وهم التحكم | كيف تخدعنا أجسادنا؟!

جلس (آدم) على مكتبه وبدأ يستذكر دروسه، بعد مدة شعر بالعطش الشديد، ومع أن كأس الماء كانت جواره ظل متحملًا عطشه واعدًا نفسه بشربها بعد إنهائه صفحة أخرى!
في يوم آخر، شعر بالعطش الشديد ولم تكن الكأس جواره هذه المرة، فلم يستطع إكمال دراسته وقام ليشرب!
هل حدث معك هذا سابقًا؟
حسنًا، هذا نتيجة ما يعرف بـ”وهم التحكم”… لكن ما هو؟ وما دوافعه ومنافعه؟ ولمَ سمِّي وهمًا؟
هذا ما سنتعرف إليه في مقالتنا هذه…
معنى “وهم التحكم”

هو ظن الإنسان تحكمه في حياته وقراراته، ونزوعه إلى تصديق ذلك.
صيغ تعريف “وهم التحكم” على يد عالمة النفس (إيلين لانجر) عام 1975م، حينما قادتها تجاربها إلى ملاحظة أن الناس لديهم اعتقاد غالب بأن أمورهم تحت سيطرتهم وتخضع لقراراتهم الذاتية.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
ولعلك تعجبت وأنت تشاهد فيلمًا يحوي مشهدًا لمقامرٍ يغامر بماله وكله ثقة في الفوز…
هل استوقفتك نبرة صوته الممتلئة بالقوة والحماسة، وتأهبه الشديد، وعبارات الفخر التي يمطر بها نفسه؟!
والأغرب أنه حينما يخسر يتحمس للمشاركة مرة ثانية، وكأنه ما دام قد خسر أول مرة فلا بد أنه سيحقق الفوز في المحاولة الثانية!
ما دوافع “وهم التحكم”؟
يرى علماء النفس وجود خلط بين “المهارة” و”الحظ” يجعل الناس يقعون في وهم التحكم ويزيح عنهم القلق.
فالمهارة تُكتسب نتيجة تكرار عمل ما مدة زمنية تؤدي إلى إتقانه، ومن ثم اكتساب الفرد قدرة على التحكم فيه.
وهذا يختلف عن الحظ، فهو لا يعتمد على مهارة أو تجربة سابقة ولا يخضع لقانون، ومع ذلك قد يثق الفرد فيه إلى حد ثقته في عمل يمارسه منذ سنوات.
كذلك قد يكون ما يقوده إلى وهمه هذا خلطه بين تصرفه الفعلي ورغبته المرجوة، فيظن أن لا بد أن يؤدي هذا إلى ذاك.
والمثال على ذلك:
إلقاء حجر النرد -وهو عمل يعتمد على الحظ بنسبة أكبر-، فهل لاحظت ثقتك الأكبر في الحصول على الرقم المرجو إن كنت أنت الملقي والأقل إن لم تكن أنت؟!
لماذا يلجأ بعض الأفراد إلى إيهام أنفسهم؟

هل خطر ببالك هذا السؤال من قبل؟
هل تساءلت لماذا يوهم شخص نفسه بشيء غير صحيح؟
وهل يدخل ذلك تحت بند خداع النفس أو الكذب عليها؟
حسنًا، قد نجد إجابة السؤال في تجربة أجراها العالم (جلاس) وزملاؤه عام 1971.
جاء (جلاس) بعدد من المشاركين وأخبرهم أنه بصدد تجربة جديدة لإدراك مدى تأثير المستويات المختلفة من الضوضاء على أدائهم في أثناء إجراء بعض المهام اليسيرة.
قسم (جلاس) المشاركين إلى فريقين، كلاهما كان ملزمًا بتدقيق مقال وإبراز الأخطاء المذكورة فيه في وسَط ضوضائي مزعج، وقد وُصل المشاركون بأسلاك لقياس مدى تعرق جلودهم -لقياس مدى إحساسهم بالتوتر.
وكان الفرق الوحيد هو أنه أعطى لأعضاء الفريق الأول زرًّا يضغطون عليه متى شاؤوا، لإيقاف الضوضاء إذا ما تعذر عليهم استكمال عملهم في وجودها.
بدأ كلا الفريقين العمل، وقد أدى كل فريق عمله في وجود الضوضاء ولم يضطر أحد إلى إيقافها.
لكن الباحثين لاحظوا شيئًا غريبًا، هو أن المجموعة التي كانت تملك زر الإيقاف لم تستخدمه بل وأكملت عملها بدقة وبأداء أعلى، بينما كان أداء المجموعة الأخرى أقل وتوترها واضحًا.
لماذا حدث ذلك؟
يبدو أن المجموعة التي كانت لديها صلاحيات إيقاف الضوضاء -أي لديها شعور بالتحكم- كانت أكثر انضباطًا وتحملًا للمهمة التي أوكلت إليها، وظهر ذلك في نسب توترها الأقل وأدائها الأعلى، على عكس ما حدث للمجموعة الأخرى.
وهم التحكم.. هل يمثل ضرورة في حياتنا؟

إن وهم التحكم له الكثير من الميزات، فتخيل معي شخصًا لا يغامر أبدًا ويجبن عند كل فعل… كيف ستكون حياته ودرجة استمتاعه بها؟!
لا شك أن ذلك سيورثه نوعًا من العجز المكتسب الذي سيقعده عن أغلب التجارب، ويجعله كأنه مقيد بسلاسل.
وعلى النقيض، فإن شعور الإنسان باكتسابه جزءًا من التحكم والسيطرة على حياته يكسبه العديد من الميزات، منها:
- اختبار تجارب جديدة.
- تعزيز ثقته بنفسه.
- تنمية روح الإصرار والمغامرة وقبول التحدي.
- إبراز نقاط قوته واستثمارها.
هل وهم التحكم صحي دائمًا؟
الأمر لا يسير دائمًا هكذا، فقد يؤدي إلى:
- الثقة المفرطة بالنفس وارتكاب حماقات.
- المجازفة وتعريض النفس لأخطار شديدة.
- الشكوى والشعور بالغضب والحنق الشديد إذا لم تسر الأمور على ما يرام.
وقد أجريت دراسات على وظائف تنافسية مرهقة تعتمد على تعظيم الأرباح في زمن قصير، وتبين أن أداء العاملين بها يكون أسوأ والخسارة تكون أكبر إن كان وهم السيطرة أكثر تحكمًا بهم.
فالحل إذًا يكمن في تحقيق الموازنة وإدراك سقف القدرات، اعتمادًا على دراسة المواقف والأنماط الشخصية.
كيف يُستغل وهم التحكم في حياتنا؟
هل اعتقدت يومًا أن زر “أغلق الباب” بالمصاعد لا يفعل شيئًا؟
أنت على حق، خصوصًا إن كنت قد زرت الولايات المتحدة من قبل، فبعد عام 1990 عُطلت هذه الأزرار بعد قرار “منظمة الأمريكيين ذوي الإعاقة”، وذلك لينال ذوو الاحتياجات الخاصة وقتًا كافيًا وشعورًا بالأمان عند استخدامهم المصعد.
إن لوهم السيطرة دورًا في ذلك، فوجود الزر -حتى إن لم تستخدمه- سيجعلك تشعر أنك متحكم في الأمر، ولن يجعلك ذلك تشعر بالضجر في أثناء انتظارك إغلاق الباب.
لذا، فكِّر دائمًا في دوافعك وراقب ما يقودك إليه عقلك، وتذكر أنه حتى الأوهام قد تكون في صالحك فقط إن لم تتعدَّ الحد.
تستطيع الآن أن توهم نفسك بالتحكم وأنت تعي “لماذا”!
بقلم د. مروى محمد