، كان مختصًا في علم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا)، وقد اشتهر في مجال علم النفس بعد اكتشافه نظرية الاشتراط الكلاسيكي (Classical Conditioning).
وقد توصل (بافلوف) إلى هذا الاكتشاف العظيم -بمحض الصدفة- عندما كان يُجرِي بعض التجارب على الكلاب.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
والآن…
ما هي تجربة بافلوف؟
في العام 1890، كان (بافلوف) يُجرِي بعض التجارب على الكلاب، لدراسة عملية إفراز اللعاب كاستجابة لتناوُل الطعام.
وضع (بافلوف) أنبوبة مخبرية في فم كل كلب، لتجميع اللعاب وقياس كميته وقت تقديم الطعام له.
توقَّع (بافلوف) أن الكلاب ستبدأ في إفراز اللعاب عند وضع الطعام أمامها، ولكنه لاحظ أن الكلاب كانت تفرز اللعاب بمجرد سماعها صوت أقدام مساعده -المسؤول عن تقديم الطعام لها- لحظة دخوله الغرفة.
وهنا، أدرك (بافلوف) أن استجابة الكلاب لعملية الإطعام قد ارتبطت بحدث شرطي آخَر، وهو صوت خطوات المساعد.
وهذه الاستجابة كانت عملية مكتسبة؛ تعلمتها الكلاب نتيجة ربطها بين الحدثين (قدوم المساعد وتقديم الطعام).
وكانت هذه بداية اكتشافه للارتباط الشرطي كوسيلة لتعلُّم سلوك ما، وقد خصَّص ما تبقى من حياته لدراسة هذه النظرية والتعمق بها أكثر.
تجربة بافلوف في الارتباط الشرطي

في العام 1902، وسَّع (بافلوف) نطاق تجاربه لدراسة نظرية الارتباط الشرطي، وقد أجراها أيضًا على الكلاب.
ولكن هذه المرة استخدم “بندول إيقاع” كحدث شرطي ثابت، بدلًا من صوت أقدام المساعد.
في البداية، كان العالِم (بافلوف) يرن جرس بندول الإيقاع في كل مرة يُقدِّم الطعام إلى الكلاب، واستمر على هذا النحو فترة من الوقت.
ثم بعد ذلك، توقف عن تقديم الطعام، واكتفى فقط برن الجرس.
نعم، ما توقعته صحيح تمامًا يا صديقي؛ فقد كانت الكلاب تفرز اللعاب في كل مرة تسمع فيها الجرس، حتى بدون وجود الطعام.
وهنا، تأكدت لدَى (بافلوف) نظريته التي أسماها “نظرية التعلم الشرطي”، أو “الاشتراط الكلاسيكي – Classical Conditioning”.
نظرية التعلم الشرطي عند (بافلوف)
وفيها -باختصار- يقول (بافلوف) أن أي إنسان أو حيوان يمكنه تعلُّم أي شيء، عن طريق ربطه بمحفز آخَر ثابت الحدوث لفترة من الوقت.
على سبيل المثال، إذا كافَأْتَ طفلك -في كل مرة يفعل فيها شيئًا جيدًا- بلعبة مُحبَّبة إلى قلبه، سينشأ لديه ربط شرطي بين هذا الفعل، والمكافأة في عقله اللا واعي.
وستكون الاستجابة الشرطية لديه هي شعوره بمشاعر من البهجة والسعادة عند كل مرة يفعل فيها هذا السلوك،
وبهذا ستكون ربطت لدى طفلك الفعل الجيد بمشاعر السعادة عن طريق المحفز الثابت، وهو المكافأة.
يقع المثال السابق تحت ما يُسمَّى “سيكولوجية الثواب والعقاب”، وهي إحدى تطبيقات نظرية بافلوف في مجال السلوك والتربية، وهذا ما سنتحدث عنه بالتفصيل في الفقرة القادمة.
التطبيقات التربوية في نظرية بافلوف
لاقت نظرية بافلوف رواجًا واسعًا بين علماء النفس، وآمن بها الكثير ومنهم العالم “جون واتسون – John Watson”، الذي قال أن جميع سلوكات البشر يمكن تفسيرها بهذه النظرية.
إليك الآن بعض التطبيقات التربوية والتعليمية لنظرية بافلوف:
- سيكولوجية الثواب والعقاب

يتبع الكثير من الآباء والمعلمين هذه السيكولوجية في تقويم سلوك الأطفال، وتعتمد أيضًا على الارتباط الشرطي، حيث تُرْبَط أفعال الطفل الإيجابية بالثواب، والسلبية بالعقاب.
فتنشأ لديه استجابة شرطية، تتمثل في الشعور بالسعادة عند فعل السلوك الجيد، والحزن عند فعل السلوك السيئ، فيعزز هذا لديه السلوك الجيد، ويُنفِّره من السلوك السيئ.
- تعلُّم اللغات والرياضيات
يساعد الارتباط الشرطي الأطفال الأصغر سنًا على تعلُّم اللغات الأجنبية ومبادئ الرياضيات.
فمثلًا، عندما تُقدِّم لطفلك مجموعة من الكروت مطبوعة عليها صور بعض الحيوانات، وفي كل مرة تعرضها عليه تخبره باِسم الحيوان.
مرة بعد مرة، سيربط الطفل الصغير بين اسم الحيوان وصورته. وكذلك الأمر في تعلُّم المبادئ الأساسية للرياضيات.
مثل: حفظ شكل الأرقام والعد وغيرها.
- تعليم الصغار التكيُّف والتأقلم على النظام
على سبيل المثال، تتبع جميع المدارس والمؤسسات التعليمية مجموعة من القواعد الثابتة، مثل: الالتزام بالزي المدرسي الموحد، ومواعيد الحصص، وغير ذلك.
مع الوقت، يتأقلم المتعلمون على هذه القواعد، ويمارسونها تلقائيًا -وبدون تفكير- بمجرد دخولهم لهذه الأماكن.
في الحقيقة، هذا يحدث أيضًا مع الكبار في الحياة العامة، ولكن على نطاق أعمَّ وأشمل.
مثل تأقلم الموظفين على مبادئ وأخلاقيات بيئة عمل ما، أو تكيف المهاجرين مع قواعد وقوانين المجتمعات الجديدة التي هاجروا إليها، وغير ذلك الكثير من الأمثلة.
- التخلص من العُقَد النفسية
يعاني بعض الأشخاص عقدًا نفسية مرتبطة بشيء معين، مثل التشاؤم من حيوان أو طائر ما.
قد تساعد نظرية بافلوف والارتباط الشرطي هؤلاء على التخلص من عُقَدهم، عن طريق ربط الشيء الذي يكرهونه بشيء آخَر إيجابي ومُحبَّب إلى نفوسهم.
مع الوقت، ستتحول مشاعرهم السلبية تجاهه إلى أخرى إيجابية.
نقد نظرية بافلوف
كما آمن الكثيرون بنظرية بافلوف وبتطبيقاتها في التعلم واكتساب السلوك، رفضها آخَرون وقالوا أن السلوك البشري أعمق بكثير، وأعقد من أن تفسره نظرية واحدة بهذه السطحية.
وكان من أسباب اعتراضهم أن نظرية بافلوف:
- أهملت وجود رغبة واهتمام من المتعلمين أنفسهم في عملية التعلم، وهذا يفسر الاستجابة المختلفة للتلاميذ تجاه نفس الأسلوب التعليمي.
- بُنِيَت على نتيجة تجارب أُجرِيَت داخل المعامل، وهذا يختلف كليًا عن السلوك البشري؛ والذي هو أعقد من مجرد تفاعل بين عوامل بيئية وبيولوجية.
- اختزلت السلوك البشري في كونه مجرد استجابة شرطية لمحفز ما، والحقيقة أن السلوك الواحد لأي شخص يتأثر بعشرات العوامل والمحفزات في وقت واحد، وتتداخل جميعها لتكوين استجابة ما.
- افترضت أن جميع البشر متشابهون في ردود أفعالهم تجاه المؤثرات البيئية والمجتمعية، وهذا ليس صحيحًا؛ فالبشر يتمتعون بإرادة حرة تُمكِّنهم من اختيار أفعالهم، وتَحمُّل مسؤولية نتائجها وعواقبها.
ختامًا، فإن نظرية بافلوف تُعَدُّ من الاكتشافات العظيمة التي مهَّدت الطريق لكثير من الأبحاث والدراسات الأخرى في مجال التربية والسلوك.
وإن كنا نؤكد أنها لا تصلح وحدها لتفسير كل ما يتعلق بتصرفات البشر؛ فخبايا النفس البشرية أعقد من أن تفسرها أو تتوقعها نظرية واحدة مهما بلغت دقتها!
معلومات قيمة شكرا لكم ونتامل المزيد