ترياق الأمراض النفسيةترياق الروح
أخر الأخبار

هل يمكن علاج الاكتئاب بدون دواء؟

“وشعرتُ بأن في روحي ثقبًا؛ ثقبًا يتسع ويمتص كل ذكرياتي وحياتي وأحلامي. وودت لو كان شخص أعرفه بقربي أحكي له كل شيء؛ أقص عليه حكاية الثقب…”

— حكاية الثقب، بقلم د. أحمد خالد توفيق

أطالع انعكاس وجهي في المرآة وأعجب كل العجب؛ من ذا الذي يبادلني تلك النظرات الخاوية؟ أهو أنا؟ 

لوهلة، نسيت من أكون، فتشت في صوري القديمة كلها، علني اهتدي. لا أحد في تلك الصور يشبهني؛ ذاك الطفل المرح الضحوك، ليس أنا.

تختفي ملامح وجهي القديم شيئًا فشيئًا؛ أنا لم أعد أنا.

في هذا المقال، نتبادل حديثًا هامسًا حول علاج الاكتئاب بدون دواء، وهل يمكن أن تخوض تلك المعركة الضارية وحدك؟ 

قبل أن نبدأ.. 

أينما ذكرت كلمة الاكتئاب، وجدت أناسًا يسألون السؤال نفسه كل مرة “هل يمكن علاج الاكتئاب بدون دواء؟” 

وربما تجد تفسيرًا لهذا السعي الحثيث وراء تلك الإجابة التائهة؛ فما تتطلبه زيارة الطبيب النفسي المختص من عقبات نفسية ونظرة مجتمعية، والخوف من الأدوية وآثارها الجانبية، قد يجعل في طرق علاج الاكتئاب بدون دواء -من وجهة نظر البعض- طوق النجاة. 

ولكننا، إذ نتحدث في هذا المقال، نحثك ألا تقف عند ذلك الحد، ولا تكتفي بالنصائح المكتوبة، فهي، وإن كانت مفيدة لبوادر الحزن والاكتئاب البسيط، قد لا تكفي وحدها دون استشارة طبية متخصصة تنتشلك من براثن الاكتئاب. 

كذلك تجدر الإشارة إلى أن بعض طرق علاج الاكتئاب لا تعتمد على الأدوية، وإنما على جلسات علاج نفسي.

ما هو الاكتئاب؟ 

ما هو الاكتئاب؟

هو أحد الاضطرابات النفسية الشائعة، التي تؤثر بالسلب على حياتك الشخصية والعملية؛ إذ يسيطر عليك شعور دائم باليأس والحزن، والزهد في الأنشطة التي اعتدت ممارستها، والميل إلى الانعزال، وإحساس غير مبرر بالذنب. 

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

وقد تلعب بعض العوامل دورًا أساسيًا في إصابتك بالاكتئاب مثل:

  • تغير كيمياء المخ.
  • الجينات.
  • طبيعة شخصيتك.
  • الأحداث الخارجية التي تتعرض لها.

ما أعراض الاكتئاب؟

تتباين شدة الأعراض من خفيفة إلى عنيفة، ومنها على سبيل المثال:

  • إحساس بالحزن: لا يمكنك التخلص منه مهما كانت الظروف من حولك سعيدة أو مطمئنة.
  • ترك الهوايات والنشاطات الاجتماعية: ربما كنت رسامًا أو فنانًا، ولكن لا شيء مما اعتدته صار مبهجًا أو قادرًا على جلب السعادة لقلبك.
  • تغير في الشهية: قد تفقد شهيتك للطعام، أو تزداد شهيتك بشكل يؤثر على وزنك.
  • عدم انتظام النوم: قد تعجز عن النوم أو تقضي أغلب اليوم نائمًا على غير المعتاد.
  • فقدان الطاقة: تشعر بالإرهاق والتعب من أقل موقف، وتحس أن طاقتك مستنزفة دائمًا.
  • صعوبة في التركيز: تعجز عن التفكير بشكل صحيح أو اتخاذ قرارات.
  • شعور بالذنب: لا تعرف من أين يأتي ذلك الشعور، ولكنك لا تستطيع التوقف عن لوم نفسك، ويسيطر عليك إحساس خاطئ بأن وجودك لا يهم، ولا يشكل فارقًا.
  • وجود ميول انتحارية: تسيطر عليك رغبة ملحة في إنهاء حياتك، ولا تنفك عن التفكير في الموت. 

ولابد أن تستمر هذه الأعراض لمدة أسبوعين على الأقل لتُشخص بالاكتئاب. 

قبل أن نواصل حديثنا عن علاج الاكتئاب بدون دواء، دعني أذكرك يا صديقي العزيز، بأن تلك الأفكار السيئة التي تراودك وتدفعك دفعًا لنهاية حزينة، هي أمر يمكن علاجه ويمكن السيطرة عليه إذا حصلت على الدعم والعلاج اللازمين. وأن حياتك الثمينة الغالية، تستحق أن تناضل من أجلها، فلا تستسلم.

ما الفرق بين الحزن والاكتئاب؟

لكي نتمكن من علاج الاكتئاب بدون دواء، علينا أن نفرق بشكل أوضح بين الشعور الطبيعي بالحزن، الذي يصاحب المواقف الحياتية الصعبة، والاكتئاب باختلاف درجاته.

شعورك تجاه المواقف المحيطة

نشعر بالحزن لفقدان عزيز، أو خسارة صديق، ولكن يظل ذلك شعور مقتصرًا على موقف بعينه، ويأتي الحزن على دفعات، تهدأ وتثور، كالمد والجزر. ولولا الحزن ما عرفت للسعادة طعم. 

بينما ينشر الاكتئاب غلالة سوداء على عينيك، فتؤلمك المواقف كلها، ولا تشعر بالحماس تجاه أي موقف مهما كان مبهجًا. 

إحساسك تجاه ‎نفسك

شعورك تجاه نفسك

مهما بلغ بك الحزن، تظل نظرتك لنفسك ثابتة، في حين يدخلك الاكتئاب في دوامة من ازدراء النفس، فتصبح نفسك عدوك الأول؛ تؤنبها وتقسو عليها. 

تأثيره على سير حياتك

مهما كان حزنك ناجعًا، تجد في نفسك القدرة على مواصلة حياتك؛ تذهب إلى عملك، وتتناول طعامك وتحصل على قسط نومك كالمعتاد.

ولكن الاكتئاب يكبل روحك بأغلال من حديد، فتشعر باستسلام يعجزك على إتمام الأمور التي تبقيك على قيد الحياة. 

كيفية علاج الاكتئاب بدون دواء

يتوقف قرار علاج الاكتئاب بدون دواء على شدة الاكتئاب لديك، وما إذا كانت هنالك ميول انتحارية أو أي محاولات لإيذاء نفسك، ومن طرق علاج الاكتئاب بدون دواء ما يلي:

العلاج النفسي أو العلاج بالكلام

يتضمن هذا النوع من العلاج مجموعة من الجلسات مع طبيب نفسي، يتراوح عددها من 10 إلى 15 جلسة حسب حالتك.

يوضح لك طبيبك مواطن الخلل في نمط تفكيرك، ويساعدك على إيجاد طرق للتكيف، ويوجهك للتصرف الصحيح في حال سيطرت عليك أي أفكار سلبية. 

وينقسم العلاج بالكلام إلى أنواع مثل:

  • العلاج السلوكي المعرفي: تكون جلساته منظمة وتسير وفق خطة معينة تهدف إلى زيادة وعيك وإدراكك بالمشكلة وتصحيح السلوك الناجم عن تلك المشكلة.
    اقرأ أكثر عن: العلاج السلوكي المعرفي.
  • العلاج الجماعي: تنضم إلى مجموعة علاجية تشاركك نفس المشكلة، ويدير المعالج النفسي دفة الحوار في هذه المجموعة بشكل يتيح لك التعبير عن نفسك والاستفادة من خبرات الآخرين.
    كذلك يمنحك مساحة أفضل للتعامل مع الآخرين في بيئة مصغرة آمنة، تمكنك من فهم نفسك وتقديم الدعم لمن حولك. 
    اقرأ أكثر عن: العلاج الجماعي.

العلاج بالصدمة الكهربائية

تستخدم هذه الطريقة لعلاج الاكتئاب الشديد والاضطراب ثنائي القطب الذي لم يستجب لأي أدوية أو علاج نفسي. 

وتعتمد هذه الطريقة على استخدام شحنة كهربائية بسيطة للمخ بهدف تعديل كيمياء المخ المسببة للاكتئاب.

ويتم الأمر تحت تخدير، وتحت إشراف طبي متخصص.

تتكرر هذه الجلسات عادة مرتين أو ثلاثة خلال الأسبوع، ويتراوح عددها من 6 إلى 12 جلسة. 

نصائح للتكيف والتعامل مع الاكتئاب

ربما سمعت تلك النصائح أكثر من مرة، لكننا نعيدها على سمعك، لتبقى محفورة في ذهنك لما لها من أهمية بالغة:

  • تناول طعامك بانتظام: تجنب الأطعمة غير الصحية والجاهزة، والإفراط في الكربوهيدرات. وأكثر من الخضراوات والفاكهة.
  • نل قسطًا كافيًا من النوم: لا تفرط في السهر ولا في النوم.
  • احرص على ممارسة رياضة خفيفة: كالمشي مثلًا كلما أمكن.
  • ابتعد عن الشخصيات السلبية: ولكن لا تستسلم للعزلة، افتح قلبك لمن حولك ممن يحرصون على سلامتك.
  • جد هدفًا مناسبًا لك: حدد لنفسك أهدافًا واقعية يمكن تحقيقها، ولا تسعى وراء أهداف غير منطقية؛ سيضعف ذلك عزيمتك.

ربما تجد في علاج الاكتئاب بدون دواء راحة لك، ولكن خذ في اعتبارك أن علاج الاكتئاب الشديد بدون دواء قد لا يكون خيارًا ممكنًا.
فعلى الرغم مما تظنه عن مضادات الاكتئاب، فإنها قد تكون ضرورية للتحكم في الأعراض والتغيرات في كيمياء المخ.
وتذكر، يا صديقي العزيز، مهما حاول الاكتئاب القاسي جرك لظلام دامس، قاوم!
ومهما كتم أنفاسك، اصرخ! ومهما شعرت بالوحدة، تأكد أنك لست وحدك، فلا تيأس!

اظهر المزيد

د. لميس ضياء

صيدلانية إكلينيكية، قضيت شطرًا من عمري بحثًا عن العلم، وأنوي قضاء الشطر الآخر في تبسيط ما تعلمته وتقديمه بلغة سهلة مستساغة للجميع. تستهويني النفس البشرية وأسعى دومًا لسبر أغوارها، وفك طلاسمها، وفهم ما قد يؤرقها من اضطرابات واعتلالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى